يُعاني المعلمون في السودان من ضعف الرواتب التي لا تزال ثابتة وتتراوح بين 80 ألفًا إلى 190 ألف جنيه سوداني في حدودها العليا، مع العلم أن مدخل الخدمة للدرجات العمالية في قطاع التعليم يبلغ 12 ألف جنيه فقط، رغم أنها لا تغطي سوى 1% إلى 8% من تكلفة المعيشة الشهرية. ومع ذلك، تلقى المعلمون وقطاع التعليم ضربات موجعة من الأجهزة التنفيذية (مجلس الوزراء) بتخفيض بدل الوجبة من 90 ألف جنيه إلى 30 ألفًا، ما أثار تساؤلات حول مستقبل التعليم والمعلم، فيما تراوحت أسعار صرف الدولار في السوق الموازية، اليوم الاثنين، ما بين 2660 و2690 جنيها للشراء، و2730 و2780 جنيهاً للبيع.
واعتبرت لجنة المعلمين السودانيين القرار خطوة صادمة وتهديدًا مباشرًا لاستقرار العملية التعليمية وهضمًا لحقوق المعلمين في ظل ظروف معيشية ماساوية وعدم انتظام صرف الرواتب مدة عامين نتيجة استمرار الحرب في السودان. وبحسب القرار، فإن بدل الوجبة الذي كان يُصرف بقيمة 90 ألف جنيه شهريًا سيتم تقليصه إلى 30 ألف جنيه اعتبارًا من يونيو/حزيران الجاري، مع تعديل مستقبلي يصل إلى 60 ألف جنيه في 2026، قبل أن يُعاد إلى قيمته الأصلية بحلول 2027. وتعتبر هذه العلاوة بندًا أساسيًا ضمن هيكل الأجور، تُمنح للعاملين لتعويض تكلفة الوجبة اليومية، وسط ارتفاع مستمر في أسعار الغذاء وانخفاض القوة الشرائية وتوالي ارتفاع التضخم.
وسبق أن قدمت لجنة المعلمين دراسة دقيقة للجهات المختصة أوضحت فيها أن تكلفة المعيشة الشهرية لأسرة سودانية مكونة من خمسة أفراد تبلغ في حدها الأدنى 354 ألفًا و500 جنيه، وقد تصل في مناطق مثل بورتسودان (شرقي السودان) إلى أكثر من 2.8 مليون جنيه شهريًا. كما أوضحت الدراسة أن متوسط الأجر الشهري الحالي لا يغطي سوى 1% إلى 8% فقط من هذه التكاليف، وأن أكثر من 90% من العاملين في الدولة يعيشون تحت خط الفقر المدقع حسب المعايير الدولية.
وحسب الدراسة التي حصل عليها “العربي الجديد”، بلغ متوسط الأجور الشهرية للعمال السودانيين بين 12 ألفًا و50 ألف جنيه، بينما الحد الأدنى الفعلي المطلوب لمعيشة كريمة لأسرة من خمسة أفراد يُقدّر بحوالي 400 دولار، ما يعني أن أكثر من 90% من العمال السودانيين يعيشون تحت خط الفقر المدقع. وأشارت الدراسة إلى أن الأجور الحالية لا تغطي سوى 1% إلى 8% من تكلفة المعيشة الشهرية، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والتدهور الحاد في المعيشة. وطالبت برفع الحد الأدنى للأجور إلى 210 آلاف جنيه ليغطي 50% إلى 60% من تكلفة المعيشة، مع تحديد آلية للمراجعة الدورية وفقًا لمعدلات التضخم.
ورغم الوعود السابقة من وزارة المالية بزيادة الأجور خلال العام الجاري، لم تُنفذ أي إجراءات فعلية حتى الآن، ما زاد من حالة الإحباط بين العاملين. وأكدت اللجنة أن القرار يعكس ما سمّته غياب الإرادة الحكومية في حماية حقوق المعلمين، محذرة من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى هجرة الكفاءات وتفريغ المدارس من المعلمين المؤهلين، ويمثل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الخدمات التعليمية. وأضافت اللجنة أن المعلمين ظلوا يؤدون واجبهم الوطني رغم انقطاع الرواتب في عدد من الولايات أكثر من عام ونصف عام، معتبرة أن تخفيض علاوة بدل الوجبة في هذا التوقيت “إهانة للمهنة والمعلمين على حد سواء”.
وطالب المعلمون من خلال لجنتهم الحكومة بإلغاء القرار فورًا، والبدء في خطوات جادة لإعادة هيكلة الأجور ورفع الحد الأدنى بشكل يتناسب مع الواقع المعيشي. كما دعت إلى تعزيز الدور الرقابي للنقابات المستقلة، معتبرة أن السياسات المالية الحالية لا تخدم العاملين ولا تواكب التحديات الاقتصادية الراهنة.
وقال المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر، لـ”العربي الجديد”، إن المرتب يبدأ بالأجر الابتدائي زائد غلاء المعيشة، بالإضافة إلى طبيعة العمل التي وصلت إلى 50% من الراتب، زائد بدل الوجبة والترحيل وعلاوة المؤهل والأطفال والزواج، مشيرًا إلى أن الراتب مع بدل اللبس (شهران من الأساسي) وبدل نقدي متعلق بالحالة الاجتماعية ومنحة العيدين لا يتجاوز 180 ألف جنيه. وأضاف أن بدل الوجبة يعادل 6 آلاف جنيه في الشهر، وكان المقترح زيادتها إلى 90 ألفًا، لكن لم تُنفذ وفق قرار مجلس الوزراء. وأوضح أن الحد الأدنى لمدخل الخدمة المدنية من الدرجة 17 إلى 12 درجات عمالية، ومدخل الخدمة لشهادة الجامعة هو التاسع أو الثامن.
وتابع الباقر أن قرار بدل الوجبة “قرار قديم” يجب تطبيقه هذا العام اتحادياً من وزارة المالية وولائياً من الموارد الذاتية، إلا أن وزارة المالية ومجلس الوزراء أجلتا تطبيقه إلى السنوات القادمة. وأضاف: “ما هي ضمانات استقرار الاقتصاد؟” موجهاً أصابع الاتهام إلى وكيل وزارة المالية في عدم تطبيق القرار، مشيرًا إلى سابقة صرف الراتب بهيكلين في السنوات السابقة.
وفي السياق نفسه، اعتبر بشير نايل، عضو مكتب الإعلام باللجنة، أن الحكومة تنصلت من التزاماتها المالية التي أعلنت عنها مطلع العام الجاري، مشيرًا إلى أن الزيادات المقررة طُبقت فقط على نطاق محدود في الوزارات الاتحادية، بينما حرم منها معظم العاملين في الولايات، وهو ما اعتبره “تمييزًا مجحفًا وغير مبرر”. وأضاف أن المعلمين صبروا كثيرًا على ظروف الحرب والانهيار الاقتصادي، دون أن يلمسوا أي تحسن في أوضاعهم المعيشية أو انتظام في صرف الرواتب.
وأوضح أن تجزئة تطبيق الزيادات أو تأجيله محاولة للالتفاف على استحقاقات العاملين، بدلاً من تنفيذه بأثر رجعي كما نص القرار الأصلي. وأشار إلى أن العاملين في الولايات لم يتقاضوا رواتب شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2023، وغاب صرف الرواتب بشكل شبه كامل في عام 2024، ولم يبدأ الانتظام النسبي إلا في بداية 2025. وكشف عن تسريبات تفيد بأن بعض الوزراء يتقاضون ما يصل إلى ملياري جنيه شهريًا، في وقت لا يتجاوز فيه راتب معظم العاملين بالدولة دولارين إلى ثلاثة دولارات يوميًا، ما يضعهم تحت خط الفقر المدقع وفقًا للمعايير الدولية.