في الوقت الذي أعلن فيه عضو مجلس السيادة، إبراهيم جابر، أن “ولاية الخرطوم أصبحت مؤهلة لاستقبال المواطنين، وتتوفر بها الخدمات العلاجية والوقائية”، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من الردود الناقدة والمكذبة للتصريحات الرسمية، حيث وصف المواطنون العاصمة بأنها “غير صالحة للحياة والسكن” في ظل التردي الخدمي والصحي والأمني.
المواطنون أشاروا إلى أن بعض مناطق الخرطوم تعيش في ظلام دامس منذ أشهر، دون كهرباء منتظمة، بينما لا تتوفر مياه الشرب إلا في نطاق محدود عبر الطاقة الشمسية، وغالبًا ما تكون مياهاً ملوثة.
ورصدت «التغيير» ردود أفعال بعض المتداخلين في منصات “التواصل الاجتماعي” رداً على حديث عضو مجلس السيادة، إبراهيم جابر، والتي جاء أغلبها مكذباً لحديثه.
وقال أحد السكان: “أولاً “كهرباء ما في”، ثانياً المياه موجودة في بعض المناطق فقط، وأحياناً تكون ملوثة.”
الوضع الصحي بدا أكثر قتامة، إذ يشتكي الأهالي من ندرة المستشفيات وارتفاع تكاليف الفحوصات والأدوية، في وقت تتفشى فيه أمراض الملاريا وحمى الضنك والتيفويد والكوليرا.
وأكد مواطن من بحري: “ما في بيت الليلة إلا وفيه ثلاثة أو أربعة مصابين بالضنك أو الملاريا”. الفحص غال والعلاج أغلى.” وأضاف آخر “الوبائيات تفتك بالناس والعلاج ليس في مقدورهم.”
أما صحة البيئة، فقد وصفها السكان بالكارثية، حيث الذباب يملأ الأجواء نهارًا والبعوض ليلًا، وسط غياب تام لبرامج المكافحة. وقال أحد المعلقين ساخراً “الذباب والبعوض أكتر من “الدعامة” حمى الضنك تقتل الناس”
وتتفاقم المعاناة المعيشية بسبب غلاء المواصلات وانعدام فرص العمل، حيث أوضح أحدهم بأن “المواصلات غالية جداً ومرهقة لجيب المواطن المُعدم أصلاً، ولا توجد وظائف… الناس ترجع تشتغل شنو؟”
الأمن بدوره ظل هاجساً بارزاً، حيث شكا مواطنون من تفشي السرقات والنهب في أحياء أم درمان ودنوباوي وشمال بحري.
وكتب أحد السكان: “البيوت مهدمة، الشوارع مليئة بالعصابات وناس مسلحين، نحن ما مطمئنين نرجع إلا لو نزعوا السلاح.”
الغضب الشعبي ظهر جلياً في التعليقات التي اتهمت المسؤولين بتزييف الحقائق. وكتب أحدهم “كذاب، رجل في منصبك ما المفروض يضلل الشعب… الخرطوم غير صالحة للحياة، أنتم قاعدين في بورتسودان، وتطلبوا من الناس يرجعوا..”
وبينما ترى الحكومة أن الخرطوم مؤهلة لعودة النازحين، يقول مواطنوها إن الواقع مختلف تمامًا، فـ “لا توجد كهرباء، لا ماء، لا صحة، ولا أمان”، لتبقى الحقيقة عند الناس في الميدان الذين يرددون “الخرطوم اليوم لا تصلح للعيش.”
ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 تحولت الخرطوم من عاصمة نابضة بالحياة إلى مدينة منكوبة بلا ملامح، إذ دُمّرت أجزاء واسعة من بنيتها التحتية الحيوية جراء القصف والاشتباكات، وانقطعت عنها الخدمات الأساسية بصورة شبه كاملة.
ويعيش السكان في عتمة دائمة بعد انهيار شبكة الكهرباء، فيما تراكمت النفايات في الشوارع وتفشّت الروائح الكريهة مع غياب نظام الصرف الصحي، لتتحول البيئة الحضرية إلى مصدر إضافي للأمراض.
أما المستشفيات، فقد أُغلقت غالبيتها أو خرجت عن الخدمة بفعل التدمير أو النهب أو نقص الكوادر، تاركة مئات الآلاف بلا رعاية صحية في مواجهة الجروح والأوبئة والموت الصامت.
التغيير