أظهرت دراسة حديثة صادرة عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) أن الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل 2023 تسببت في انهيار اقتصادي حاد، حيث يُتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 42% مقارنة بمستويات ما قبل الحرب إذا استمر النزاع حتى نهاية عام 2025. وقد أدت هذه الأزمة إلى تشريد أكثر من 14 مليون شخص، فيما بات أكثر من نصف سكان البلاد يواجهون انعدام الأمن الغذائي نتيجة تدمير البنية التحتية الحيوية.
وبحسب الدراسة، فإن الاقتصاد السوداني فقد بالفعل أكثر من 26 مليار دولار، وتعرض القطاع الصناعي لانكماش بنسبة 50%، كما فُقد نحو 4.6 مليون وظيفة. وتفاقمت معدلات الفقر بشكل غير مسبوق، حيث بات 7.5 مليون شخص إضافي معرضين لخطر الفقر، مع تضرر المجتمعات الريفية والنساء بشكل خاص نتيجة لانهيار مصادر الدخل في مختلف أنحاء البلاد.
كما سجل النظام الزراعي والغذائي، الذي كان يشكل شريان حياة للأسر الريفية، انخفاضًا في قيمته بنسبة الثلث، ما أثار مخاوف جدية من حدوث مجاعة واسعة النطاق. وقد تناولت الدراسة سيناريوهين محتملين لمسار الاقتصاد السوداني: الأول يتوقع انهيارًا حادًا يعقبه تراجع تدريجي، والثاني يشير إلى سقوط بطيء لكنه طويل الأمد. وفي كلا السيناريوهات، تتوقع الدراسة آثارًا مدمرة على قطاعات التصنيع والزراعة والخدمات، بحيث لا يتجاوز الإنتاج الوطني 60% من مستواه قبل الحرب.
واعتمدت الدراسة على نموذج مضاعف مصفوفة المحاسبة الاجتماعية، لكنها لم تشمل الخسائر في الاقتصاد غير الرسمي، ما يعني أن الوضع الحقيقي قد يكون أكثر سوءًا مما تشير إليه الأرقام. وفي ظل استمرار الحرب، دعا خبراء إلى ضرورة حماية سبل العيش، من خلال دعم الزراعة، وإعادة تنشيط الأسواق المحلية، وتقديم المساعدات للفئات الأكثر هشاشة.
وأكدت الدراسة أن التعافي على المدى الطويل يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، والمؤسسات، وإعادة دمج ملايين المواطنين السودانيين الذين شُردوا بسبب النزاع.
وشددت على أن غياب السلام يجعل من التعافي أمرًا بعيد المنال، وأن استمرار الحرب سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي والمعاناة الإنسانية. فالصراع في السودان لم يعد مجرد صراع على السلطة، بل تحول إلى كارثة اقتصادية متفاقمة ذات آثار ممتدة على الأجيال القادمة.