في حين يظل الزعماء الأوروبيون منخرطين بعمق في حرب أوكرانيا والتوترات في التحالف عبر الأطلسي، تتزايد التهديدات على أبواب أوروبا. فعلى سبيل المثال الحرب في السودان، والكارثة الإنسانية التي تتكشف هناك، إلى جانب التهديد المتزايد للجماعات الأصولية على أعتاب أوروبا، ليست سوى أمثلة قليلة على أزمات قد تمتد آثارها على نطاق واسع، وتؤثر بشكل خطير على أمن الاتحاد الأوروبي. فضلاً عن التحول في الأحداث في الشرق الأوسط، وهذه التحولات يستغلها بسهولة مَن يحاولون تقويض الاتحاد الأوروبي ومصالحه الأمنية.
ما يحدث على عتبة أوروبا ليس مجرد مشكلة محلية، بل هو تهديد إرهابي وتحالف خطير. حيث إن الصراع في السودان تتجاوز تداعياته المنطقة، فعدم استقرار السودان يُهيئ بيئةً خصبة لتنامي التطرف. وقد أفادت تقارير بوجود خطط لوكلاء إيران بتأثير منها، لإعادة بناء وإحياء قدراتها وأنشطتها في السودان.
وقد يُنذر تحالف محتمل بين طهران وجماعة الإخوان المسلمين بمشاكل كبيرة لأوروبا. فالسودان لم يعد ساحة حرب، بل أصبح ميدانًا لصراع تتنافس فيه قوى إقليمية وأيديولوجيات متطرفة، وهو ما يُشكل خطرًا جسيمًا ليس فقط على المنطقة، بل على الاتحاد الأوروبي ككل.
قد يُعيق الصراع في السودان الممرات البحرية الحيوية، ويُعطّل حركة البضائع بين أوروبا وآسيا، خصوصًا تجارة النفط البحرية العالمية، مما يُعرض أمن الطاقة العالمي للخطر. وقد يجد البحر الأحمر نفسه تحت سيطرة غير مباشرة من إيران، ما قد يُفاقم اضطراب طرق التجارة العالمية وإمدادات الطاقة.
من المشاكل الأخرى التي أفرزها الصراع في السودان، الهجرة غير الشرعية، بالتزامن مع ركود مفاوضات وقف إطلاق النار، وتزداد الأزمة الإنسانية تفاقمًا، ويؤدي فرار الناس من الحرب إلى ارتفاع ضغط الهجرة.
ويمكن ربط الهجرة غير النظامية بأنشطة إجرامية أخرى ومخاطر أمنية، إذ يستخدم المهربون طرق الهجرة لتهريب الأشخاص عبر دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، كانت منطقة غرب البلقان جزءًا من طريق تُهرَّب عبره البضائع إلى أوروبا الغربية
تُشكل منتجات البضائع المُهرّبة خطرًا صحيًا، كما يخسر الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات سنويًا من الأموال العامة بسببها. وتعني زيادة أنشطة التهريب وجود حدود مهددة، بكل تداعياتها على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، من جرائم عابرة للحدود إلى خسائر اقتصادية ومخاطر اجتماعية وصحية.
إن الصراع في السودان، وما يرافقه من انهيار مؤسساتي وأمني، يُعيد تشكيل المشهد في القرن الإفريقي، ويفتح ثغرات واسعة لنفوذ أيديولوجيات متطرفة وتحالفات إقليمية غير مأمونة الجانب، كتقارب محتمل بين طهران وجماعة الإخوان المسلمين. وإذا ما ثبت هذا التقارب، فإن السودان قد يتحول إلى ورقة ضغط نحو أوروبا.
على أوروبا أن تكون واقعية بشأن التهديدات التي تواجهها على حدودها الجنوبية. فمن الحرب إلى الهجرة والتجارة غير المشروعة، يمتلك الاتحاد الأوروبي أدوات دبلوماسية ونفوذًا ماليًا كافيًا لمعالجة هذه القضايا إذا اتُّخذت إجراءات مبكرة.
السودان يُعد بوابة الاتحاد الأوروبي إلى إفريقيا، ويمكن استخدام المساعدات الإنسانية، ودعم المجتمع المدني، وتقديم الحوافز لمحادثات سلام فورية، كأدوات أوروبية فعالة لإنهاء الحرب.
كما يمكن مواجهة الجماعات المتطرفة عبر الاستثمار في بناء مجتمع مدني قوي، وتطوير الأدوات اللازمة لمكافحة التطرف، والاستثمار في الوقاية داخل أوروبا يعني دمجًا أفضل للمجتمعات المهاجرة، إذ تتغذى الأيديولوجيات المتطرفة على مشاعر العزلة والتهميش.
يجب على أوروبا التعاون مع دول المنطقة والولايات المتحدة لمواجهة الخطر المحتمل لجماعة الإخوان المسلمين، أما التجارة غير المشروعة فهي قضية قابلة للمعالجة عبر تعزيز حماية الحدود الأوروبية، إلى جانب الإجراءات التنظيمية التي تتخذها كل دولة عضو.
يصبح السودان أكثر من مجرد ساحة صراع؛ إنه واجهة مفتوحة لصراع جيوسياسي وأيديولوجي قد يتجاوز نطاقه الإقليمي بسهولة. ومع استنزاف القوى الأوروبية في شرق أوروبا، تفتقر السياسة الأوروبية إلى رؤية متماسكة تجاه الجنوب، رغم أن تداعياته بدأت تتسلل إلى الداخل الأوروبي عبر بوابات الهجرة غير النظامية والتهريب العابر للحدود، وتغذية شبكات التطرف التي تجد في الفوضى أرضًا خصبة للتجنيد.
تتطور الأمور بسرعة كبيرة في السودان ومع وجود حرب مستعرة في الجوار، وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وتراجع الثقة مع الولايات المتحدة، فإن أي فشل في التعامل مع الأزمات في الجوار المباشر لأوروبا قد يُنذر في المستقبل القريب إلى مرحلة حرجة، فإما أن يتحرك الاتحاد الأوروبي بفاعلية، مستخدمًا أدواته الدبلوماسية والمالية لتطويق الأزمات قبل أن تنفجر داخل حدوده، أو أن يواجه موجة من التهديدات المتداخلة، من انقطاع سلاسل التوريد، إلى تصاعد التطرف، واهتزاز الأمن الداخلي.
المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات