التنظيم الدولي للإخوان المسلمون متورّط في هذه الحرب:
قالت الصحافية السودانية، ورئيس تحرير صحيفة التغيير “رشا عوض”، إن مصر اخترقت الاسلاميين السودانيين وخصوصا في الجيش والامن وبنت وسطهم شبكة عملاء،مضيفةً بأن علاقة مصر بالسودان هو الاستتباع عبر حكم عسكري تابع لها، حتى لو كان اسلاميا.
واضافت” رشا عوض” في حوار مع صحيفة “إدراك”، إن النفوذ المصري في الجيش السوداني اقدم واكثر رسوخا من النفوذ الاسلامي، مشيرةً بان مصر تحارب الاخوان في مصر لانهم سيدمرونها بفكرهم المتخلف، ولكن الكيزان باضعافهم للدولة السودانية وبفسادهم وعدم وطنيتهم يحققون للدولة المصرية مكاسب كبيرة محسوبة بمليارات الدولارات.
وأتهمت رئيس تحرير صحيفة التغيير، التنظيم الدولي للإخوان المسلمون في التورط في هذه الحرب، مضيفةً بأنه تنظيم لا يعترف بحدود الدولة الوطنية الحديثة، وبعد ان استبعد هذا التنظيم من السلطة في مصر وتونس وجزئيا في ليبيا وبعد التطورات في الشرق الاوسط ينظر التنظيم الى السودان كملاذ اخير ويعمل على اعادة تمكين اسلاميي السودان من السلطة مجددا.
الي الحوار:
برايك من اشعل حرب أبريل، ولماذا؟
هذه حرب الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني بامتياز، أشعلوها كآخر طلقة متبقية في خزنتهم ضد ثورة ديسمبر المجيدة، كانت الطلقة الاولى فض الاعتصام ثم الانقلابات العسكرية الفاشلة ثم انقلاب 25 اكتوبر 2021 الذي كاد ان يرد لهم السلطة كاملة، عندما بدأت عملية استئناف الانتقال المدني الديمقراطي عبر الاتفاق الاطاري اشعلوا هذه الحرب لقلب الطاولة على الجميع.
هل تحجر العقل السياسي السوداني من مخاطبة أجندة هذه الحرب التي باتت تشكل مهدداً لنسف خارطة الدولة؟
هذه الحرب كارثة كبيرة لها تعقيدات كبيرة محلية واقليمية ودولية ، التحدي كبير امام العقل السياسي السوداني، نحن في محنة كبيرة، يجب ان نتواضع ونعقد العزم على مخاطبة جذور ازمتنا بعمق ويجب ان ندرك ان لا احد في الساحة يملك حلا سحريا او اجابة جامعة مانعةـ العقل السياسي متعدد في تفسيراته وما يطرح من حلول، توجد عقول سياسية متعددة بعضها مرن وبعضها متحجر، واكبر نموذج للتحجر والجمود هو عقل الحركة الاسلامية والمجموعات الملتفة حولها وحول الجيش تحت شعارات الحفاظ على الدولة ويظنون ان السودان بعد هذه الحرب يمكن ان يعود الى سابق عهده أي الى دولة مركزية قابضة تحت سلطة المؤسسة الامنية والعسكرية المملوكة للحركة الاسلامية.
بعض المحللين يشيرون الي تورط التنظيم الدولي للإخوان المسلمون في هذا برأيهم قد يؤدي لتدويل الحرب لتشمل دول الإقليم ،خصوصا إفريقيا شمال الصحراء؟
صحيح تماما، تنظيم الاخوان المسلمين لا يعترف بحدود الدولة الوطنية الحديثة هو تنظيم عابر للحدود ويناصر بعضه بعضا ، وبعد ان استبعد هذا التنظيم من السلطة في مصر وتونس وجزئيا في ليبيا وبعد التطورات في الشرق الاوسط من معارك ضارية للقضاء على حماس وحزب الله والحوثيين والهجوم العسكري على ايران، مؤكد سوف ينظر تنظيم الاخوان المسلمين الى السودان كملاذ اخير ويعمل على اعادة تمكين اسلاميي السودان من السلطة مجددا ، ويجب ان نأخذ بعين الاعتبار ان سودان الانقاذ احتضن صناعات عسكرية ايرانية وكان معبرا لتمرير السلاح الى غزة وجنوب لبنان عبر مصر وكانت به معسكرات تدريب للمتطرفين ، وخلال هذه الحرب استنفرت الحركة الاسلامية مقاتلين من جنسيات عربية وافريقية للقتال على اسس جهادية، مؤكد هذا سيجعل السودان هدفا لتدخلات اقليمية ودولية.
هل بات الأمل في أي مسار للسلام مستحيلا بعد سيطرة الإسلاميين علي القرار السياسي والعسكري؟
مسار السلام ليس مستحيلا، ولكنه ليس سهلا لانه لم يعد رهينا لما يريده السودانيون بل مرتبط بمصالح اقليمية تتحكم في ملف حرب السودان، واطراف الحرب نفسها مضغوطة خارجيا من داعميها ومموليها، فضلا عن ان الاسلاميين خطتهم هي مواصلة الحرب حتى الانتصار الساحق لاعادة السلطة المطلقة او تقسيم البلاد ، وهذه اكبر عقبة امام أي مشروع للسلام العادل، اذ لا سلام عادل بعودة الاسلاميين للسلطة ولا سلام عادل في التقسيم لان غرب السودان ليس متجانسا ولا الشمال والوسط متجانس سياسيا ، هناك تعقيدات كبيرة حتى في خيار التقسيم.
كيف ترين سعي البرهان في حدوث تواجد إيراني في السودان مقابل الحصول على السلاح؟
هذا توجه يائس ومدمر لانه يضع السودان في مرمى النيران المعادية لايران وما اكثرها، اعتقد هذا توجه يفرضه الاسلاميون على البرهان.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سعيه إلى تحقيق تسوية سلمية في السودان وليبيا. وفي الوقت ذاته، استضافت القاهرة اليوم اجتماعًا ثلاثيًا بين مصر والسودان وليبيا.
كيف تقرأين تصريحات ترامب، خلال لقائه زعماء دول الجابون وغينيا بيساو وليبيريا وموريتانيا والسنغال في البيت الأبيض: “نسعى إلى تحقيق تسوية سلمية في السودان وليبيا”؟
الضغوط الدولية والارادة الدولية خصوصا من الولايات المتحدة الامريكية رافعة اساسية لاي مشروع سلام في السودان، ولكن يظل السؤال المؤرق لنا كسودانيين هل التسوية التي ستفرضها امريكا ستحقق سلاما مستداما ام ستكون استراحة محاربين مثلما حدث في تسوية نيفاشا واتفاقيات سلام دارفور العديدة من ابوجا الى الدوحة واخيرا اتفاق سلام جوبا، نحن حطمنا الرقم القياسي في عدد اتفاقيات السلام والحروب في بلادنا لا تنطفئ، نموذج التسوية السلمية في الكنغو مثلا كان على اساس صفقة اقتصادية في المعادن الاستراتيجية ولم يتضمن أي حل لمشاكل المليشيات بل انعقد الاتفاق مع المليشيات المتقاتلة نفسها، فما هو شكل الصفقة في السودان الذي اوكلت الادارة الامريكية امره للوكلاء الاقليميين مصر والسعودية والامارات فماذا سيقررون؟ هل تسوية بين الجيش والدعم السريع وما هو مصير الاسلاميين في هذه المعادلة.
دعنا ننتظر لنرى تفاصيل ما سيطرحه ترامب.
من المتوقع الإعلان عن حكومة السلام المرتقبة خلال الايام القادمة، كيف تقرأين المشهد السياسي السوداني وتجلياته؟
الحكومة التي ستتشكل في مناطق سيطرة الدعم السريع هي تمهيد لدخول السودان في سيناريو شبيه بالسناريو الليبي، هذا تطور سينقل الصراع نقلة نوعية الى محطة جديدة وتحدي جديد ، وهذا يؤكد ما ذكرته آنفا وهو ان هذه الحرب لن تنتهي النهاية التقليدية التي يخطط لها الاسلاميون وتضعنا امام خيارين : اما سودان فيدرالي (فيدرالية حقيقية) وديمقراطي بجيش وطني مهني جديد واجهزة امنية وطنية غير حزبية وبرنامج للتوازن التنموي ومواجهة العنصرية بحزم واقامة دولة المواطنة وحقوق الانسان والديمقراطية واما ان تمضي البلاد في اتجاه الانقسام لدولتين او التشظي لعدد من الدويلات، ومؤكد التقسيم والتشظي لن يكون طريقا الى جنات النعيم بل سيكون تقسيم ذات الازمات والمشاكل في الدولة الام على دولتين او ثلاثة او اكثر.
مصر حظرت الإخوان بأراضيها واعتبرتهم جماعة إرهابية، ولكنها في موقف غير متسق تدعم الإسلاميين في السودان ماهو تفسيرك لهذا الموقف؟
مصر تفكر بعقل الدولة الوطنية الحريصة على مصالحها وعلى هذا الاساس تختار حلفاءها في السودان وغيره، الثابت الاستراتيجي في علاقة مصر بالسودان هو الاستتباع عبر حكم عسكري تابع لها، حتى لو كان اسلاميا ، مصر اخترقت الاسلاميين السودانيين وخصوصا في الجيش والامن وبنت وسطهم شبكة عملاء، والنفوذ المصري في الجيش السوداني اقدم واكثر رسوخا من النفوذ الاسلامي نفسه، لذلك يجب ان نتخلى عن الفكرة الرومانسية التبسيطية التي تقول ما دامت مصر تنظر الى الاخوان المسلمين المصريين كجماعة ارهابية فهذا معناه انها ستتبنى ذات الموقف من جماعة الاخوان المسلمين في السودان، ببساطة مصر تحارب الاخوان في مصر لانهم سيدمرونها بفكرهم المتخلف، ولكن الكيزان باضعافهم للدولة السودانية وبفسادهم وعدم وطنيتهم يحققون للدولة المصرية مكاسب كبيرة محسوبة بمليارات الدولارات، الكيزان يجعلون السودان معزولا عن العالم بالعقوبات فتكون نافذته الوحيدة الى العالم مصر وهذه مصلحة كبيرة، الكيزان بنظامهم الفاسد واجهزتهم العسكرية والامنية المرتشية يجعلون مهمة نهب الموارد السودانية وتهريب الذهب الى مصر مهمة سهلة، ولكن مصر يجب ان تعلم ان لا ضمان للكيزان لان ولاءهم للتنظيم الدولي هو الاساس وقد سبق ان لعبوا دورا في دعم الارهاب في مصر والراجح انهم يفعلون ذلك الان، مصر تراهن على انها قادرة على اللعب بالبيضة والحجر في موضوع التعامل مع الكيزان ، بمعنى انها قادرة على التحكم فيهم حتى لا يضروها عبر الارهاب وفي ذات الوقت قادرة على الاستفادة من وجودهم في السلطة إذ انهم سيضعفون السودان ويسهلون استتباعه.
ماهي قرأتك التحليلية للتطورات العسكرية مؤخراً بالمثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان؟
التطورات العسكرية الاخيرة مؤشر في اتجاه ان الصراع السوداني يتجه لجرجرة اطراف اقليمية بشكل كبير، وان التحالفات الاقليمية نفسها يمكن ان تتغير تبعا للتغيرات العسكرية.
يتحدث البعض عن إن لهذه الحرب ايجابيات، لكونها فضحت بعض الشعارات السياسية وكشفت زيف سرديات خطاب القومية كيف تفسرين ذلك؟
الدولة السودانية اساسا غير مكتملة في نضجها القومي ، قطعت في هذا المشوار بعض المسافات وكان يمكن ان تتقدم الى الامام حتى لو ببطء ، ولكن وقوع هذه الدولة تحت قبضة المشروع الاسلاموي لاكثر من ثلاثة عقود تراجعت الدولة السودانية وارتدت الى مرحلة ما قبل الدولة بشكل دراماتيكي وعلا صوت القبيلة والجهة على الانتماء الوطني، وبالفعل فضحت هذه الحرب ان القومية مجرد قشرة ضعيفة تغلف الانحياز القبلي والجهوي حتى لكثير من المثقفين بكل اسف، تظهر تجليات ذلك في الموقف من انتهاكات الحرب اذ ان درجة الاحتجاج والغضب تختلف تبعا للمنطقة الجغرافية للانتهاك وتبعا للهوية العرقية او القبلية للضحايا، فهناك من ينظر الى ان سرقة سيارة او حتى ثلاجة او اثاث منزلي من احد منازل الخرطوم انتهاك خطير ولكن قتل العشرات او المئات من المدنيين في قصف جوي على قرية في دارفور ليس انتهاكا ! هذه العقلية سوف تقود الى تقسيم البلاد بكل اسف.
لماذا تضاءل دور الصحافة ، واعني بذلك عجزها عن القيام بدورها في كشف الحقائق؟
الشعب السوداني الان منقسم انقسامات حادة ، والصحافة مرآة لهذه الانقسامات، هناك صحافة تخصصت في التضليل والكذب وتزييف الوعي والتطبيل للأطراف العسكرية، وهناك صحافة مستقلة انحيازها للمواطن وحقه في ان يعلم ما يدور في وطنه معرفة موضوعية تتسم بالدقة والنزاهة المهنية، وهذا النوع من الصحافة المستقلة يتعرض للمحاربة الشرسة ووضع العراقيل.
نحن نحتاج لصحافة مسؤولة تكون صوتا للسلام لان الصحافة بطبيعتها من ادوات التغيير السلمي في المجتمع، وان تساهم في بناء سردية مختلفة لهذه الحرب تعبر عن الطرف المستقل عن طرفي الحرب ، وان تبتدر نقاشا موضوعيا لسرديات طرفي القتال وللسرديات الفرعية التي تدور حول السرديات الرئيسة، الصحافة يجب ان تكون مرآة لتعدد الاراء حول الحرب ويجب ان تكون كاشفة للانتهاكات والفساد اينما وجد بصرف النظر عن أي تحيزات مسبقة.
هناك منصات اعلامية تجتهد في هذا الاتجاه ولكن الاعلام هو اكبر نقطة ضعف في العمل المدني الديمقراطي بكل اسف.