بقلم: تماضر بكرى
في كل أمة، يشكّل التعليم والتربية جناحي النهضة. لكن في السودان ، وتحديدًا خلال سنوات حكم الإنقاذ، تم قصّ هذين الجناحين عمدًا، فغابت التربية، وتحوّل التعليم إلى أداة أيديولوجية، فكانت النتيجة انهيارًا أخلاقيًا، اجتماعيًا، وأكاديميًا لا يزال المجتمع يدفع ثمنه حتى اليوم.
فمنذ بخت الرضا، ظل التعليم السوداني أسيرًا لنموذج “التعليم البنكي”، حيث يُعامل الطالب كوعاء يُملأ بالمعلومات دون أي اعتبار لتنمية التفكير النقدي أو المهارات الحياتية. هذا النموذج لم يتطور، بل تراجع أكثر في عهد الإنقاذ، حين تم تسييس المناهج، وتغليب الحفظ على الفهم، فغابت المدرسة كمكان آمن ومحبب، وغاب المعلم كمصدر احترام وقدوة.
فكانت نتائج ذلك نتائج كارثية: من الأخلاق إلى الأكاديميات*
ما حدث لم يكن مجرد خلل تربوي، بل دمار مجتمعي شامل، تجلّى في صور متعددة هنا ساذكرة كامثله لا للحصر فنتاج ذلك لا يحصر لان الجيل الذي دمر لم يتعافي بعد ومازالت العلل تنتهشه ولكن لننظر ماذا حدث…..
– احتراب داخلي: غابت ثقافة الحوار، وحلّ محلها العنف اللفظي والجسدي، حتى داخل المدارس.
– ضعف التدين الحقيقي: حيث تم استبدال التدين السلوكي بالقشور، فانتشر الرياء والتطرف بدلًا من الرحمة والتسامح.
– تردي أخلاقي: تفشى الكذب، الغش، وانعدام المسؤولية، حتى بين المتعلمين.
– انهيار الاحترام: لم يعد الطالب يحترم المعلم، ولا المواطن يحترم القانون، لأن القيم لم تُغرس بل فُرضت.
– ضعف المستويات الأكاديمية: تراجع التحصيل العلمي، وتدهورت نتائج الطلاب، لأن التعليم فقد جوهره، وتحول إلى شعارات فارغة.
– تباعد أسري متفاقم: غابت الأسرة عن المشهد التربوي، ففقد الطفل مرجعيته، وتعمّقت الفجوة بين الأجيال.
انظروا كيف غيبت الأسرة فاصبحت التربية بلا جذور*
في ظل سيطرة الدولة على التعليم، تم تهميش دور الأسرة تمامًا. لم تُشرك في صياغة المناهج، ولم تُحترم قيمها، بل تم استبدالها بأيديولوجيا حزبية. فغابت الرقابة التربوية، وغابت القدوة، وترك الأطفال لتنشئة مشوهة، لا تمت لثقافتهم ولا لدينهم بصلة.
أناشيد الجهادية: تمجد العنف بدلًا من السلام
إدخال الأناشيد الجهادية إلى المدارس شكّل وجدانًا لا يعرف السلام، بل يتغذى على القمع ويُمجّد العنف. نشأ جيل يرى في الحرب بطولة، وفي الإقصاء انتصارًا، فتشوّهت الطفولة، وغابت المدرسة كمصدر للتسامح، وتحولت إلى ساحة تعبئة لا تنشئة.
هل يمكن تحويل الموقف من الاعتراف إلى الإصلاح
إن ما حدث في التعليم السوداني خلال سنوات الإنقاذ ليس مجرد تجربة فاشلة، بل جريمة تربوية بحق الأجيال. لا يمكن الحديث عن إصلاح المجتمع دون الاعتراف بأن المناهج كانت أداة تدمير، وأن التربية غابت حين غابت الأسرة. إن العودة إلى العقل النقدي، والقيم الإنسانية، تبدأ من إعادة بناء المدرسة، لا من إعادة إنتاجها.
دروب