آخر الأخبار

السودانيون في مناطق سيطرة الجيش .. معاناة مزدوجة بين ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات

شارك

بعد مرور عامين وثلاثة أشهر على الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع، يتساءل الناس كيف يعيش السودانيون في ظل هذه الظروف.

ما بين أكل أوراق الأشجار وعلف الحيوانات “الأمباز” في مناطق الحرب في كردفان ودارفور، أصبح المواطن السوداني يعاني دون حلول. حتى الذين يعيشون في مناطق الوسط والشمال والشرق، بعيدًا عن القتال، أصبحت حياتهم معاناة مستمرة في ظل ارتفاع الأسعار، لدرجة أن مقدار يسير “كَمْشَة” الفول في بعض المناطق وصلت إلى 1500 جنيه.

معظم المشاريع الزراعية الكبيرة والمصانع توقفت؛ لا كهرباء ولا مياه.

اعتماد على التكايا

يقول الناشط عثمان صلاح من منطقة الصحافة بالخرطوم إن معظم المواطنين الموجودين يعتمدون في دخلهم على المعونات المالية والعينية من الخارج، بما في ذلك التكايا.

ويضيف: “معظم الموجودين شباب، وهنالك أسر بسيطة جاءت واستقرت بشكل نهائي”.

و قال: “توقعنا عودة أعداد كبيرة من المواطنين، لكن إلى الآن العدد ليس كبيرًا، رغم أن المياه عادت للمنازل بمعدل 4 ساعات يوميًا، وأحيانًا يومًا بعد يوم”.

منطقة وسط وشمال وشرق الخرطوم الحياة فيها تسير بإيقاع بطيء، كما أن الوضع الأمني غير مستقر، وصوت الأعيرة النارية لا يتوقف ليلًا. وبحسب ما علمنا، فإن الصوت يأتي من الارتكازات.

بيوت مسكونة بالجن

الوضع في مناطق جنوب الخرطوم مختلف تمامًا، فقد عادت مظاهر الحياة فيها بصورة كبيرة. الأسواق تعمل، مثل سوق 6 مايو وسوق اللفة ودلالة الإنقاذ، والوضع شبه مستقر، ما عدا بعض الشكاوى من وجود أصوات موسيقى عالية وغناء ليلًا، حيث يقول المواطنون إن البيوت أصبحت مسكونة بالجن.

ويقول صلاح: “عمومًا، الوضع في أم درمان وبحري أفضل من الخرطوم، ولكن الملاحظ أن مجموعات كبيرة من المواطنين تحولت إلى تجار يبيعون سلعًا بسيطة (درداقات وفريشة)، بما يساعد في توفير دخل مالي ولو بسيط”.

وضع سيئ

ووصف عدد من المواطنين بقرى منطقة القطينة وما جاورها بولاية النيل الأبيض الوضع بالسيئ، خاصة فيما يتعلق بالخدمات الصحية، مشيرين إلى انتشار الوبائيات والحميات.

وأكدوا أن الشيء الإيجابي الوحيد هو توقف السرقات والقتل بعد خروج قوات الدعم السريع من المنطقة التي تشهد ترديًا كبيرًا في الخدمات، وارتفاعًا في الأسعار، وانعدام الأدوية المنقذة للحياة.

وأكد مصدر لـ”التغيير” أن المخاوف من الوضع الأمني المتردي، خاصة في أطراف أم درمان والخرطوم، دفعت العديد من التجار وأصحاب المحلات للإحجام عن إعادة فتح محالهم.

كما أن القوى الشرائية ضعيفة في مناطق الخرطوم تحديدًا.

ارتفاع الأسعار

وفي جولة لـ”التغيير” على عدد من الأسواق بالعاصمة والولايات، كشفت عن ارتفاع كيلو السكر إلى 3500 جنيه بدلًا من 3000، مع اختلاف الأسعار في معظم الولايات بمتوسط 4000 جنيه للكيلو. بينما وصل سعر كيلو العدس إلى (4000 – 5000) جنيه، وكيلو اللحمة ما بين (18 – 20) ألف جنيه، ورطل الشاي بـ6000 جنيه، وبلغ متوسط سعر طلب الفول 2500 جنيه، و”كمشة” الفول في بعض الولايات 1500 جنيه.

واستقر سعر جوال البصل في عاصمة ولاية الجزيرة ود مدني “وسط السودان” عند 135 ألفًا، وعطبرة 120 ألفًا، حلفا 145 ألفًا، القضارف 140 ألفًا، الدمازين 130 ألفًا، وغرب كردفان 140 ألف جنيه.

كما تُعتبر البطاطس الأغلى بين الخضروات بمتوسط 4000 جنيه.

ووصل سعر جركانة زيت الفول في المتوسط إلى 125 ألف جنيه، على سبيل المثال، سعرها في ولاية النيل الأبيض 130 ألف جنيه، وفي كردفان 120 ألفًا، والقضارف 125 ألفًا، وفي الخرطوم 125 ألف جنيه.

وتشهد المناطق المحاصرة في الفاشر وبابنوسة والدلنج وكادوقلي انعدامًا تامًا للسلع الأساسية، ووصل جوال الدخن إلى حوالي 6 ملايين جنيه سوداني إن وُجد.

جهد شعبي

أحمد حسان، الناشط المجتمعي وعضو تجمع المزارعين بولاية الجزيرة، أشار إلى أن الأوضاع في الولاية وولاية سنار أفضل من غيرها من ناحية الحركة التجارية وعودة المواطنين.

وأوضح حسان أن المواطنين بدأوا مبكرًا في العودة الطوعية وشراء ألواح الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء في القرى والفرقان، وتوصيل محطات المياه والمراكز الصحية بالجهد الشعبي.

كما أن التيار الكهربائي العام وصل إلى عدد من المناطق، لكن الكهرباء غير مستقرة والقطوعات تصل إلى 14 ساعة في اليوم.

هواجس

الهاجس الأكبر، بجانب مياه الشرب، هو ارتفاع الأسعار وانعدام الدواء والتردي في صحة البيئة.

وأشار حسان إلى أن مشروع الجزيرة الزراعي يحتاج لوقفة الجميع، حيث فشل الموسم الصيفي بنسبة كبيرة، وربما يفشل الموسم الشتوي إذا لم تُنظف الترع والقنوات وتعود مياه الري من جديد.

أولويات

أكدت وزارة الصناعة الاتحادية على ضرورة عودة المصانع للعمل، وخاصة مصانع السكر والأدوية كأولوية.

ويُقدر عدد المصانع في ولاية الخرطوم بـ400 مصنع، عاد منها حوالي 10 مصانع فقط، فيما تحمل السجلات التجارية 20 ألف شركة.

فيما أكدت الغرفة الصناعية بمدينة ود مدني أن 60 مخبزًا عادت للعمل مؤخرًا، والعدد في ازدياد.

فيما ناقش اجتماع مشترك بين الغرفة الصناعية بولاية الجزيرة وبنك النيل بمدني السبل الكفيلة لإعادة تشغيل وتمويل القطاع الصناعي بالولاية.

تمويل للإنتاج

من جانبه، كشف إيهاب إدريس هبيلا، رئيس شعبة الزيوت بالغرفة الصناعية بمحلية مدني الكبرى، في تصريح صحفي بحسب ” وكالة السودان للأنباء”، أن كافة البنوك بالولاية أبدت استعدادها لتمويل المصانع، لافتًا لعودة عدد من المصانع لدائرة الإنتاج قريبًا.

ولا تزال مصانع السكر في سنار والجزيرة (الجنيد) متوقفة بسبب الدمار، ونقص قطع الغيار (الإسبيرات)، وقطوعات الكهرباء.

فيما تراجع إنتاج مصنع سكر كنّانة إلى 25 ألف طن فقط بسبب الحرب، مقارنة بـ200 ألف طن سابقًا.

اجتهادات

أجاب الباحث الاقتصادي عبد الرحمن إبراهيم على سؤال “التغيير” حول توقعاته للمدى الزمني لعودة الحياة بصورة طبيعية للمناطق التي يسيطر عليها الجيش وبدء حركة الصناعة والزراعة في الولايات الآمنة، قائلًا: “لا يمكن تحديد سقف زمني محدد، فالاقتصاد منظومة متكاملة لا يمكن أن نتحدث عنها بصورة جزئية. لذلك، نسمع بمصطلحات على شاكلة اكتمال دائرة الإنتاج، وهذه الدائرة الآن مقطوعة في عدة اتجاهات”.

“وما يتم من عمل هو مجرد اجتهادات فقط، لكنها مطلوبة. مثلًا، عودة بعض المصانع للعمل بالعاصمة الخرطوم التي كانت تضم أكثر من 3 آلاف مصنع ما بين صغير ومتوسط، والآن عادت مصانع تُحسب بأصابع اليد وبخطوط إنتاج تعادل 20% عن السابق”.

“في ظل الوضع الحالي، من الصعب جدًا أن تعود الحركة قريبًا في ظل انعدام الكهرباء، باعتبارها المحرك الرئيسي للتنمية للزراعة والصناعة”.

“أيضًا ضعف وتوقف حركة النقل ما بين مناطق الإنتاج في غرب السودان (سيطرة الدعم السريع)، مثل الماشية، البترول، الحبوب، السمسم، الدخن، والصمغ العربي، إلى مناطق سيطرة الجيش (العاصمة والميناء)، يجعل من الصعوبة بمكان إكمال دائرة الإنتاج والصادر. هذا الوضع يجعل الحكومة مضطرة للاستيراد، وفي ظل انخفاض الجنيه ترتفع السلع، والمواطن هو الذي يدفع الثمن. يمكن أن تحدث وفرة في السلع، لكنها ستكون غالية”.

“وحتى إذا عادت الكهرباء، فإن خسائر الحرب والدمار كبيرة في المصانع والشركات”.

ويقول: “80% من المصانع والشركات بالعاصمة الخرطوم والجزيرة وسنار وشمال كردفان توقفت، وبالتالي انعكس ذلك على الأسعار نتيجة لاستيراد السلع وتكلفة الترحيل”.

كما أوضح عبد الرحمن أن معظم الموظفين في القطاع الخاص أصبحوا عاطلين، كما أن 60% من موظفي القطاع الحكومي يصرفون فقط المرتب الأساسي، وتحول الكثير من الموظفين إلى التجارة والزراعة لتغطية تكاليف المعيشة، كما هاجر الآلاف للخارج.

ويعتمد معظم سكان البلاد على ذويهم المغتربين والخيريين بالدعم المباشر أو دعم التكايا.

حلول سياسية

واختتم عبد الرحمن حديثه قائلًا: “الحل للمشكلة الحالية سياسي من الدرجة الأولى، بإيقاف الحرب (بأي طريقة)، ومن ثم الشروع في إعادة الحياة تدريجيًا للقطاعات المنتجة.

التغيير

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا