آخر الأخبار الأكثر قراءة فيديو

أخبار محليّة

أخبار عالميّة

رياضة عالميّة

إقتصاد

منوّعات

تكنولوجيا

ثقافة

صحّة

علوم

قصص للأطفال

قصص واقعية

عالم الأحلام

آخر الأخبار

هل أباحت حكومة حمدوك المثلية والكحول.. اتفاقية سيداو

منذ

مصدر الصورة

استسفرت الراكوبة البحث العميق للذكاء الصناعي عن اتفاقية سيداو، هل وافقت عليها حكومة الدكتور عبدالله حمدوك، وهل تم اباحة شرب الخمور، والمثلية في عهد الحكومة المدنية.. وكانت الإجابة التالي من قوقل جيمني:

إرث متنازع عليه: الإصلاحات القانونية المتعلقة باتفاقية سيداو والكحول والمثلية في عهد حكومة حمدوك (2019-2021)

مقدمة

شكلت الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018-2019 في السودان منعطفاً تاريخياً، حيث حملت حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على عاتقها تفويضاً شعبياً واسعاً لتحقيق شعارات الثورة: “حرية، سلام، وعدالة”. 1 وقد نصت الوثيقة الدستورية لعام 2019، التي شكلت الإطار المعياري لهذه المرحلة، على ضرورة إجراء إصلاحات قانونية ومؤسسية شاملة، وكفلت الحقوق والحريات الأساسية، وكلفت الحكومة بمواءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. 2 في هذا السياق، لم تكن الإصلاحات القانونية مجرد تعديلات فنية، بل تحولت إلى ساحة صراع أيديولوجي محوري حول هوية الدولة السودانية الجديدة. فقد تجلى هذا الصراع بوضوح في القضايا الثلاث التي يتناولها هذا التقرير: الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتقنين استهلاك الكحول، وتعديل العقوبات المتعلقة بالمثلية الجنسية. مثلت هذه القضايا خطوط تماس بين رؤيتين متناقضتين لمستقبل السودان؛ الأولى تسعى إلى بناء دولة مدنية حديثة تقوم على المواطنة المتساوية، والثانية تتمسك بهوية محافظة تستمد مرجعيتها من تفسير محدد للشريعة الإسلامية. 5

يكشف التحليل الدقيق لهذه الإصلاحات أن حكومة حمدوك تبنت نهجاً قائماً على الحلول الوسط والغموض الاستراتيجي. فمن جهة، سعت الحكومة إلى الدفع بأجندة تقدمية لإرضاء القوى الثورية والشركاء الدوليين، لكنها من جهة أخرى، فرضت قيوداً وتحفظات جوهرية على هذه الإصلاحات لتهدئة المعارضة المحافظة القوية والمكون العسكري الشريك في السلطة. نتج عن هذا النهج سلسلة من الإصلاحات غير المكتملة أو “الجزئية”، التي ظل أثرها القانوني والعملي موضع جدل، وأصبح مستقبلها غامضاً بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.

الجزء الأول: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو): انضمام من حيث المبدأ وتفريغ للمضمون بالتحفظات

يمثل تعامل حكومة حمدوك مع اتفاقية “سيداو” نموذجاً واضحاً لمنهجيتها الإصلاحية الحذرة. ففي حين كانت الموافقة المبدئية على الانضمام خطوة تاريخية، إلا أن التحفظات الجوهرية التي أُرفقت بها جعلت هذه الخطوة رمزية إلى حد كبير، وأفرغتها من قدرتها على إحداث تغيير حقيقي في المنظومة القانونية القائمة.

الوضع القانوني: موافقة مشروطة بتحفظات مُعيقة

في خطوة تاريخية، أجاز مجلس الوزراء السوداني برئاسة عبد الله حمدوك في 28 أبريل 2021، الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). 5 جاء هذا القرار تتويجاً لعقود من نضال الحركة النسوية السودانية، ومثّل قطيعة مع سياسة نظام عمر البشير الذي رفض الانضمام للاتفاقية، مما جعل السودان، إلى جانب الصومال وإيران، من الدول القليلة التي بقيت خارج هذا الإطار الدولي لحقوق المرأة. 11

لكن هذه الموافقة لم تكن مطلقة، بل كانت مقيدة بتحفظات صريحة على ثلاث مواد محورية في الاتفاقية، وهي المواد 2 و16 و29 (الفقرة 1). 9 ويعد هذا النهج، المعروف بـ”الانضمام مع التحفظات”، ممارسة شائعة بين العديد من الدول العربية والإسلامية التي تسعى للموازنة بين التزاماتها الدولية وقوانينها المحلية المستندة إلى الشريعة. 11

والأهم من ذلك، أن إجازة مجلس الوزراء لم تكن تمثل الخطوة القانونية النهائية. فلكي يصبح الانضمام ملزماً قانونياً بموجب القانون السوداني والدولي، كان يتطلب “مصادقة نهائية” من السلطة التشريعية للبلاد. وفي غياب برلمان منتخب، كانت هذه السلطة منوطة باجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء. 9 لم تتم هذه المصادقة النهائية قبل انقلاب أكتوبر 2021، مما ترك الوضع القانوني للاتفاقية في حالة من الغموض؛ فقد تمت الموافقة عليها من حيث المبدأ من قبل السلطة التنفيذية، لكنها لم تُدمج بالكامل في النظام القانوني الوطني.

تحليل التحفظات: إفراغ جوهر الاتفاقية من محتواه

لم تكن التحفظات التي أبدتها الحكومة مجرد حواشٍ فنية، بل مست صميم الاتفاقية وقوضت أهدافها الأساسية، مما أثار انتقادات حادة من قبل الحقوقيين والناشطات النسويات.

* المادة 2 – الالتزام بالقضاء على التمييز: تُعتبر هذه المادة قلب الاتفاقية النابض، حيث تُلزم الدول بتجسيد مبدأ المساواة في دساتيرها الوطنية، وإلغاء كافة القوانين والممارسات التمييزية. 10 من منظور لجنة سيداو التابعة للأمم المتحدة وخبراء حقوق الإنسان، فإن أي تحفظ على المادة 2 يُعتبر متعارضاً مع هدف الاتفاقية وغرضها. 13 وبتحفظها على هذه المادة، كانت حكومة حمدوك تشير بوضوح إلى عدم استعدادها لإجراء الإصلاحات القانونية الجذرية اللازمة لتفعيل الاتفاقية، خاصة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية للمسلمين المستند إلى الشريعة الإسلامية. خلق هذا التحفظ تناقضاً جوهرياً: الموافقة على إنهاء التمييز مع الاحتفاظ بالحق في عدم تغيير القوانين التي تكرسه.
* المادة 16 – المساواة في الزواج والعلاقات الأسرية: تدعو هذه المادة إلى المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كافة شؤون الزواج والطلاق والولاية والحضانة والحياة الأسرية. 10 وتُعد هذه المادة الأكثر إثارة للجدل، حيث أبدت معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة تحفظات عليها لأنها تتعارض بشكل مباشر مع التفسيرات التقليدية للشريعة فيما يخص تعدد الزوجات، وقوامة الرجل، والميراث، وحق المرأة في اختيار زوجها بحرية. 15 كان التحفظ على المادة 16 خطوة واضحة لحماية قانون الأحوال الشخصية القائم من أي تعديل، وهو ما خيّب آمال الناشطات اللاتي يعتبرن هذا القانون المصدر الرئيسي للتمييز المؤسسي ضد المرأة. 13 عنى هذا التحفظ أن قضايا حساسة مثل زواج القاصرات (الذي يسمح به القانون السوداني للفتيات بعمر 10 سنوات بموافقة القاضي)، وعدم المساواة في الميراث، والطلاق الانفرادي للرجل، ستبقى دون تغيير. 23
* المادة 29 (الفقرة 1) – تسوية المنازعات: تتعلق هذه المادة بولاية محكمة العدل الدولية في تسوية النزاعات حول تفسير الاتفاقية. وهو تحفظ شائع تبديه العديد من الدول للحفاظ على سيادتها الوطنية. 9 ورغم أهميته القانونية، إلا أن تأثيره على الحقوق المحلية للمرأة أقل بكثير من التحفظين على المادتين 2 و16.

استقبال مستقطب: الانقسامات المجتمعية والسياسية

أدت إجازة الاتفاقية إلى انقسام حاد في المشهد السوداني، وعكست الصراع الأيديولوجي العميق الذي شهدته الفترة الانتقالية.

* المؤيدون: منظمات حقوق المرأة والمجتمع المدني: احتفت هذه المجموعات بالقرار باعتباره انتصاراً طال انتظاره وتحقيقاً لوعود الثورة. 3 لكن هذا الاحتفاء كان مشوباً بإحباط عميق بسبب التحفظات. فقد جادلت هذه المنظمات بأن التحفظات، خاصة على المادتين 2 و16، “أفرغت الاتفاقية من مضمونها” وشكلت “خيانة لنضالات المرأة”. 13 وأطلقت منظمات مثل “مبادرة لا لقهر النساء” والمفوضية القومية لحقوق الإنسان حملات وأعدت مذكرات تطالب الحكومة بسحب التحفظات قبل المصادقة النهائية. 13
* المعارضون: الكتل المحافظة والدينية: عارض تحالف قوي من الشخصيات الدينية، مثل الشيخ عبد الحي يوسف، والأحزاب ذات التوجه الإسلامي، الانضمام إلى الاتفاقية بشكل كامل. 6 تركزت حجتهم على أن “سيداو” تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية، وتروج للقيم الغربية، وتقوض بنية الأسرة، وتأتي ضمن أجندة دولية تهدف إلى علمنة السودان. 5 وقد نظموا مظاهرات مضادة، مثل تلك التي قادتها مبادرة “سودانيات ضد سيداو”، واستخدموا المنابر الإعلامية وخطب الجمعة لحشد الرأي العام ضد قرار الحكومة. 6

لم تكن الموافقة على “سيداو” مجرد خطوة لإصلاح داخلي، بل كانت أيضاً أداة مهمة في السياسة الخارجية. فقد كان يُنظر إلى عدم انضمام السودان للاتفاقية كعائق أمام إعادة اندماجه في المجتمع الدولي، وتحديداً في مساعيه للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والحصول على الدعم الاقتصادي من الشركاء الغربيين. 9 كانت حكومة حمدوك في حاجة ماسة إلى الإغاثة الاقتصادية ورفع العقوبات، وبالتالي يمكن تفسير إجازة الاتفاقية، حتى مع التحفظات، كإشارة دبلوماسية استراتيجية للمجتمع الدولي بأن السودان ملتزم بالإصلاح. كانت بمثابة “إنجاز” يمكن تقديمه لإظهار التقدم، حتى لو كان الأثر القانوني الداخلي محدوداً.

كما تكشف التحفظات عن حدود سلطة الحكومة المدنية في ظل الترتيب الهش لتقاسم السلطة مع المكون العسكري. 29 كان المكون العسكري وحلفاؤه من القوى المحافظة ينظرون بعين الريبة إلى الإصلاحات الاجتماعية الجذرية. لذا، فإن قرار التحفظ على المواد الأكثر إثارة للجدل لم يكن مجرد تنازل للرأي العام، بل كان على الأرجح تسوية ضرورية لضمان موافقة القوى العسكرية والمحافظة داخل أجهزة الدولة. وبهذا، لم تكن التحفظات مجرد حاشية قانونية، بل وثيقة سياسية ترسم حدود الممكن للحكومة المدنية في مشهد سياسي متنازع عليه.

جدول 1: تحليل مقارن لتحفظات بعض الدول العربية على اتفاقية سيداو

الدولة

تاريخ الانضمام/المصادقة

التحفظ على المادة 2؟

التحفظ على المادة 9(2) (الجنسية)؟

التحفظ على المادة 16 (الأسرة)؟

تحفظ عام على الشريعة؟

السودان (مقترح 2021)

–

نعم

لا

نعم

لا (تحفظات محددة)

مصر

1981

نعم

لا (تحفظات محددة)

المملكة العربية السعودية

2000

لا

نعم

لا

نعم (على كل ما يتعارض مع الشريعة)

المغرب

1993

نعم

لا (تحفظات محددة)

العراق

1986

نعم (فقرات محددة)

نعم

لا (تحفظات محددة)

الأردن

1992

لا

نعم

نعم (فقرات محددة)

لا (تحفظات محددة)

الجزائر

1996

نعم

لا (تحفظات محددة)

المصادر: 14

عملية غير مكتملة وإرث متنازع عليه

في المحصلة، يمكن وصف خطوة حكومة حمدوك بشأن “سيداو” بأنها موافقة قانونية من حيث المبدأ لم تكتسب قوة النفاذ الكاملة على أرض الواقع. كانت هذه الخطوة ذات دلالة سياسية كبيرة، حيث وضعت السودان، ولو شكلياً، في مصاف الدول الملتزمة بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، واستجابت لضغوط الناشطين المحليين والشركاء الدوليين. 9 ومع ذلك، فإن التحفظات الجوهرية وعدم إتمام عملية المصادقة النهائية عنيا أن الإطار القانوني التمييزي ضد المرأة، وخاصة قانون الأحوال الشخصية، ظل سليماً دون تغيير. لقد كانت هذه العملية مثالاً مصغراً للمعضلة الأساسية التي واجهت الحكومة الانتقالية: عجزها عن بناء إجماع وطني حول القضايا الجوهرية المتعلقة بالقانون والدين وهوية الدولة.

الجزء الثاني: مسألة الكحول: تقنين محدود وموجه

يوضح التعديل القانوني المتعلق بالكحول الطبيعة الدقيقة لمنهج حكومة حمدوك الإصلاحي، حيث لم يكن “إباحة” شاملة كما أشيع، بل كان إصلاحاً قانونياً موجهاً يهدف إلى معالجة تمييز تاريخي ضد الأقلية غير المسلمة في البلاد، مع الإبقاء على الحظر المفروض على الأغلبية المسلمة.

تعديل يوليو 2020 للقانون الجنائي: تحول قانوني دقيق

في يوليو 2020، أقرت الحكومة حزمة إصلاحات قانونية هامة عُرفت بقانون “التعديلات المتنوعة (الحقوق والحريات الأساسية) لسنة 2020”. 1 وشملت هذه الحزمة، بالإضافة إلى تعديل قانون الكحول، إلغاء تجريم الردة وتجريم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان)، في قطيعة واضحة مع الإرث القانوني لنظام البشير. 35

لم يهدف الإصلاح إلى إباحة الكحول للجميع، بل عدّل القانون الجنائي لعام 1991 بشكل محدد ليسمح لغير المسلمين بحيازة المشروبات الكحولية واستهلاكها والتعامل بها فيما بينهم. 1 وفي المقابل، أبقى القانون صراحةً على حظر الكحول للمسلمين، وظل أي مسلم يستهلك الكحول أو يتعامل به عرضة للعقوبات المنصوص عليها. 34 كما نص التعديل على معاقبة الشخص غير المسلم إذا ضبط وهو يتعامل بالكحول أو يتناوله مع شخص مسلم. 34

وفي خطوة حقوقية مهمة ضمن نفس حزمة الإصلاحات، تم إلغاء عقوبة الجلد كعقوبة للجرائم المتعلقة بالكحول، باستثناء جرائم الحدود، مما شكل تطوراً إيجابياً في مجال حقوق الإنسان. 4

غموض قانوني وتحديات في التطبيق

اعترف وزير العدل آنذاك، نصر الدين عبد الباري، بأن القانون الجديد سيخلق تحديات عملية في تطبيقه. 34 تمثلت أبرز هذه التحديات في كيفية تمييز أجهزة إنفاذ القانون بين المسلمين وغير المسلمين في الأماكن العامة، خاصة وأن الديانة غير مدونة في بطاقات الهوية الوطنية. 41 كما أثار التعديل تساؤلات حول كيفية تنظيم المحال التجارية لضمان بيعها للكحول لغير المسلمين فقط دون خلق نظام من الفصل الديني. لقد أوجد القانون منطقة رمادية في التعاملات بين المسلمين وغير المسلمين، حيث جعل الطرف غير المسلم مسؤولاً قانونياً في هذه الحالة. 34

إن هذه الصعوبات العملية لم تكن مجرد تفاصيل فنية، بل كشفت عن التحدي الأعمق المتمثل في محاولة تطبيق نظامين قانونيين متوازيين – أحدهما للمسلمين والآخر لغير المسلمين – داخل ولاية قضائية واحدة. فبدلاً من حسم مسألة ما إذا كان النظام العام للدولة مدنياً أم دينياً، حاولت الحكومة أن تجعله الاثنين معاً. هذه التسوية، وإن كانت ضرورية سياسياً على المدى القصير، إلا أنها خلقت حالة من الفوضى القانونية التي قد تكون غير مستدامة، وتؤجل أزمة دستورية حتمية حول طبيعة الدولة.

اختبار للحرية الدينية ومصدر للجدل

بررت الحكومة هذا الإصلاح بأنه خطوة ضرورية لتطبيق ضمانات الحرية الدينية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية لعام 2019، ولضمان حقوق المواطنة المتساوية للأقلية غير المسلمة في السودان (التي تقدر بنحو 3% من السكان). 4 لم يكن هذا الإصلاح مجرد لفتة حقوقية مجردة، بل كان له بعد سياسي استراتيجي. فالعديد من النزاعات طويلة الأمد في السودان، خاصة في مناطق مثل جبال النوبة والنيل الأزرق، كانت لها أبعاد دينية، حيث قاومت المجتمعات غير العربية وغير المسلمة فرض هوية عربية إسلامية واحدة من قبل المركز. وكان تطبيق الشريعة الإسلامية، بما في ذلك حظر الكحول، أحد المظالم الرئيسية لهذه المجتمعات. وفي وقت كانت فيه حكومة حمدوك تضع تحقيق السلام الشامل على رأس أولوياتها 2 ، جاء هذا التعديل كإجراء ملموس لبناء الثقة مع الحركات المسلحة والمجتمعات المشاركة في مفاوضات جوبا للسلام، ليثبت التزام الحكومة ببناء دولة أكثر تعددية وشمولاً.

وكما هو متوقع، أثار القرار عاصفة من الجدل. فقد أدانه المحافظون الدينيون والأحزاب الإسلامية واعتبروه انتهاكاً لهوية السودان الإسلامية وخطوة نحو الانحلال الأخلاقي. وكان مجمع الفقه الإسلامي قد قدم مذكرة تعترض على التعديلات المقترحة، زاعماً أن الحكومة تجاهلتها. 7 وقد استُخدمت هذه القضية لحشد القواعد المحافظة ضد الحكومة الانتقالية. 7 في المقابل، رحب به المدافعون عن حقوق الإنسان والجماعات العلمانية، واعتبروه تصحيحاً لظلم تاريخي استمر لعقود ضد المجتمعات المسيحية وغيرها من المجتمعات غير المسلمة التي خضعت للشريعة الإسلامية منذ عام 1983. 4

الجزء الثالث: المثلية الجنسية والقانون: من الإعدام إلى السجن

يقدم هذا الجزء توضيحاً قانونياً دقيقاً للتعديلات التي طرأت على القوانين المتعلقة بالمثلية الجنسية، مؤكداً أن الإصلاح لم يكن “إباحة” أو “تشريعاً” للفعل، بل كان تعديلاً جوهرياً ومحدوداً في العقوبات المفروضة عليه، مما يعكس حسابات سياسية دقيقة للحكومة الانتقالية.

نطاق الإصلاح: تغيير في العقوبة وليس في التجريم

من الضروري توضيح أن حكومة حمدوك لم “تبيح” المثلية الجنسية. فالقانون الجنائي السوداني لا يزال يجرم الأفعال الجنسية المثلية. على وجه التحديد، لا يزال فعل “اللواط” (المعروف قانونياً بالسدومية) جريمة يعاقب عليها القانون. 23

تركزت تعديلات يوليو 2020 بشكل حصري على العقوبات المنصوص عليها في المادة 148 من القانون الجنائي لعام 1991. وشملت هذه التعديلات خطوتين رئيسيتين:

* إلغاء عقوبة الإعدام: تم إلغاء عقوبة الإعدام التي كانت تُفرض على المدان للمرة الثالثة. 43
* إلغاء عقوبة الجلد: تم إلغاء عقوبة الجلد التي كانت تُفرض على المدان في المرة الأولى والثانية. 43

الإطار العقابي بعد الإصلاح: تحليل مفصل

بموجب التعديلات، ظلت المادة 148 التي تجرم “اللواط” (وتعرفه بأنه إيلاج العضو الذكري في دبر رجل آخر) سارية، لكن العقوبات أصبحت كالتالي:

جدول 2: عقوبات جريمة اللواط (المادة 148) في القانون الجنائي السوداني: قبل وبعد تعديلات يوليو 2020

الإدانة

العقوبة قبل يوليو 2020

العقوبة بعد يوليو 2020

للمرة الأولى

100 جلدة، ويجوز إضافة السجن لمدة لا تتجاوز 5 سنوات

السجن لمدة لا تتجاوز 5 سنوات

للمرة الثانية

100 جلدة، والسجن لمدة لا تتجاوز 5 سنوات

السجن لمدة لا تتجاوز 7 سنوات

للمرة الثالثة

الإعدام أو السجن المؤبد

السجن المؤبد

المصادر: 42

من المهم الإشارة إلى أن إصلاحات 2020 لم تمس المواد الأخرى في القانون الجنائي التي تُستخدم لملاحقة الأفراد على أساس ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية، ومنها:

* المادة 151 (“الأفعال الفاحشة”): تجرم الأفعال الجنسية غير الإيلاجية، وعقوبتها السجن و/أو الغرامة. 42
* المادة 152 (“الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة”): وهي مادة فضفاضة تُستخدم لملاحقة الأفراد بسبب “الزي غير المحتشم” أو السلوك الذي يُعتبر “مخلاً بالآداب”، وقد استُخدمت ضد العابرين جندرياً وغيرهم ممن لا يلتزمون بالمعايير الجندرية التقليدية. 42

“خطوة أولى عظيمة؟”: وجهة نظر المدافعين عن حقوق الإنسان

كان رد فعل النشطاء الحقوقيين المحليين والدوليين مزدوجاً. فمن ناحية، رحبوا جميعاً بإلغاء عقوبتي الإعدام والجلد، واعتبروها “خطوة أولى عظيمة” وانتصاراً حقوقياً كبيراً ينقذ الأرواح. 44 ومن ناحية أخرى، أكدوا أن الإصلاح غير كافٍ على الإطلاق، لأنه أبقى على جوهر المشكلة، وهو تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي. وشددوا على أن الهدف النهائي يجب أن يكون الإلغاء الكامل لتجريم هذه الأفعال لمواءمة القانون السوداني مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. 44 ورغم الإصلاح، لا يزال أفراد مجتمع الميم في السودان عرضة للاعتقال والملاحقة القضائية والتمييز الاجتماعي والعنف. 43

يمكن فهم هذا الإصلاح المحدود باعتباره الخطوة الأكثر جدوى سياسياً. فمن بين القضايا الثلاث، كان الإلغاء الكامل لتجريم المثلية هو الأصعب سياسياً والأكثر استفزازاً للمجتمع، ولم يكن هناك تيار محلي واسع يطالب به، على عكس قضية “سيداو” التي دعمتها حركة نسوية قوية، أو قضية الكحول التي كانت ضرورة سياسية لعملية السلام. لكن عقوبة الإعدام على فعل رضائي كانت تمثل “خطاً أحمر” للمنظمات الحقوقية الدولية والحكومات الغربية التي كانت حكومة حمدوك تسعى لدعمها. لذلك، كان إلغاء عقوبة الإعدام بمثابة “ثمرة دانية” للإصلاح؛ فقد سمح للحكومة بتحقيق إنجاز حقوقي كبير على الساحة الدولية، وإرضاء الشركاء الأجانب، دون خوض معركة سياسية داخلية خاسرة.

في الوقت نفسه، يكشف الإبقاء على التجريم عن تمسك الدولة بمفهوم راسخ للأخلاق العامة. فبينما كانت الحكومة مستعدة لإلغاء العقوبات التي تُعتبر “وحشية” وفقاً للمعايير الدولية (الإعدام والجلد)، لم تكن مستعدة للطعن في المبدأ الأساسي الذي يعطي الدولة الحق والواجب في تنظيم السلوك الجنسي الخاص والرضائي للمواطنين. وهذا يوضح أن الفترة الانتقالية، رغم إصلاحاتها، لم تحدث ثورة جذرية في علاقة الدولة بالمجال الخاص، وأن “الحرية” في شعار الثورة كانت لها حدود واضحة، حيث ظلت الدولة هي الحكم النهائي في مسائل الأخلاق.

الخاتمة والتوصيات

يقدم تحليل الإصلاحات القانونية التي قامت بها حكومة عبد الله حمدوك في قضايا “سيداو” والكحول والمثلية الجنسية صورة معقدة لمرحلة انتقالية طموحة ومحفوفة بالتحديات. يكشف هذا التحليل عن نمط ثابت من الإصلاحات الجريئة ولكن غير المكتملة، حيث كانت الحكومة تبادر بخطوات تاريخية لكنها تتوقف قبل إتمامها، أو تقيدها بتحفظات وقيود تفرغها من الكثير من مضمونها. كانت هذه الإصلاحات بمثابة حرب بالوكالة على هوية الدولة، تعكس الصراع الأعمق بين القوى المدنية الديمقراطية والقوى العسكرية والمحافظة. لقد كانت نتائج هذه المعارك القانونية انعكاساً مباشراً لميزان القوى الهش في تلك الفترة.

أدى الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021 إلى تجميد هذه الإصلاحات الهشة، بل وهدد بإلغائها، حيث أعاد السلطة إلى القوى المحافظة التي عارضتها بشدة، مما ترك مستقبل هذه المكتسبات القانونية معلقاً.

بناءً على هذا التحليل، يمكن تقديم التوصيات التالية لأي عملية انتقال ديمقراطي مستقبلية في السودان:

* إعطاء الأولوية لإنشاء سلطة تشريعية منتخبة وكاملة الصلاحيات: لضمان أن تكون الإصلاحات القانونية نابعة من إرادة ديمقراطية حقيقية وليست مجرد مراسيم تنفيذية، مما يمنحها الشرعية والاستدامة اللازمتين.
* إطلاق حوار وطني شامل حول علاقة الدين بالدولة والقانون: يجب بناء توافق مجتمعي واسع حول القضايا الخلافية قبل محاولة تمرير تشريعات حساسة، وذلك لتجنب الاستقطاب الحاد الذي يمكن أن يقوض العملية الانتقالية برمتها.
* جعل إصلاح القطاعين الأمني والقضائي شرطاً أساسياً: لا يمكن تطبيق القوانين القائمة على حقوق الإنسان بنجاح دون وجود أجهزة أمنية وقضائية مستقلة ومهنية، قادرة وراغبة في إنفاذ القانون بشكل عادل ومحايد. إن بناء هذه المؤسسات هو الضمان الحقيقي لترسيخ أي إصلاحات قانونية على أرض الواقع.