علّق السودانيون آمالهم على اجتماع رباعي وصف بأنه قد يغيّر مسار الأزمة السودانية، حيث دعت الخارجية الأميركية وزراء خارجية السعودية، الإمارات، ومصر للجلوس على طاولة واحدة، بقيادة الوزير الأميركي ماركو روبيو، بهدف إيجاد خارطة طريق تنهي الحرب، وتوقف التدخلات، وتفتح ممرات إنسانية في بلد يتألم منذ أكثر من عامين .
لكن المفاجأة جاءت قبل ساعات من الموعد المنتظر: إلغاء اجتماع الرباعية. فما الذي دار خلف الكواليس؟ ولماذا انهارت الرباعية قبل أن ترى النور؟
أسباب الإلغاء
تقول الصحفية هبة القدسي إن السبب الرئيسي لإلغاء الاجتماع يتمثل في الخلافات بين الدول المشاركة، “خاصة بين الإمارات الداعمة لقوات الدعم السريع، ومصر التي تقف إلى جانب الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان”.
وتضيف القدسي، في حديثها للحرة، أن الخلاف لم يقتصر على المواقف السياسية، بل امتد إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي نفسه. “كانت هناك محاولات تنسيقية لمستوى المشاركة بحيث أن يكون على مستوى وزاري، وكانت الإمارات ترغب في خفض هذا المستوى الوزاري من وزير الخارجية إلى مستويات أقل، وهذا أدى بالطبع إلى خلاف حول مستوى المشاركة”، تقول.
القائد السابق في الجيش السوداني، اللواء أمين إسماعيل مجذوب، قال هو الآخر للحرة إن الإمارات “أصرت” على مشاركة الحكومة الموازية في السودان، التي أعلنها تحالف السودان الجديد “تأسيس”، وهو لم تقبله بقية الأطراف.
“هذه الحكومة تأسست قبل ثلاثة أيام من تاريخ انعقاد الرباعية، وبالتالي لا تأييد ولا أي شرعية لها حتى تكون مشاركة”، يقول.
أما القدسي فتضيف سببا آخر: “غياب أي تمثيل لطرفي الصراع (الجيش والدعم السريع)، واستبعاد المدنيين والنشطاء السياسيين، أثار انتقادات داخل وخارج الولايات المتحدة، وطرح علامات استفهام حول جدوى الاجتماع”.
من جهته، قال جوشوا ميسيرفي الباحث في الشأن الإفريقي بمعهد هدسون إن “ جوهر الخلاف الذي أدى إلى إلغاء الاجتماع هو عدم تمكن الإمارات ومصر من الاتفاق على صياغة بيان مشترك”.
انقسام داخل الإدارة الأميركية
رغم أن الاجتماع كان برعاية وزارة الخارجية الأميركية، تقول القدسي إن هناك انقساما داخل واشنطن نفسها حول كيفية التعامل مع الأزمة السودانية.
“هناك تيار يرى الاكتفاء بهذه الرباعية وبالقوى الإقليمية الفاعلة (مصر والسعودية والإمارات)، في مقابل رؤية أخرى داخل الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، ترى أنه بتوسيع المشاركة بانضمام الاتحاد الاوربي، والاتحاد الافريقي، دول أوروبية مثل النرويج والسويد وغيرها، قد يخلق نوع من الضغط السياسي لإيجاد تسوية سياسية”، توضح القدسي.
وتضيف أن كل هذه الخلافات بين دول الرباعية وداخل الإدارة الأميركية أدت إلى “ضبابية في الرؤية، وعدم وضوح في تحديد موعد الاجتماع، ثم إلى إلغائه في نهاية المطاف، دون تحديد أي موعد بديل”، مرجّحة أن تكون الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر محطة بديلة محتملة.
لكن هذا الخيار الأخير، توضح القدسي، مرهون هو الآخر بزوال الخلافات بين مصر والإمارات.
ماذا كان يُفترض أن تحقق الرباعية؟
الرباعية لم تكن مجرد اجتماع سياسي، بل كانت، بحسب القدسي، تحمل أجندة واضحة تشمل وقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية لا يُسمح فيها لطرفي الصراع بلعب دور في مستقبل السودان، وتسريع إيصال المساعدات الإنسانية .
من منظور عسكري، يقول اللواء أمين إسماعيل مجذوب: “كان متوقعاً من الرباعية أن تعيد دمج وتسريح قوات الدعم السريع، وإطلاق عملية سياسية شاملة تشبه تجربة لبنان”.
خيبة أمل سودانية
إلغاء الاجتماع مثّل خيبة أمل واسعة في الشارع السوداني، خصوصًا في أوساط المجتمع المدني.
يقول مسيرفي: “كان لديّ القليل من الأمل في أن تتمكن مجموعة الرباعية من التوصل إلى نوع من التسوية والاتفاق الذي سيسمح مرة أخرى ببدء عملية داخل السودان نفسه”.
وتقول هبة القدسي إن الاجتماع كان ينظر إليه على أنه مؤشر لاهتمام أميركي متجدد بالوضع الإنساني الكارثي في السودان، أحد أسوأ الأزمات في العالم حاليًا.
لكنها تشدد على أن هذا الفشل لا يعني نهاية مسار المفاوضات. “ما لا يؤخذ كله لا يترك كله”، تقول، مذكرةً بأن اتفاق جدة الموقع في مايو 2023 والذي رعته السعودية والولايات المتحدة بمشاركة طرفي النزاع لا يزال “ركيزة أساسية للتوصل الى تسوية”.
تحديات مستقبلية لحل الأزمة
في توصيفها للتحديات التي تواجه السودان، تقول القدسي إن هناك “تعقيدات هائلة”، من ثقل الجيش والدعم السريع، إلى اتهامات خارجية لأطراف الصراع بارتكاب جرائم إنسانية، إلى مصالح مصر الأمنية في شرق السودان والبحر الأحمر، والتنافس بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.
وتحذر القدسي من أن كل هذه العوامل تضع تحديات ضخمة أمام أي تسوية سياسية مستقبلية، لكنها تؤكد أن الضغط الأميركي والإقليمي المشترك، خصوصًا عبر الأمم المتحدة، يمنح بعض الأمل لوقف الحرب.
أما مسيرفي، فيوضح أن التحدي الأكبر الذي يعد حاجزا تجاه حل الأزمة السودانية هو مدى قدرة المجتمع الدولي والولايات المتحدة على إيجاد طريقة تقنع الإمارات بالتراجع عن دعم قوات الدعم السريع، وبعدها يمكن أن تحل الأزمة عن طريق الرباعية.
نافذة أمل
رغم الحرب والخلافات، وإلغاء اجتماع الرباعية الذي كان بمثابة بريق أمل لكثير من السودانيين، ما يزال السودان في دائرة الاهتمام الدولي.
يرى اللواء أمين من جهته أن على السودانيين تقديم مؤشرات إيجابية تساعد المجتمع الدولي على العودة مجددًا، ويرجح أن تتجدد المحاولات لعقد اجتماع جديد أو حتى توسيع الآلية لتشمل أطرافًا إضافية. “الوقت ليس في صالح أحد”، يقول.
أما القدسي فتقول إن الحل ممكن إذا ما توحدت الجهود، ووُضعت مصلحة الشعب السوداني فوق الحسابات الإقليمية .