منعم سليمان
لا جديد في أن قادة النظام البائد، الذين خربوا الأرض وأراقوا الدم، لا يزالون يعبثون بمصير السودان كما يشاؤون، ويمضون في مشروعهم القديم الجديد: إعادة بعث الدولة الدينية الأمنية عبر الزيّ العسكري، والالتفاف على أي إمكانية لقيام دولة مدنية ديمقراطية.
تصريحات *أحمد هارون*، أمس، لوكالة “رويترز”، وهو أحد أبرز رموز ذلك النظام ورئيس حزبه، والمطلوب للعدالة الدولية، لم تفاجئ أحداً. فكل سوداني يعلم من أوقد نار هذه الحرب، ولماذا، ومن أطلق عليها اسم *حرب الكرامة* بكل ما في الاسم من سفه واستهتار بحياة السودانيين ومقدّرات وطنهم.
لكن الجديد والأخطر هو ما جاء في ثنايا تصريحه: *اقتراحه بإجراء استفتاء لاختيار قائد الجيش الذي سيحكم البلاد في الفترة الانتقالية*. وهذا السُّم، وإن جاء مدسوساً في دسَم لا يُهضَم، لا يُخفي دوافعهم المضمرة: تغيير رأس المؤسسة العسكرية الحالي، عبد الفتاح البرهان، واستبداله بشخص أكثر ثقة والتصاقاً بالحركة الإسلامية، وأشد التزاماً بخطّها العقائدي التوسعي.
البرهان، الذي غدر بالقوى المدنية، وانقلب على الوثيقة الدستورية ذات صباح دامٍ في 25 أكتوبر، ها هو الآن يتذوّق من ذات الكأس التي أذاقنا إياها. فالتاريخ لا ينسى، والعدالة – وإن تأخرت – لا تُخطئ الطريق. أولئك الذين دمّر البرهان السودان من أجل إعادتهم إلى السلطة، ها هم اليوم يكشفون عن نيتهم الانقلاب عليه، ومن ذات الباب الذي فتحه لهم: *بوابة الجيش.*
وليس خافياً أن المقصود بالاستفتاء المزعوم هو التمهيد لتنصيب قائد جديد من طرفهم، عبر “استفتاء” يُفصَّل على مقاسه، وغالباً – بل مؤكد – هو؛ *نصرالدين عبد الفتاح، قائد سلاح المدرعات*، المعروف منذ نعومة أظفاره بارتباطه الوثيق وولائه التام للحركة الإسلامية. فهؤلاء لا يريدون جيشاً وطنياً، بل ميليشيا بلباس رسمي، تنفّذ أوامرهم، وتجهض كل مشروع مدني في مهده.
وعليه، فإن المجتمعين الدولي والإقليمي مطالبان بإدراك الخطر المحدق: إن لم يكن من أجل تحقيق حلم السودانيين بالحرية والحكم المدني والانتقال الديمقراطي الحقيقي، فليكن من أجل منع قيام نظام إسلامي أيديولوجي بواجهة عسكرية، سيكون أكثر خطراً وشراسة من سابقه، يُؤسَّس له الآن داخلياً و *(خارجياً)*، تحت ذريعة *تحقيق الاستقرار!*
هذا النموذج لا يهدد فقط استقرار السودان الداخلي، بل يفتح الأبواب لتحالفات عابرة للحدود، مع أنظمة توسّعية وأيديولوجية، ومع حركات الإسلام السياسي المتشددة التي طالما زعزعت استقرار المنطقة والعالم.
إن التغاضي عن هذا المشروع لن يعني سوى شرعنة فوضى مقنّعة، تمتد آثارها من الخرطوم إلى غزّة، ومن بورتسودان إلى بندر عباس.
ثمّ لو أن أحمد هارون يحرص كل هذا الحرص على استقرار السودان واحترام العالم، *فليسلّم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية!*