كمبالا: أحمد يونس
دعا رئيس وزراء «حكومة السلام والوحدة» الموالية لـ«قوات الدعم السريع» في السودان وعضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، محمد الحسن التعايشي، إلى تصنيف الحركة الإسلامية وكتائبها وواجهاتها المختلفة بأنها تنظيمات إرهابية، والعمل على تفكيكها بكل الوسائل، مؤكداً التزام حكومته بالتعاون مع المجتمعين الإقليمي والدولي في محاربة الإرهاب.
وجاءت الدعوة في خطاب مطول ألقاه بمدينة نيالا في جنوب دارفور، مساء السبت، قدّمه بصفته «الخطاب التأسيسي» لحكومته التي أُعلن عن تشكيلها أواخر أغسطس (آب)، تحت قيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونائبه عبد العزيز الحلو، استناداً إلى ميثاق تحالف «تأسيس» تم توقيعه في نيروبي مطلع العام.
وأكد الخطاب على مرجعيات تقوم على الوحدة الطوعية، والعلمانية، والفيدرالية، وبناء جيش وطني جديد بعقيدة مختلفة، وتحقيق العدالة الانتقالية وعدم الإفلات من العقاب.
وحدد التعايشي أولويات عاجلة تشمل حماية المدنيين، وتوفير الأمن والمساعدات الإنسانية، ومعالجة أوضاع النازحين واللاجئين، وتقديم الخدمات الأساسية، إلى جانب إطلاق خطة للاستثمار في الموارد الاقتصادية، وتمكين الشباب والنساء.
لكن التعايشي شنّ هجوماً عنيفاً على الحكومة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان، متهماً إياها بالتحالف مع الإسلاميين، وبتحويل السودان إلى «حاضنة للإرهاب».
ويرى مراقبون أن الخطاب يعكس تعمق الانقسام في البلاد، ما يكرّس واقع «حكومتين»، ويزيد من تعقيد مسارات التسوية ويهدد وحدة البلاد. وعلى الصعيد الخارجي، يُرجح أن يثير الإعلان انقساماً في المواقف بين دول قد تضطر للتعامل مع الحكومة الموازية في القضايا الإنسانية أو الأمنية، وأخرى تتمسك بالاعتراف بحكومة البرهان.
قال المحلل السياسي محمد لطيف إن الخطاب قدّم قراءة تاريخية مهمة للأزمة السودانية، لكنه ظل في الإطار النظري. وأوضح أن الحكومة تواجه تحديات كبرى، أبرزها فقدان السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، وتفاقم الأزمات الأمنية والإنسانية حتى في المناطق الخاضعة لها.
وأضاف أن انتماء الحكومة إلى منظومة عسكرية ارتبطت بانتهاكات واسعة خلال الحرب، وخاصة ممارسات «قوات الدعم السريع» ضد المدنيين، يضعها أمام ضرورة الاعتذار، والبحث عن آليات لتعويض الضحايا، إذا ما أرادت كسب المصداقية، مؤكداً أن وحدة السودانيين لن تتحقق إلا عبر آليات عملية، لا بالشعارات.
في المقابل، اعتبر المحامي والقيادي في تحالف «تأسيس»، حاتم إلياس، أن الخطاب لا يعكس صراعاً تقليدياً بين سلطتين على الشرعية، بل يمثل تحولاً جذرياً في التفكير السياسي السوداني.
وأوضح إلياس أن التعايشي تناول قضايا شائكة عطلت المشهد السياسي لعقود، وفي مقدمتها قضية العلاقة بين الدين والدولة التي حُسمت في ميثاق «تأسيس» وأكدها الخطاب، معتبراً أن ذلك يشكل انقطاعاً واسع المدى عن الموروث السياسي التقليدي، ويفتح المجال أمام استقطاب فاعلين سياسيين جدد.
ورغم الطابع التأسيسي للخطاب وما حمله من وعود بالسلام والعدالة، فإن ارتباط حكومة التعايشي بتحالفات عسكرية، وعلى رأسها «قوات الدعم السريع»، المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة، يثير تساؤلات حول مدى واقعية ومصداقية التعهدات.
ويتفق المحللون على أن اختبار جدية الحكومة يكمن في اتخاذ خطوات عملية مثل وقف الانتهاكات، وضمان وصول المساعدات، والتعاون مع آليات المساءلة الدولية.
وبينما يعتبره البعض بداية لمشروع سياسي جديد، يراه آخرون مجرد خطاب دعائي في صراع سلطوي وعسكري معقد، ويبقى خطاب التعايشي مفتوحاً للنقاش بانتظار الأفعال على الأرض، وما إن كانت حكومته قادرة على الالتزام بتعهداته، وبالحفاظ على وحدة البلاد، فضلاً عن ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية.
الشرق الأوسط