آخر الأخبار

جنوب دارفور: حين تسقط الأشجار.. ينمو اقتصاد الحرب من رماد الغابات

شارك

ملاذ البدوي وصلاح محمد

في عمق ولاية جنوب دارفور غربي السودان، حيث كانت الغابات تحمي القرى والمدن وتمنح الأرض اتزانها، باتت الأشجار تسقط واحدة تلو الأخرى. لم تعد المناشير تُخبأ، ولا الشاحنات تُفتّش، فوسط غياب الدولة وتفكك مؤسساتها، انفتح الطريق على مصراعيه أمام واحدة من أخطر موجات استنزاف الغطاء الشجري في تاريخ الولاية.

خلال العامين السابقين من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع فقد السودان مساحات شاسعة من الغابات في ظل دمار كبير لحق بالأشجار بالعاصمة الخرطوم ومدن عدة بولايات البلاد وظاهرة القطع العشوائي التي تفاقمت بسبب طول أمد الحرب فضلاً عن أزمة غاز الطهي بعد انعدامه في محال التوزيع وتوقف مصفاة النفط الرئيسية بمنطقة الجيلي شمال مدينة بحري عن العمل، إذ تغطي 50 في المئة من إنتاج الغاز للاستهلاك المحلي؛ مما دفع المواطنين إلى العودة للاحتطاب البدائي وأجبرهم على قطع أشجار الغابات بأقاليم السودان المختلفة لاستخدامها كوقود للطهي وإعداد الوجبات، علاوة على جمع الأخشاب وبيعها في الأسواق وكذلك رواج تجارة الفحم النباتي المربحة التي دفعت التجار إلى زيادة وتيرة إنتاجه بصورة شكلت خطراً على الغطاء الشجري.وأبرز هذا الضرر البيئي تجلى بوضوح في ولاية جنوب دارفور غربي السودان.

صورة ارشيفية لقطع الغيار المصدر : وسائل التواصل الإجتماعي

ولاية التنوع الزراعي:

ولاية جنوب دارفور إحدى الولايات الخمس التي تشكل إقليم دارفور، وتضم 21 محلية وعاصمتها مدينة نيالا تبعد عن العاصمة الخرطوم بما يزيد عن 1000 كيلومتر، وتعد من المناطق التي واجهت أسوأ موجات التعدي البيئي، مع تزايد الاعتماد على الفحم والحطب في غياب تام للتيار الكهربائي وغاز الطهي، ما أدى إلى قطع مفرط للأشجار وتدهور واسع في الغطاء النباتي، وسط غياب لأجهزة الدولة وتواطؤ جهات عسكرية ومدنية في تهريب الموارد إلى دول الجوار.

صورة جوية لمدينة نيالا (تصوير :طه حسين)

وكانت الولاية تتميز بتنوعها حيث تضم مناطق زراعية ورعوية هامة إذ تشمل 73 غابة محجوزة، معظمها تعرض لدمار جزئي أو كلي منذ اندلاع الحرب وما قبلها. كما فاقم عزلها عن مركز البلاد من الأزمة.

تسيطر قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ أبريل 2023 علي ولاية جنوب دارفور منذ مابعد ست أشهر من اندلاع القتال أي في أكتوبر. وتتخذ عاصمتها نيالا مقرًا لحكومتها الجديدة الموازية للسلطة المركزية بقيادة الجيش.

بالنسبة لما قبل الحرب بحسب تصريحات صحفية لمدير الهيئة القومية للغابات وقتها ،أنور عبد الحميد الحاج ، فيبلغ الحجم الكلي لمساحة الغابات في السودان نحو 52 مليون فدان، أي ما يعادل 10 في المئة من حجم المساحة الكلية للبلاد.وكان حجم المساحات الغابية بالبلاد قبل انفصال دولة جنوب السودان عنه تقدر بنحو 152 مليون فدان، مما يعني أن البلاد فقدت ثلثي المساحات الغابية أي ما يشكل نسبة 66 في المئة.

انفوغرافيك يوضح دور الغابات في السودان؛المصدر: الهيئة الوطنية للغابات (2022)

وفق تقرير نشر بمجلة منتدى الدفاع الأفريقي ( ADF ) فإن المنظمة العالمية لمراقبة الغابات، وهي منظمة غير حكومية، كانت قد قالت إن جنوب دارفور، فقدت 48 هكتاراً [نحو 120 فداناً] من غاباتها في عام 2021. وبلغ إجمالي خسائرها من الغطاء الشجري خلال الـ 20 عاماً الماضية 10,500 هكتاراً [أي نحو 25,000 فدان].

وتسهم الغابات بنحو 69 في المئة من إجمال الطاقة المستهلكة في السودان، وتمد القطيع القومي (الماشية) بنحو 30 إلى 70 في المئة من احتياجاته للعلف في فصلي الخريف والصيف على التوالي، كما تستوعب 15 في المئة من العمالة في الريف وتوفر من الأخشاب نحو 21 مليون متر مكعب تستهلك هذه الكمية في هيئة تسعة ملايين متر مكعب من حطب الحريق و8 ملايين متر مكعب من الأخشاب المحولة إلى فحم، ونحو 3 ملايين متر من الأخشاب المستديرة والمنشورة.

انفوغراف يوضح دور الغابات في السودان؛المصدر:الهيئة القومية للغابات (2022)

يعكس التقرير التالي الوضع البيئي في الولاية المنعزلة عن مركز السودان فيما تشهد فراغاً إدارياً وسياسياً رغم اتخاذها كعاصمة لحكومة الدعم السريع الجديدة التي شكلتها لتكون موازية لسلطة الجيش من خلال افادات خبراء بيئيين وإداريين بالولاية ومواطنيين مقيمين بها ، كما يلفت النظر إلى اهمال الطرف الذي يحكمها لملف البيئة بل وضلوعه في مفاقمة الأزمة.

وتُجمِع افادات الخبراء والمسؤولين التي استمعت لها ( دارفور 24) إلى مجموعة من العوامل التي أسهمت في التدهور البيئي الكبير الذي تشهده ولاية جنوب دارفور. في مقدمتها وقوع عدد من الغابات المحجوزة ضمن مناطق الاشتباكات المسلحة، وتوقف سبل كسب العيش بالنسبة لعدد كبير من السكان، ما دفعهم للاعتماد المباشر على الموارد الطبيعية، خصوصًا الأشجار.

وتفاقمت الأزمة مع غياب الحماية القانونية والمؤسسية، ونزوح موظفي الهيئة وتوقف مرتباتهم، فضلاً عن انتشار السلاح وضلوع المجموعة العسكرية التي تسيطر علي المنطقة في تهريب منتجات الغابات.

كما تُشير الإفادات إلى أن جزءًا من الانهيار البيئي ناتج عن سياسات زراعية غير مدروسة، إذ تحولت بعض مناطق الغابات إلى مزارع ري جديدة كما في وادي “كايا”ـ 80 كلم غرب العاصمة ـ ، ما تسبب في اقتلاع آلاف الأشجار. كما تضررت غابة “النيم” بجوار كبري مكة جنوبي نيالا من القصف، وجفت أشجارها تدريجيًا.

صورة غابة النيم مدينة نيالا، المصدر : فيسبوك

خلال إفادته لـ دارفور 24 حذرالزعيم الأهلي بالولاية الشيخ حسن إدريس يوسف، من استنزاف غابي واسع تشهده الولاية، مشيرًا إلى أن الفوضى في التصاريح وغياب الرقابة أفضت إلى تدمير غابات كاملة.

وأضاف يوسف: ” هناك مناطق أصبحت خالية من الأشجار بسبب الفوضى في التصاريح وغياب الرقابة. الأشجار والغابات في محليات مثل السلام، عد الفرسان، كبم، أم دافوق، كاس، شطاية، مرشينج، برام، والردوم تضررت بشدة”.

موارد يصعب تعويضها:

المهندسة بوزارة الزراعة في جنوب دارفور، مروة عمر الحاج،كشفت في السياق لـ دارفور 24 عن تأثر بالغ لقطاع الغابات بالولاية خلال فترة الحرب، نتيجة للقطع الجائر الذي تم بشكل واسع في ظل غياب أجهزة الدولة وانعدام الرقابة.

وقالت الحاج إن هذا التدهور يهدد بانعكاسات بيئية خطيرة، من بينها تفكك التربة وارتفاع درجات الحرارة،وأرجعت هذا التعدي على الغابات إلى غياب غاز الطهي، مما أدى إلى الاعتماد المتزايد على الفحم والحطب كمصادر بديلة للطاقة، مما ساهم في تفاقم الضغوط على الغطاء النباتي.

وأكدت أن هذه الظاهرة أحدثت آثاراً يصعب معالجتها في المدى القريب، مشيرة إلى أن محمية الردوم الطبيعية، الواقعة على بُعد 200 كيلومتر جنوب نيالا، تعرضت لعمليات قطع جائر، سواء لاستخدام الأخشاب أو لتحويلها إلى فحم وحطب وقود، أو تهريبها إلى دول الجوار.

وقالت إن هذه المحمية، التي لم تتدخل يد الإنسان في زراعتها، باتت بحاجة إلى رقابة عاجلة لحمايتها من فقدان ميزاتها البيئية، مضيفة أن غابة كندوة، جنوب شرق نيالا، تعرّضت لقطع مماثل للأشجار، سواء لأغراض الوقود أو بسبب توزيع أراضيها كمخطط سكني بعد أن فقدت الغابة قيمتها البيئية دون أن يُسكن فيها أحد.

وأضافت أن “غابة كندوة كانت موطنًا للتنوع النباتي وميزتها أنها تحمي المنطقة من الرياح وتخصّب التربة، لكن التعدي عليها أضر بالسكان المحليين والبيئة”، فيما بقيت غابة النيم تحتفظ ببعض الأشجار رغم محاولات متكررة لقطعها.

صورة مشهورة لقطع الأعمال في غابة النيم بنيالا

واختتمت الحاج إفادتها بالتحذير من أن التدهور البيئي في الولاية لم يؤثر فقط على البيئة، بل امتد إلى الإنسان والحيوان، من خلال فقدان المواطن الطبيعية وتهجير السكان، بالإضافة إلى خسارة موارد يصعب تعويضها لعقود قادمة.

عد الفرسان.. من الاعتصام إلى الاحتطاب

وبالقرب من العاصمة نيالا بمسافة تقل عن 100 كلم تبرز محلية عد الفرسان كنموذج مكثّف لحالة الانهيار البيئي المتسارع. هناك، لا يُعدّ تراجع الغطاء الشجري مجرّد مظهر من مظاهر الحرب، بل هو تحول يومي في نمط العيش، تُقطَع فيه الأشجار بسرعة تفوق قدرة الأرض على التجدد.

ففي المحلية الأكثر كثافة ً في الموارد الغابية بالولاية يُنتج الفحم بكثافة ويتدفق إلى الأسواق بشكل يومي. مما انتهى بالمنطقة التي كانت يومًا ما محاطة بغابات السنط والهشاب والدوم، بجعلها في مواجهة الجفاف والاندثار.

صورة لشجرة السنط التي تنتج الصمغ العربي

برز إسم عد الفرسان قبل الكارثة البيئية الحالية، خلال حراك شعبي بيئي في مارس 2021، تمثّل في اعتصامٍ نادر استمر حوالي 55 يومًا احتجاجًا على إزالة غابات محجوزة. المهندس إبراهيم المهدي زكريا أحد المشرفين علي ذلك الاعتصام يصفه لـ دارفور 24 بأنه أول تحرك مدني واسع لحماية الغابات في جنوب دارفور، قائلاً إن “مطالب المعتصمين وقتها كانت واضحة، تمثلت في وقف القطع الجائر، وتوفير حراس للغابات، وسن قوانين أكثر صرامة تمنع الاعتداء على المحميات”. لكن – يضيف زكريا – “رغم وعود الجهات الرسمية حينها بتنفيذ المطالب، إلا أنّ شيئًا لم يتحقق على الأرض، بل تواصلت الإزالة بوتيرة أعلى، حتى باتت كثير من غابات عد الفرسان خارج الخريطة تمامًا”.

صور أرشيفية من اعتصام عِد الفرسان

مساحة قاحلة وخسارة 67% من الغابات الطبيعية:

وفيما يتعلق بالوضع الحالي يذكر المهندس الزراعي أنه بالغ الخطورة، إذ فقدت منطقة عد الفرسان وحدها نحو 67% من غاباتها الطبيعية خلال عامين فقط، نتيجة الإزالة الجائرة للأشجار سواء بهدف إنتاج الفحم أو بسبب التوسع الزراعي غير المنظم، موضحًا أن “المساحات التي كانت خضراء أصبحت الآن أرضًا قاحلة تئن تحت وطأة التصحر”.

ويتابع: “الغابات التي كانت تحيط بعد الفرسان من الجهات الشرقية والجنوبية والجنوبية الغربية، والتي كانت تضم تنوعًا بيئيًا مهمًا من أشجار المهوقني والطلح والنيم، اختفت بنسبة كبيرة، ومعها اختفى التوازن البيئي”. كما لفت إلى اختفاء الحماية الطبيعية للقرى من الرياح، وظهور موجات غبار غير معتادة كانت تحجبها الأشجار سابقًا.كما يشير إلى أن هذه الكوارث بدأت منذ العام 2018 لتزداد أكثر خلال الحرب.

ولا تقف الكارثة البيئية عند حدود عد الفرسان، إذ يؤكد مدير هيئة الغابات بالولاية، محمود الوالي،في حديث لـ (دارفور 24) أن جنوب دارفور بأكملها تشهد انهيارًا واسعًا في الغطاء النباتي، مشيرًا إلى أن الولاية كانت تضم 73 غابة محجوزة، معظمها تعرض لدمار جزئي أو كلي منذ اندلاع الحرب.

يقول الوالي إن غابات مثل “تون” غرب نيالا، بمساحة 23 ألف فدان، أُزيلت بالكامل، فيما دُمرت أجزاء كبيرة من غابات “كندوة” و”حمادة” و”كأس”، وهي من الغابات الكثيفة التي كانت تلعب دورًا في تثبيت التربة وتقليل الزحف الصحراوي.

صورة ارشيفية لظاهرة الزحف النفطي بدارفور

كما يشير المسؤول الحكومي إلى اختفاء كميات هائلة من أشجار الهشاب والطلح في دائرة برام، والتي كانت تُنتج الصمغ العربي، إلى جانب أشجار “الرطرط” وهي شجرة تتواجد بكثافة في ولايات دارفور ويتم إزالة اللحاء منها لإنتاج صمغ اللبان الذي يدخل في صناعة عدة منتجات ذات العائد النقدي، والتي كانت توظف آلاف العمال الموسميين القادمين من شرق السودان. إلا أن هذه الأنشطة توقفت كليًا بسبب الحرب، وتفكك حركة التجارة، وخروج الشركات العاملة من المنطقة.

صورة لشجرة الرطرط المنتجة للصمغ: وسائل التواصل الاجتماعي

الفحم والاقتصاد غير المرئي:

لا تتوقف الأزمة عند قطع الأشجار والإحتطاب فحسب لكن وفق افادات مواطنين من عاصمة الولاية،نيالا، التي تستهلك الفحم النباتي بكثافة، ويُنقل إليها من عد الفرسان ومناطق أخرى، فإن الفحم الذي ينتج من غابات الولاية المختلفة يتم تهريب جزء كبير منه إلى تشاد وحدود أفريقيا الوسطى عبر طرق تهريب جديدة تُؤطِّر لاقتصاد ظل غير مرئي ( أي نشاط غير رسمي لا يتم تسجيله في الإحصاءات الرسمية ولا يخضع للرقابة الضريبية )، يُسهِم في ارتفاع الأسعار محليًا ويضاعف الضغوط على الغطاء النباتي.

نيالا… عاصمة بلا طاقة:

في عاصمة الولاية التي تستهلك أكبر قدر من الفحم والحطب يظهر الإستهلاك المكثف للفحم النباتي في كمائن الطوب التي انتشرت بشكل كبير بعد الحرب وفي أفران المخابز البلدية التي تستهلك الفحم بشكل كبير، ويعلو صوت الأزمة الخفية التي تضرب مفاصل الحياة اليومية، حيث يعتمد السكان هناك بشكل كامل على الفحم والحطب بعد انقطاع الغاز والكهرباء.

فاطمة حسن فضل، من سكان حي الثورة بنيالا، تحدثت لـ”دارفور24” عن التحول في نمط استخدام الطاقة لدى الأسر خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وقالت: “الغاز اختفى تمامًا من السوق، والتيار الكهربائي توقف منذ يونيو 2023، ومنذ ذلك الوقت اعتمدنا على الفحم لكن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني. أسطوانة الغاز كانت بـ7 آلاف في 2023، واليوم تُباع في السوق السوداء بـ150 ألف جنيه، أما جوال الفحم فارتفع من 3 آلاف إلى 19 ألفًا في شهر يوليو الماضي”.

وأشارت إلى أن السبب الرئيسي وراء هذا الغلاء هو تصدير كميات كبيرة من الفحم إلى دول الجوار، حيث يُباع هناك بأكثر من 34 ألف جنيه.

تبلغ المسافة بين جنوب دارفور وحدود تشاد حوالي 400 كلم فقط مما يسهل نقل الفحم عبر طريق بري يمتد من عاصمتها نيالا وحتى عاصمة غرب دارفور ،الجنينة، القريبة من الحدود ويتم تهريب الفحم بحسب الافادات بواسطة عربات الدعم السريع وتجار يعملون في سوق نيالا بعد دفعهم ضريبة لنفس القوات.

يدعم صاحب المخبز البلدي بنيالا،بشير أحمد الحاج، في افادته لـ دارفور 24 حديث فاطمة إذ يشير إلى أن المخابز تحولت إلى استخدام الحطب بالكامل بعد انعدام الغاز، قائلاً: “نشتري الحطب من مناطق مثل بليل وعد الفرسان وجنوب غرب كأس، لكن الأسعار ارتفعت بسبب قلة المعروض وتكاليف النقل، شاحنة الحطب تكلف 700 ألف جنيه، والعربة الصغيرة 200 ألف، هذا غير رسوم البوابات التي تفرضها قوات الدعم السريع في الطريق إلى نيالا”.

وأوضح أن الحطب نفسه يُستخدم لإنتاج الفحم الذي يُصدَّر للخارج، مما فاقم أزمة التوفر والغلاء، ويهدد استمرارية تشغيل المخابز.

ترغب في رحيلها نهائيًا في قطع المخابز أو كمائن الطوب،المصدر:فيس بوك

عائد اقتصادي:

أحد تجار الفحم بنيالا عكس في افادته لـ دارفور 24 ،واقع ايجابي إذ يقول الغالي عثمان،أن الشحنات لا تخرج من الولاية إلا بعلم السلطات العسكرية ، قائلاً: “ندفع الرسوم الرسمية للغابات، إضافة إلى رسوم النقاط الأمنية حتى نصل إلى منطقة أديكون على الحدود مع تشاد. لكنه يشير إلى أنهم يبيعون الفحم هناك ويشتروا مقابل قيمته مواد غذائية ووقود لإعادتها إلى الولاية”.

رقابة متواضعة في تمبسكو:

ببلدة بلبل تمبسكو (35 كلم غرب نيالا) يبدو الوضع أقل خطرًا ومختلف عن سابقة محليات الولاية حيث ترفض المجتمعات المحلية قطع الأشجار وتضبط الإدارة الأهلية تفاصيل القطع حيث يتم قطع الأشجار الجافة فقط،ويتم تصدير الفحم بتصاديق من الدعم السريع.

بلدة تمبسكو؛ المصدر:صور خرائط قوقل

يقول آدم عبد الكريم، منتج فحم من بلدة بلبل بتمبسكو بمحلية السلام لـ دارفور 24 أن الإنتاج هناك يواجه تحديات متزايدة، خاصةً بسبب رفض بعض المجتمعات المحلية قطع الأشجار، ما يجعل الحصول على تصاديق رسمية أمرًا ضروريًا.

ويضيف: “لا يُسمح لنا بإنتاج أكثر من مئة جوال، وبشرط استخدام الأشجار الجافة فقط. نبيع الجوال هنا بـ 15 ألف سوداني، ويُعاد بيعه في نيالا بـ مايزيد عن 20 ألف، أو يُهرب إلى الخارج بأسعار أعلى بكثير”.

صورة موجودة في موقع الكتلة بل تمبسكو على الخريطة

توصيات ومبادرات محدودة:

ورغم سوداوية الوضع، يشير مدير الغابات،محمود الوالي، إلى مبادرات محدودة قامت بها الهيئة في ظل غياب التمويل. فقد أُطلق مشروع بيئي في وحدة بليل شمل 31 قرية شرق نيالا، تم خلاله تدريب 450 شخصًا من الجنسين على جمع ونثر البذور، وزراعة أشجار الهشاب والطلح والكتر، وتوزيع أكثر من 3 أطنان من البذور.

وفيما يتعلق بالتوصيات يرى الوالي ضرورة تمكين الهيئة كمؤسسة مستقلة، وتوفير وسائل حركة، وتفعيل قانون الغابات، ومنع الشاحنات من نقل منتجات الغابات، إضافة إلى تدريب سكان الريف على بدائل الطاقة وتوسيع برامج البيئة في المناهج الدراسية، وإشراك المجتمع المحلي في الرقابة على الموارد الطبيعية.

لكن مسؤولاً بالمجلس الأعلى للبيئة الموجود في العاصمة الخرطوم التي استعادها الجيش من الدعم السريع بشكل كامل في مايو الماضي يرى في حديثه لـ(دارفور24) أن المشكلة الحقيقية تكمن في استمرار وجود ـ المليشيا ـ في إشارة إلى الدعم السريع وجودها في مناطق النزاع، معتبرًا أن ذلك يفاقم من التدهور البيئي بشكل خطير، ويقول إن هناك علاقة طردية مباشرة بين انتشار هذه القوات في أنحاء السودان وبين التدهور البيئي بجميع أشكاله، خصوصًا في ما يتعلق بإزالة الغابات، وتلوث التربة والمياه، وانهيار التنوع الحيوي.

ويستطرد الخبير البيئي ومدير المركز الأعلى للبيئة،بشرى حامد: ” المليشيا قامت بتدمير الغابات والحياة البرية أيضاً، بدون مناسبة، ومحميات طبيعية مهمة جداً لحياة الإنسان والحيوان، وخصوبة التربة، وكذلك منع تدهور التربة، ومنع التصحر وتجريف التربة بواسطة السيول والعُمار، علاوة على أنها ـ المحميات الطبيعية ـ مصدر كبير جداً كمرعى في فترة من الفترات أو في موسم معين من السنة”مضيفاً:والآن كل هذه المنتجات تدهورت بصورة كبيرة جداً.”

دكتور بشرى حامد

أيضاً أشار بشرى إلى أضرار بيئية أخرى بممارسة ـ المليشيا ـ التعدي في هذه الغابات باستخدام الزئبق والسيانيد، مما يحدث تلوث كبير جداً، ويدمر القرى والقطاع النباتي ويؤثر إلى درجة كبيرة على صحة الإنسان، وصحة الحيوان، وعلى مجمل الحياة.

وفيما يتعلق بتأثير سيطرة الدعم السريع علي المنطقة الغنية بالموارد الغابية علي اقتصاد المركز يرى ،أن الحديث عن ذلك سابق لأونه لافتاً إلى أن الحديث عن ذلك يظل محض أراء خبراء مالم تتم دراسة من علي الأرض مشيرًا إلى أن تقييم حجم الأضرار يتطلب إجراء مسوحات ميدانية وأخذ عينات من التربة والمياه، وهو أمر غير ممكن في الظروف الراهنة. وأشار إلى أن الأضرار تشمل تجريف مساحات واسعة من الغطاء النباتي، وتلوث موارد المياه، وتدهور الحياة البرية.

لكنه عاد وذكر بعضاً من هذا التأثر قائلاً: “بعض هذه الغابات التي دمرت ومن بينها غابات جنوب دارفور لديه خصائص طبية، وبعضها عنده خصائص غذائية،وكل هذا تدهور بصورة كبيرة جداً،وتدهور أيضاً قطاع الصمغ العربي، وبالتالي تدهورت صادرات المنتجات الغابية، وهي كثيرة جداً وفيها ثمار غابية، وفيها نباتات طبية، وزيتية، وعطرية، وغيرها،وهذا كله طبعاً يؤثر تأثيرًا كبيرًا جداً على الحياة،وعلى الإنتاج الحيواني”.

وفي ظل كل ماسبق يطرح الواقع المعقد سياسياً أسئلة بيئية كبيرة بحكم تأثر البيئة بالنزاع في ولاية جنوب دارفور اليوم منفصلة فعليًا عن المركز، وتخضع لسيطرة قوات الدعم السريع التي لا تُعرف باهتمامها بحماية البيئة، بل أكدت الإفادات الميدانية ضلوع عناصرها في تجارة الفحم وقطع الأشجار واشرافهم على تهريبه خارج البلاد. كما أن السلطات الحكومية المتبقية، مثل هيئة الغابات، تعمل تحت ظروف شديدة الحساسية، ولا تملك حرية انتقاد الفاعلين العسكريين أو الحديث عن مشاكل تبدو تافهة وثانوية بالنسبة للحكومة الوليدة في نيالا فيما تواصل أشجار المنطقة الصمود في وجه المناشير في انتظار أفق حلول.

تم اعداد هذا التقرير كمشروع تخرج من دبلومة صحافة المناخ التي نظمتها مدرسة المناخ بالتعاون مع غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشبكة الصحفيين الدوليين.

دارفور 24

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا