الكاتب والباحث الألماني فولكر بيرتس عمل مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في السودان، وفي مناصب أممية أخرى. لكنه يعتبر أحد أهم الخبراء في شؤون الشرق الأوسط، وهو رئيس مركز أبحاث ألماني من أهم مراكز الأبحاث في العالم. وقد كتب الكثير من الكتب والأبحاث عن الشرق الأوسط والسياسات الدولية.
الحوار معه عن السودان مهم بسبب ما يجري في هذا البلد بعد أكثر من سنتين على “حرب الجنرالين” التي اندلعت في منتصف أبريل/نيسان 2023، خصوصا أنه “تحرر” من قيود منصبه. لكن الحوار معه لا يمكن أن يقتصر على ذلك، بل يجب أن يتناول تطورات الشرق الأوسط والعالم.
بعد مرور حوالي سنتين على تركه منصبه الأممي في السودان، لا يزال متابعا لتفاصيل المعارك والتغير في خطوط التماس. ويقول: “جميع هذه المؤشرات تدل على تفكك الدولة”. صحيح أن فولكر قلق من “تقسيم السودان”، لكنه يستدرك ليقول: “النتيجة المرجحة: مزيج من التفتت والجمود”.
وأعلن يوم الثلثاء ان “قوات الدعم السريع” قتلت عشرات المدنيين في هجوم على قرية أم قرفة في ولاية شمال كردفان. وشنّ الجيش السوداني عدة هجمات في الأسابيع الأخيرة للسيطرة على بارا، وهي منطقة استراتيجية رئيسية في شمال كردفان.
وقد أدى النزاع الذي دخل عامه الثالث إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص ونزوح ملايين السودانيين، وتسبب في ما وصفته الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.
ويرفض بيرتس “تماما” أن حرب السودان هي “حرب بالوكالة”، ويوضح: “هذا صراع داخلي على السيطرة على السودان وموارده. لكن، ما إن تبدأ حرب كهذه، حتى تبدأ القوى الإقليمية والدولية في السعي لتعزيز مصالحها وسط أتون الصراع، وهو ما نراه يحدث بالفعل بشكل واضح”.
وعندما طلبت منه أن يوسع دائرة النظرة ويضع السودان في السياق الإقليمي، قال: “نعم، هناك درجة معينة من الترابط بين هذه الأزمات الإقليمية، لكن لا ينبغي الخلط بينها وبين تحالفات منسقة أو اصطفافات متجانسة”. ويقول الخبير الألماني: “التطور الأكثر إثارة للاهتمام بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو في الوقت نفسه نتيجة لها، هو الهزيمة الاستراتيجية التي اضطرت إيران للإذعان لها، وتفكك محور المقاومة. حيث استطاعت إيران أن تحشد وكلاءها وداعميها، إلا أنها لم تتمكن من الدفاع عنهم”. كما توقف عند الوضع في الخليج العربي، قائلا: “ما أراه أن الشرق الأوسط، بقيادة قوى الخليج، لا يعيد تعريف نفسه بالمعنى الاقتصادي أو السياسي، أو الجغرافي الاقتصادي فقط، وإنما بالمعنى السياسي الاستراتيجي أيضا”.
الحوار جرى عبر تطبيق “زووم” في 27 مايو/أيار 2025 ونشر في العدد الورقي لشهر يوليو/ تموز المخصص الذي خصص لحرب إسرائيل وإيران. وهنا النسخة الالكترونية:
* بعد أن ابتعدتَ عن السودان ولم تعد تتابع التفاصيل عن كثب، كيف ترى الوضع هناك حاليا؟
– المشهد العسكري يشهد تحولات. رأينا أن الحكومة، أو بالأحرى الجيش بوصفه الجهة العسكرية الحاكمة، أحرز بعض التقدم، إذ استعاد السيطرة على الخرطوم، أو حررها. وأعتقد أن معظم سكان الخرطوم سيصفون ذلك بالتحرير. لكن في الصورة الأوسع، فإن الانتصارات الموضعية هنا أو هناك لا تمثل جوهر المسألة.
ما نشهده الآن هو تحقق التحذيرات التي أطلقناها منذ اندلاع الصراع قبل عامين. لم يعد الأمر يتعلق بمواجهة بين جيشين تنتهي بسرعة. فلنتذكر أن الجيش و”قوات الدعم السريع” على السواء ادعيا في البداية أن القتال سيستغرق أياما أو أسابيع. غير أننا حذرنا من أنه في حال طال أمد النزاع، فسيتحول إلى حرب أهلية حقيقية، تستقطب مجموعات قبلية وإثنية متعددة، وقد تقود إلى تفكك شامل للبلاد.
وفي الوقت الحاضر، لا تبدو الحرب في طريقها إلى النهاية. كلا الطرفين– الجيش و”قوات الدعم السريع”– يمتلك الموارد اللازمة لمواصلة القتال، ولا تلوح في الأفق بوادر نية حقيقية لإيقافه. في المقابل، نجد البلاد ماضية نحو التفكك. وأخشى أننا سنشهد مستقبلا وجود أكثر من حكومة داخل السودان.
الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، عيّن رئيسا للوزراء، بينما اتجه المعسكر المناهض، “قوات الدعم السريع”، إلى جانب عدد من الأحزاب السياسية، لتشكيل حكومة مقابلة ربما تحت وصاية أو حماية “قوات الدعم السريع”. وعمليا، ستكون تلك الحكومة تابعة لـ”قوات الدعم السريع”، أيا كان الاسم الذي تُطلقه على نفسها.