آخر الأخبار

الجيش السوداني ينقاد إلى فخ الترضيات في تشكيل الحكومة الجديدة

شارك

تحولت الحكومة التي أعلن الجيش السوداني عن تشكيلها برئاسة كامل إدريس، من أداة يمكن توظيفها لإضفاء شرعية في الداخل والخارج إلى مأزق سياسي وعسكري يصعب الخروج منه، في ظل إصرار حركات دارفور المسلحة على التمسك بحصتها في الحكومة الجديدة.

ورغم الإعلان عن تشكيل حكومة تكنوقراط تحركت مسارات اتفاق جوبا للسلام بحثا عن محاصصات، ومن أجل الضغط لتحقيق مكاسب والاستفادة من هشاشة الوضع القائم.

وتقدمت ثلاث قوى سياسية وحركات مسلحة محسوبة على مساري الشمال والوسط في اتفاق جوبا للسلام بمذكرة إلى رئيس لجنة الوساطة الجنوبية وطالبت باستدعائها لحسم الجدل حول الحقوق والواجبات في بنود اتفاق السلام الموقع عام 2020.

وارتكزت المذكرة على أن الاتفاق ينص بوضوح على مبدأ الشراكة في السلطة، عبر تخصيص تمثيل لثلاثة من أطراف العملية السلمية في مجلس السيادة، ومشاركة بنسبة 25 في المئة في مجلس الوزراء.

ورغم أن الجدول الزمني لتنفيذ الاتفاق تجاوزته الحرب، وقبلها الانقلاب العسكري على السلطة المدنية، لا تزال حركات دارفور تستند إلى الاتفاق وتضغط باتجاه الحفاظ على مناصبها في الوزارات الإيرادية التي تضمن لها القدرة على تمويل قدراتها العسكرية التي توظفها لصالح القتال بجانب الجيش عبر القوات المشتركة، وإذا أصرت على رأيها فهي بذلك تدحض حديث رئيس الوزراء كامل إدريس بشأن كونه يسعى لتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدا عن المحاصصات السياسية.

وقبل اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 شغل رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم منصب وزير المالية، بينما يشغل رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي منصب حاكم دارفور، مع احتفاظ حركته بمنصب وزير المعادن، ممثلاً ببشير أبونمو، أحد أبرز قياديي حركة مناوي.

وظهر مأزق الجيش ومعه كامل إدريس في أن الأخير لجأ إلى نظام تعيين الوزراء بالقطعة دون أن يتمكن من الإعلان عن حكومته بعد نحو شهر ونصف الشهر من تعيينه في منصب رئيس الوزراء، إذ قرر أولا تسمية الوزراء الذين يعينهم الجيش ممثلين في الدفاع والداخلية قبل أن يُعلن تعيين وزراء تكنوقراط، كانوا محسوبين سياسيا على حزب المؤتمر الوطني المنحل، في وزارات التعليم العالي والزراعة والصحة، ليصبح عدد الوزراء المعينين حتى يوم الاثنين 5 وزراء، من ضمن 22 حقيبة وزارية.

وليس بمقدور الجيش أن يخسر بسهولة تحالفه مع الحركات المسلحة التي تشكل القوات المشتركة وتتواجد عسكريا في مناطق عديدة آمنة في دارفور، وإذا فقد التحالف زخمه سيكون عرضة لحدوث انقلاب عسكري يطيح بالجيش من السلطة.

وحال تمت تسوية الأزمة الراهنة والاعتماد على سياسة تسكين الحركات والاستجابة لمطالبها، فإن الجيش السوداني سيواجه اعتراضات من القوى السياسية داخل الكتلة الديمقراطية المنشقة عن تحالف الحرية والتغيير والتي تتحالف معه ولم تعترض على مسألة تشكيل حكومة تكنوقراط.

ويواجه الجيش اعتراضات مماثلة من جانب باقي مسارات اتفاق جوبا ومجموعات قبلية مسلحة يتحالف معها، في مقدمتها قوات درع السودان التي تتواجد في ولاية الجزيرة (وسط السودان) بقيادة أبوعاقلة كيكل، وسيكون مضطرا للوصول إلى ترضيات مع باقي المكونات ليضع أساس تشكيل الحكومة، التي يهدف من خلالها إلى إقناع الرأي العام الدولي بأن هناك حكومة مدنية متوافقا عليها بدلا من تلك التي جرى الانقلاب عليها، ما يدعم مسألة إعادة مقعد السودان في الاتحاد الأفريقي.

وقال المحلل السياسي السوداني محمد أحمد مختار إن الغرض الأساسي من تشكيل حكومة جديدة هو التأكيد على وجود وضعية مختلفة في السودان، بعيدا عن حكومة الحرب، وأن هناك سلطة تنفيذية لها صلاحيات واسعة جرى منحها لرئيس الوزراء عند تعيينه، لكن ذلك تحطم على صخرة اختيار الوزراء، وجرى منح كامل إدريس هذه الصلاحيات دون الرجوع إلى التوازنات السابقة، وفوجئ بالتزامات وتوازنات عسكرية موجودة على الأرض، لا بد أن يراعيها، ما قاد إلى حالة الارتباك السائدة.

من المتوقع أن يكون السودان حائرا بين حكومتين، إحداهما مقرها في بورتسودان، والثانية مقرها في دارفور

وأكد مختار في تصريح لـ”العرب” أن الحركات المسلحة تضغط وفقا لما ترتكز عليه من وزن عسكري على الأرض، كما أن الجيش الذي شكل حكومة تؤيد انقلابه لم يراع أنه أمام تغير كبير مع تشكيله تحالفا واسعا مع قوى مختلفة تشارك معه في الحرب، ومن الصعب تجاوزها، والحل الأقرب هو التوصل إلى تسوية مع الحركات المسلحة والمجموعات الإسلامية والقبلية، غير أن ذلك قد يضرب مصداقية الحكومة ويكتب نهايتها مبكرا.

وأشار إلى أن تعيين الوزراء بالقطعة يبرهن على وجود محاصصات، وأن كل طرف يقدم الأسماء التي لديه قبل إعلان تشكيلها بشكل يخفف الضغوط الواقعة على رئيس الوزراء، مقللا من إمكانية حدوث انشقاق في صفوف معسكر الجيش مع استمرار الحرب، وتثبت هذه التجربة صعوبة تشكيل حكومة مدنية دون أن يكون ذلك برضاء شعبي كبير، وفي ظل استمرار الحرب.

وأصدر عبدالفتاح البرهان في 19 مايو الماضي مرسوماً عيّن بموجبه الموظف الأممي السابق كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، وأدى اليمين الدستورية في الحادي والثلاثين من الشهر ذاته.

وشغل إدريس من قبل منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو)، والأمين العام للاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة (أوبوف).

ويقول مراقبون إن مواصفات الحكومة المدنية تغيب عن التي يجري تشكيلها حاليا، لأنها من المفترض أن تأتي باختيار المواطنين وليس الجيش، وأن الاختلالات التي يعانيها النظام السياسي في السودان يستحيل معها الوصول إلى توافق بشأن تشكيل حكومة لها صلاحيات كاملة للقيام بدورها، ما يجعلنا أمام حكومة مدنية تحقق أهدافا عسكرية.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن عدم صدور بيانات أو مواقف سياسية من رئيس الحكومة الجديدة بشأن وقف الحرب يعزلها عن محيطها الشعبي، وسط توافق من المواطنين على ضرورة إنهاء الصراع القائم، ما يشي بأن رئيس الوزراء يريد إرضاء قائد الجيش والمتحالفين معه، وليس إرضاء المواطنين.

ويبرهن تصاعد الخلافات على أن السودان ذاهب نحو وضع أسوأ مما كان عليه قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة، وهو ما كشفت عنه هشاشة تحالف الجيش، والتي منحت تحالف “تأسيس” الذي تقوده قوات الدعم السريع حافزا للذهاب نحو تشكيل حكومة موازية، ومن المتوقع أن يكون السودان حائرا بين حكومتين، إحداهما مقرها في بورتسودان، والثانية مقرها في دارفور.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا