أثار التقرير الذي قدمه مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الأمن الدولي، الخميس، انتقادات واسعة من قبل خبراء قانونيين وناشطين حقوقيين سودانيين. جاءت الانتقادات على خلفية ما وصفوه بـ”التقاعس المزمن” في ملاحقة مرتكبي الجرائم في إقليم دارفور منذ العام 2003، رغم مرور عشرين عامًا على إحالة الملف إلى المحكمة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1593 الصادر في عام 2005.
أكد صالح محمود، المحامي والخبير القانوني، في مقابل مع راديو دبنقا ، أن التقرير الأخير للمحكمة افتقر إلى الجدية والنتائج الملموسة، مشيرًا إلى أن الجرائم التي وقعت في دارفور، خاصة بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، لم تجد حظها من التحقيق الفعّال رغم فداحتها. وقال: “بعد 21 سنة، لم يُقدّم أي متهم للمحاكمة نتيجة لجهود مكتب المدعي العام، سوى علي كوشيب هذا فشل مؤسسي وإهدار لموارد المحكمة”.
وشدد محمود على أن المطلوبين الأساسيين، وفي مقدمتهم الرئيس المعزول عمر البشير، وأحمد هارون، وعبد الرحيم محمد حسين، لا يزالون أحرارًا، ولم يُتخذ أي إجراء فعلي لاستلامهم، مضيفًا أن المكتب لم يطلب حتى من الحكومة السودانية تسليمهم رسميًا، بل اكتفى بذكر “تعاون محدود” مع حكومة الأمر الواقع في بورتسودان.
وأشار محمود إلى غياب المدعي العام الحالي كريم خان عن جلسة الإحاطة الأخيرة، مما أثار تساؤلات حول مدى التزامه بقضية دارفور، خاصة وأنه كان قد وعد سابقًا بتقديم نتائج ملموسة تتعلق بالتحقيقات في الجنينة والفاشر وتابت. وأضاف: “غياب خان عن الجلسة يُفسر من قبل البعض كتهرب واضح من المسؤولية”.
وأعرب عن خيبة أمل الضحايا من بطء وتراخي مكتب الادعاء، معتبرًا أن استمرار الإفلات من العقاب يساهم في تكرار الجرائم وانعدام الردع. ودعا مجلس الأمن إلى اتخاذ خطوات حاسمة، بما في ذلك استبدال المدعي العام إذا لزم الأمر.
من جانبه، وصف الأستاذ المعز حضرة، المحامي والناشط الحقوقي، تقرير المحكمة بأنه “بدون مخالب”، قائلاً إنه يعيد تكرار الوعود دون اتخاذ خطوات عملية تجاه العدالة. وأكد أن العدالة في دارفور تأخرت لعشرين عاماً، ما جعل الضحايا يفقدون الثقة في جدية المحكمة.
وأوضح حضرة أن التعاون مع حكومة الأمر الواقع في بورتسودان كان جزئياً، تمثل في السماح لوفد المحكمة بزيارة السودان، لكنه لم يشمل أية خطوات فعلية لتسليم المتهمين. وقال: “طالما المتهمون ما زالوا أحراراً، فإن المحكمة تفقد مصداقيتها لدى الضحايا”.
وأشار حضرة إلى أن الجرائم لم تعد تقتصر على دارفور فقط، بل امتدت إلى جميع أنحاء السودان بعد حرب 15 أبريل 2023، داعياً مجلس الأمن إلى توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كل البلاد. وأضاف: “الجرائم الآن تضاعفت، والانتهاكات شملت الخرطوم وكردفان وغيرها، فلماذا يظل التحقيق محصوراً في دارفور فقط؟”.
بدوره أشار المحامي عثمان صالح في حديث لراديو دبنقا إلى أن المحكمة نفسها ذكرت في تقريرها نقص الموارد المالية والبشرية كسبب في بطء التحقيقات، مما جعلها تركز فقط على ولايتي شمال وغرب دارفور، رغم أن الانتهاكات طالت معظم الإقليم. وشدد الخبراء على أهمية دور منظمات المجتمع المدني في دعم التحقيقات من خلال التوثيق والرصد الميدانية.
يتفق كثير من المحللين والناشطين على أن تأخر العدالة في دارفور، واستمرار الإفلات من العقاب، أضعف ثقة الضحايا في المحكمة الجنائية الدولية.
وكان مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد أكد أن لديه أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت، ولا تزال تُرتكب، في دارفور. وأعلن تركيز التحقيقات على الجرائم التي وقعت في ولاية غرب دارفور خلال عام 2023.
وأوضح المكتب أنه جمع أدلة على جرائم تشمل القتل، والنهب، والهجمات على مخيمات النازحين، والاستهداف العشوائي للمدنيين، إضافة إلى الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي، وجرائم ضد الأطفال. وأشار إلى استمرار إرسال بعثات تحقيق إلى تشاد ودول مجاورة.
كما يواصل المكتب تعزيز ملفاته بشأن المطلوبين: عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون، تحسّبًا لإمكانية القبض عليهم. وأشار إلى تحديده لقرائن جديدة وسعيه للتعاون مع دول ثالثة لجمع مزيد من الأدلة والوصول إلى شهود.
وأعرب المكتب عن تقديره لتعاون حكومة السودان، خصوصًا في تسهيل زيارة ممثليه إلى بورتسودان في أبريل 2025، لكنه شدد على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لضمان تسليم المطلوبين، خاصة بعد الظهور العلني لأحمد هارون مؤخرًا.
ودعا المكتب الأفراد والمنظمات، خاصة من داخل الأجهزة الرسمية السودانية، إلى تقديم معلومات تتعلق بمسؤولية أو مكان وجود المشتبه فيهم. وذكّر بأن قرار مجلس الأمن 1593 يُلزم السودان بالتعاون الكامل مع المحكمة