في تصاعد لافت لحملة التضييق على حرية الفكر والأكاديمية، تواجه الجامعات السودانية موجة من فصل الأساتذة لأسباب سياسية، وهو ما تعتبره الأوساط الأكاديمية والثقافية محاولة منهجية لإفراغ مؤسسات التعليم العالي من العقول الحرة والمستقلة.
أحدث هذه الإجراءات التعسفية طالت الدكتور هشام عمر النور، الفيلسوف المعروف، والكاتب والأستاذ الجامعي، الذي أُبلغ مؤخرًا بفصله من منصبه الأكاديمي دون مبررات مهنية واضحة، في خطوة وُصفت بأنها “عدائية ضد التفكير الحر”، ومثّلت صدمة للمجتمع الثقافي في السودان وخارجه.
ويقول زملاء د. هشام إن القرار يأتي في سياق حملة أوسع تستهدف الأصوات النقدية والمواقف المستقلة من داخل الجامعات، مؤكدين أن “فصل الفلاسفة والمفكرين هو عارٌ على من لا يحتملون نور العقل”.
ومنذ استيلاء الجيش على السلطة في أكتوبر 2021، رُصدت حالات فصل تعسفي طالت عشرات الأساتذة في جامعات حكومية كبرى مثل جامعة الخرطوم، جامعة السودان، جامعة الجزيرة، وجامعة النيلين. وتشير تقارير مستقلة إلى أن أغلب المفصولين كانوا من المناهضين للانقلاب، أو من ذوي المواقف السياسية الواضحة الداعية للانتقال المدني.
وبحسب نقابة أساتذة الجامعات السودانية، فإن ما لا يقل عن 73 أستاذًا جامعيًا تم فصلهم أو نقلهم تعسفيًا منذ نهاية 2022، بعضهم من رموز البحث العلمي في البلاد، دون إجراء تحقيقات عادلة أو مراعاة للوائح الأكاديمية.
أثار قرار فصل د. هشام عمر النور موجة تضامن واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره نشطاء وأكاديميون “صفعة للضمير الأكاديمي”، وأعادوا التذكير بحملات الفصل السياسي التي طالت مفكرين سودانيين في حقب سابقة.
وكتب أحد المتضامنين: “في لحظة تتكالب فيها قوى الردة على كل ما هو مضيء، فإن فصل د. هشام لا يمثل مجرد قرار إداري، بل إعلان حرب على الفكر الناقد”.
ويرى مراقبون أن ما يجري يمثل توجهًا خطيرًا لـ”تدجين الجامعات” وتحويلها إلى أدوات دعائية بيد السلطة العسكرية، من خلال إحلال الأساتذة المستقلين بكوادر موالية أو غير مؤهلة أكاديميًا.
ويحذر الخبير في التعليم العالي د. أحمد عبد الرحمن من أن “استهداف العقول سيؤدي إلى نزيف هجرة جماعية للأساتذة، وتدهور جودة التعليم والبحث العلمي لعقود قادمة”.
في المقابل، دعت منظمات حقوقية ونقابات مهنية إلى التراجع الفوري عن قرارات الفصل، وإعادة جميع الأساتذة المفصولين إلى وظائفهم، مع فتح تحقيقات مستقلة حول دوافع هذه الإجراءات، لضمان استقلالية الجامعات وحرية الفكر الأكاديمي.