عثمان يس ود السيمت
لقد صادفني مقال عدة مرات في مواقع مختلفة. بل أذكر أنه قبل عدة شهور طالعت تسجيلا لرجل بدين ملتحي فاتح اللون يتجول في (جزء من شارع) في الخرطوم وهو يردد ما جاء في هذا المقال بالحرف. نفس العبارات المستفزة (انتو عايزين الجيش يفرش ليكم بيوتكم بالملايات) ويتكلم بما لا يرى ويصف لنا أشياء بالشارع غير موجودة.
لا يهم يا كاتب المقال. أنت تريد من النازحين العودة، حسنا العودة لابد منها ولكن من حقنا أن نتساءل كما تتساءل انت عن فرش العناقريب بالملايات. وارجو أن تصبر على قراءة مقالي هذا كما صبرت على مقالك.
1. أول شي لماذا نزح الناس؟ أليس لفقدان الأمن، وتبع ذلك فقدان الأرواح وكافة ما يملكون (بالشفشفة المشتركة)، واحتلال بيوتهم بواسطة مليشيا من صنع (جيشنا وتنظيمنا الحاكم)، وعندما غادروا البيوت أخذوا حتى الشبابيك والسقف وما عجزوا عن أخذه تركوه غنيمة (للمرحلة الثانية) من الشفشفة بالدردوقات والدفارات بواسطة اللابسين ميري. اخبرني قريبي لم ينزح أنه قامت أسواق للعفش المشفشف أشهرها في أم درمان والحاج يوسف شمال. قال لي وهو يضحك :تجولت بالسوق فرأيت شابا (يفرش أجهزة طبية زي بتاعتك) سألته عن جهاز الضغط (البتاع ده شنو) فقال لي ما عارفو لكن لو دايرو بديك ليهو ب 10 ومعاهو واحد تاني. ويقسم لي احدهم أنه يعرف شخصا اشترى من سوق آخر ماكينة غسيل كلى ومعاها الكرسي بتاعها.
واتصلت على قريب آخر وسألته كيف وجدت بيتك. قال لي والله (عدموني التكتح) والما قدروا شالوا كسروه مضرة، حتى عدة المرة (دهجوها). وقال لي سألني أخي النازح في القاهرة عن بيته فقلت له (ما فضلك بيت) حتى الحيطان كسروهم والسقف شالوهوا بالدفار على عينك يا تاجر. (لو داير ترجع دبر ليك قروش ابني ليك عوضة وبرندة). قال لي قريبي هذا (والله هسي قاعد عطشان ريقي ناشف وبرميل الموية ب 6 الف وما نضيفة، ولينا شهور ما في زول استحمى في البيت). والكهربا عدم والليل مخيف ولا لمبة في الحلة كلها مولعة (الحلة دي في العاصمة).
الآن يقولون الأمن عاد والأخبار تبشر بعودة عصابات السلب والنهب. هذه الحال يعرفها جميع من هم في السودان ومن يتصلون بقرائبهم بالسودان.
2. العودة ليست عودة موية وكهرباء وأمن. العودة يجب أن تكون عودة (حكومة). النازح لن يعود كما تعود القماري لعشها وفراخها. العودة هي العودة للعمل للعاملين بالخدمة المدنية، والحكومة في بورتسودان ومكاتب ووزارات الخرطوم مدمرة ومدهوجة دهج. والقطاعات شبه الحكومية حدث ولا حرج واقرب مثال البنوك اين هي؟ ثم القطاع الخاص فالمنطقة الصناعية بحري والخرطوم وأم درمان وغالبية المصانع حتى خارج الخرطوم طالها التخريب وما مشروع الجزيرة إلا مأساة ناطقة. والمصفاة في الجيلي وتوابعها من المؤسسات. أنا أوردت كل ذلك لأسأل كيف وأين سيجد (العائد) قوت يومه ويكسب رزقه، والانتاج حلقات متداخلة تعتمد فيها حافلات النقل (والعاملين فيها ومن يقوم باصلاحها) على حركة العمال للعمل والموظفين لمكاتبهم وحلقة أخرى فيها الأسواق ثم المحلات التجارية والخدمية كافة.
3. هناك قطاعات عودتها تتطلب أموالا وجهدا (حكوميا من حكومة مقبولة محليا ودوليا) مثل إعادة تأهيل قطاعات الصحة والتعليم التي تم تدميرها باحترافية. وقطاعات أخرى لا ينفع لعودتها إلا تدبير مليارات الدولارات مثل قطاع الكهرباء والمياه وشبكات الري والآلات الزراعية، والمهم (استعادة القوى العاملة التي كانت تسيرها). فهل تم تدبير ذلك يا بتاعين فرش الملايات.
4. لا اريد أن استرسل قبل أن اضع مقترحات للحلول كما اراها أنا. لكن من الضروري الرد على من باتوا يقارنون بين (صمود الشعب الألماني في الحرب العالمية الثانية) وعدم صمود (ونزوح) الشعب السوداني. كأن الله لم يعط هؤلاء بصيرة. لكني أورد أسباب صمود الشعب الألماني وعكسها تماما اسباب نزوح الشعب السوداني:
صمد الألمان خلف حكومة يؤيدونها وانتخبوها بطريقة ديموقراطية، نعم وكانت هي حكومة هتلر.
صمدوا ومن أمامهم جيش وطني يدافع عنهم حتى وإن كان الجيش النازي.
صمدوا وآلتهم الصناعية تعمل بكامل قوتها مصانعها ومزارعها والجهاز الحكومي والخدمي بل إن مرسيديس طورت أكثر من موديل خلال الحرب ومصانع كروب انتجت أفضل الشاحنات واستفاد منها الجيش، حتى صناعات الرفاهية استمرت بالانتاج فقد طورت إحدى المصانع ماكينة الحلاقة للشكل الذي نراه اليوم.
لم تتعطل الخدمات مثل الصحة والتعليم والماء والكهرباء وصحة البيئة بل تم تدعيمها.
لم ينزح الألماني لأنه كان ينزل لملاجئ فيها كل أسباب المعيشة.
ولم ينزح لأن صافرات الإنذار كانت تحذره خوفا على حياته.
ولأنه بعد الغارة يجد الدفاع المدني والاسعافات وصلت لموقع الغارة قبل اطلاق صافرات الأمان.
لم ينزح الألماني لأن المانيا لم تشهد (فجوة تموينية) خلال الحرب وما نقص كان نقصا عادلا يشمل الجميع.
الآن اترك لك الفرصة لتاخد نفس وتقارن لتقول لي لماذا نزح السوداني.
5. حيث أن الألماني لم ينزح فلا مجال للحديث عن (العودة الطوعية) ولكن الحديث والمقارنة التي ما فتئوا يبثونها هذه الأيام عن (تضحية الشعب الألماني) بعد الحرب وتمسكه بأرضه (ياجماعة مرة أخرى الألماني ما نزح) أما عن إعادة الإعمار في ألمانيا وبناء كل شيء من جديد فاقول:
أين الحكومة التي يصطف خلفها الشعب السوداني.
أين الأمن الذي وفره الحلفاء.
أين مشروع مارشال.
أين (انتفاء الغبن) فالجيش الألماني لم يقتل ألمانيا واحدا ما لم يرتكب خيانة التجسس وذلك بعد محاكمة. يللا اقلب الصفحة وعاين للسودان.
المانيا بدخول الحلفاء تم تفكيك جيشها وبرضو اقلب الصفحة وعاين للسودان.
عادت الديموقراطية للشعب الألماني ولم يخرج عليهم جنرالا مهووسا رأى حبوبته في المنام بتقول ليهو (يا ريس).
النقطة الأخيرة لأنها موجعة تركتها للآخر، الا وهي النزاهة ووجود مجتمع (صفر فساد) من أقل وظيفة للمستشار وظل ذلك ديدنهم حتى ميركل ومن جاء بعدها. فميركيل (رئيسة الدولة) لديها ثلاث جاكتات تغير بينها. وهيلموت كول الذي وحد ألمانيا (يعني لو واحد عندنا وحد الشمال والجنوب حنبني ليهو قبة) لكن كول حوكم واستجوب لأنهم اتهموا حزبه بتلقي دعما لا يتجاوز 20 الف مارك من جهة دون الاعلان عنها. وكانت النتيجةة تحقيقا برلمانيا واستقالة كول من رئاسة حزبه. هكذا تبنى الدول.
أيضا استكمالا لهذه النقطة، في المانيا وصلت العدالة الاجتماعية مستوى (محير) ففي الوقت الذي تدعم فيه المانيا اللاجئين لم تقدم (حزمة دعم) لألمانيا الشرقية فوق نصيبها الأساسي (بداعي التهميش ومناطق النزاع وغيره) وتركتها تبني نفسها ولم تعط وزارة المالية لجبرينهم ووزارة المعادن لأردولهم وكمان ما عملوا سلام جوبا (عشان يتقاسموا الفيها النصيب) عشان الألمان ما بفهموا حاجة.
مقترحاتي للحل:
1. جلوس طرفي (واطراف الحرب) فورا ودون تأخير وبدون وسيط لإعلان إيقاف الحرب وأن يلتزمو بذلك (مش عايزين تكونوا زي ألمانيا.)
2. اعلان خروج الجيش وجميع من يحمل السلاح خارج المدن والتجمعات السكانية بكامل اسلحتهم.
3. اعلان قبولهم بعودة الوضع السياسي بالبلد ليوم 24 اكتوبر 2021 قبل الانقلاب وعودة الحكومة المدنية (قبل استقالة حمدوك). وذلك لطمأنة الشعب ولطمأنة المجتمع الدولي بوجود حكومة مؤهلة وموثوق بها.
4. تأجيل الانتقال السياسي لما بعد (الاستقرار) وهذا يعني أن تكون حكومة حمدوك حكومة طوارئ غير موقوتة بزمن محدد ويترك لها المجال لاعادة الإعمار.
5. يؤجل موضوع العدالة والمحاكمات لحين اصلاح الجهاز القضائي.
6. تفتح الحكومة صناديق إعمار بالأسهم لجميع السودانيين بالخارج والداخل مثل (صندوق الصحة وصندوق التعليم)
7. يعاد هيكلة البنك الصناعي والبنك الزراعي والبنك العقاري وترفد بما تتحصل عليه الحكومة من عون أجنبي ليقوم كل بنك بالإعمار فيما يليه من نشاط بنظام القروض.
8. ينشا صندوق (fund) يقوم فقط باصلاح البنية التحتية مثل الطرق والجسور والماء والكهرباء ويحصل عوائد الخدمات مع ضريبة اضافية تساعد على رد التكلفة.
9. لن يستقيم الأمر في النهاية إلا بتقليص وهيكلة الجيش. وبزيادة وتدعيم الشرطة ومدها بالوسائل المديثة بما فيها الأقمار الصناعية وقفل حدود السودان تماما بشبكات مراقبة فضائيا لمنع وضبط التهريب الاقتصادي، وتهريب السلاح والبشر والتمكن من بسط الأمن.
لو فعلنا ذلك نكون قد انهضنا بلادنا من غرفة العناية الفائقة واجلسناها في الكرسي المدولب لتدفعا حكومة مدنية تحرسها شرطة مهنية (جديدة) وجيش (وطني). وفوق ذلك تحرسها قوة إيمان وعقيدة هذا الشعب ثم وطنيته ثم (حرية سلام وعدالة).
عثمان يس ود السيمت
الأربعاء 9 يوليو 2025
[email protected]