إعداد: فريق الراكوبة
بعد سقوط نظامهم، وجدت الحركة الإسلامية نفسها في وضع حرج، لكنها لم تختفِ. استغلت الحركة حالة الفوضى والفراغ السياسي التي أعقبت الثورة، وسعت إلى التسلل من جديد عبر قنوات مختلفة. لم تعد تعتمد على الواجهة السياسية العلنية كما كانت في السابق، بل فضلت العمل من خلال مجموعات شبابية، أو جمعيات مجتمع مدني، أو حتى شخصيات أكاديمية ومثقفة تُعيد إنتاج خطابها بأسلوب أكثر حداثة وقبولًا لدى الشارع.
استغلال الفراغ السياسي
في خضم التوترات السياسية والعسكرية التي يشهدها السودان والفراغ السياسي، تبرز مؤشرات متشابكة تدعو للتساؤل حول الدور القطري في إدارة المشهد، وربما إعادة تموضع التيار الإسلامي (الكيزان) بواجهة جديدة، وسط تحولات إقليمية ودولية معقدة.
الطائرة الأميرية ولقاء بولس والبرهان
وأكدت مصادر متعددة أن الطائرة التي أقلّت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى سويسرا، حيث التقى المبعوث الأمريكي الخاص للشؤون الإفريقية مسعد بولس، كانت طائرة قطرية. اللقاء نفسه جاء بعيداً عن الأضواء، وأثار تساؤلات حول طبيعة الملفات المطروحة، خاصة في ظل حساسية الدور الأمريكي والقطري في الملف السوداني.
الرواية الكولومبية وتصعيد الجزيرة
بعد اللقاء مباشرة، بثّت قناة الجزيرة القطرية مقطع فيديو قالت إنه يظهر “مشاركة كولومبيين في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع في الفاشر”، وقدمت المادة بصيغة جازمة، دون استخدام مفردات التحفظ مثل “ادّعت” أو “زعمت”.
هذا التزامن الزمني بين اللقاء غير المعلن والتصعيد الإعلامي عبر الجزيرة يفتح الباب أمام فرضية أن المادة قد تكون جزءاً من تحرك سياسي–إعلامي محسوب، خاصة إذا كان اللقاء في سويسرا قد أسفر عن نتائج لم ترُق لحلفاء الدوحة في السودان.
قطر والإخوان.. استراتيجية ممتدة
من المعروف أن قطر تُعد أحد أبرز الحلفاء الاستراتيجيين لجماعة الإخوان المسلمين، ليس في السودان فحسب، بل على مستوى العالم العربي والإسلامي. وفي الوقت الذي تتجه فيه دول عدة لحظر الجماعة وتصنيفها إرهابية – كما حدث في مصر والأردن – يطرح مراقبون تساؤلات حول ما إذا كانت الدوحة تسعى عبر دورها في محادثات بولس إلى منح الإخوان في السودان “قبلة حياة” سياسية، تعيدهم إلى الواجهة بمظهر جديد يتجاوز الإرث الثقيل لحقبتهم السابقة.
لكن في المقابل تبدو تلك الرعاية تحت خطر محدق بعد إعلان الولايات المتحدة الترتيب والتحضير لتصنيف الإخوان حول العالم كمنظمة إرهابية وهي خطوة من شأنها أن تجبر الدولة الخليجية على تغيير استراتيجيتها.
ولا يخفى الدعم المباشر لقطر للإخوان في السودان، كما تتيح منابرها الإعلامية لدعم الحركة والجيش في حرب 15 أبريل.
البعد الدولي والضغط السياسي
الربط بين الطائرة الأميرية، والتغطية الإعلامية المكثفة للرواية الكولومبية، قد يشير إلى محاولة قطرية لتوجيه رسائل سياسية متعددة المستويات:
كما يعتقد مراقبون أنّ الحركة الإسلامية لم تعد تعمل بمفردها، بل تسعى لتكوين تحالفات مع قوى سياسية وعسكرية أخرى، حتى لو كانت هذه القوى تختلف معها أيديولوجياً.
الهدف هو تحقيق “العودة” بأي ثمن، وكسر العزلة التي فرضت عليها بعد سقوط نظامها. هذه التحالفات قد تكون سرية في بعض الأحيان، وعلنية في أحيان أخرى، حسب ما تقتضيه المصلحة السياسية.
وتشير ملامح تعامل عديدة إلى التغطية الكثيفة التي يتولاها حلفاء ظاهرين وأخرين متخفين تحت مظلة “حرب الكرامة” حيث يلاحظ وفقاً للمراقبين جودة وسرعة النقل المباشر للرسائل التي تبثها الحركة الإسلامية وتعميمها على قطاعات الشعب.
أسئلة مفتوحة
يبقى السؤال: هل نحن أمام تحرك قطري متكامل – سياسي، إعلامي، ودبلوماسي – يهدف لإعادة إنتاج الإسلاميين في السودان بغطاء جديد، أم أن التزامن بين هذه الأحداث محض صدفة.