منذ أول يونيو (حزيران) 2023، والمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في عدد من ولايات دارفور وأقاليم كردفان موصدة الأبواب بسبب اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، مما جعل آلاف الطلاب يعيشون حالاً من اليأس والقلق على صعيد مستقبلهم الدراسي.
بينما يتوجه الأطفال في المدن السودانية الآمنة صبيحة كل يوم إلى مدارسهم، يتعرض أقرانهم في مناطق النزاع المسلح للحرمان من التعليم والقتل والعنف الجنسي وفقدان الأهل، وكذلك يتم الزج ببعضهم كمقاتلين في المعارك المشتعلة على الجبهات المختلفة، إذ تحول التعليم في هذه المناطق من حق إلى حلم بعيد المنال، بعدما بات مستقبل التلاميذ والطلاب الدراسي في مهب الريح، يكتبون أحلامهم على أطراف مراكز الإيواء بانتظار عودة الأمن والحياة.
منذ أول يونيو (حزيران) 2023، والمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في عدد من ولايات دارفور وأقاليم كردفان موصدة الأبواب بسبب اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، مما جعل آلاف الطلاب يعيشون حالاً من اليأس والقلق على صعيد مستقبلهم الدراسي.
نزوح متواصل
إلى ذلك أسهم تمدد رقعة الحرب إلى مدن ومناطق عدة في تزايد موجات النزوح من النهود والخوي والفولة وأبوزبد بغرب كردفان، وكذلك الدبيبات والحمادي وكازقيل من جنوب كردفان، مما أثار المخاوف من كارثة تسرب آلاف التلاميذ والطلاب وتفشي الأمية.
وفي هذا الصدد، قال المتخصص التربوي مأمون بشير، إن “توقف المدارس منذ أكثر من عامين في مناطق النزاع المسلح أثر في الطلاب بصورة كبيرة، إذ يعانون فقدان أكثر من نصف تعليمهم بسبب استمرار الصراع، ويواجهون أيامهم بمشاعر قاتمة ونفسيات سيئة للغاية”.
وأضاف “تلاميذ الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية تأثروا بصورة كبيرة بتوقف الدراسة، بخاصة الصفان الأول والثاني، وإذا لم تتم معالجة الخلل، وهذا أمر غير موضوع في مخيلة القائمين على الأمر في كل المستويات بدءاً من الوزارة الاتحادية وحتى إدارات المدارس، فسيكون مصير هؤلاء التلاميذ الفشل، نظراً إلى أن هذه الأعوام هي الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه العملية التعليمية مستقبلاً”.
وأوضح بشير أن “تصاعد المعارك في غرب وجنوب كردفان أدى إلى نزوح مئات الآلاف من المواطنين، لذا فقد الطلاب فرص التعليم، وكذلك صعوبة التحاقهم بمدارس أخرى في المناطق التي نزحوا إليها، خصوصاً من اضطروا إلى أن يلجأوا للعيش في مراكز الإيواء البعيدة من المدن”.
ونوه بأن “الموجودين في المدن يعانون أزمات عدة تحول دون إلحاق الأطفال بالمدارس، لا سيما بعد نفاد مدخراتهم المالية وتوقف أعمالهم اليومية”.
فقدان الرغبة
الطالب في المرحلة الثانوية أمجد السيد، يقول إن الحرب عطلت الدراسة في مرحلتي الأساسي والثانوي بمنطقة الدبيبات بولاية جنوب كردفان منذ أكثر من عامين، وجاءت الطامة الكبرى في مايو (أيار) الماضي بعد التهجير القسري لسكان المنطقة من قبل قوات “الدعم السريع”، ومن ثم بات مصير آلاف من الطلاب مجهولاً. وأضاف “بالتأكيد أن انقطاع الدراسة أعواماً طويلة بسبب طول أمد الصراع المسلح قتل في داخلي الرغبة في مواصلة التعليم، فما زلت معلقاً في الصف الأول الثانوي قرابة ثلاثة أعوام، مما جعلني أفكر جدياً في ترك الدراسة نهائياً، إذ لا أرغب في إضاعة مزيد من الوقت”.
وأوضح السيد أن “ظروف أسرته المادية تحول دون التحاقه بالمدارس في مدن السودان الآمنة، لذا سيضطر إلى الانتظام في سوق العمل من أجل توفير لقمة العيش لعائلته”.
تفشي الأمية
على الصعيد نفسه، اعتبر عضو لجنة المعلمين السودانيين عبدالرحمن حامد، أن “التعليم في مناطق النزاع النشطة يمر بأسوأ أزمة في تاريخه طاولت كل محاور العملية التعليمية، بدءاً من التلميذ والطالب في مرحلتي الأساسي والثانوي، إذ ظل الآلاف بعيدين من حجرات الدراسة أكثر من عامين، وهذا واقع يلقى بظلاله عليهم، ويسهم في ارتدادهم إلى الأمية”.
وأشار إلى أن “أزمة تراكم الدفعات طاولت أكثر من مليوني طالب، علاوة على تأثير الغياب الطويل عن المدارس مما يقود إلى تزايد معدلات التسرب نتيجة لتوقف الدراسة”.
ولفت حامد إلى أنه “على رغم الأوضاع الإنسانية المعقدة التي يعيشها النازحون الفارون من ويلات الحرب فإن حل الأزمة يتمثل في فتح مدارس الطوارئ بمراكز الإيواء والخيام الموقتة لتوفير التعليم للأطفال”.
واقترح عضو لجنة المعلمين السودانيين أن يشرف على الدراسة المعلمون النازحون من مختلف التخصصات، وتُقسم أيام الأسبوع مناصفة بين الأبناء والبنات.
كارثة التسرب
على صعيد متصل أشار المتخصص التربوي أبو عبيدة مسعود إلى أن “ظاهرة العزوف عن الدراسة ارتفعت بصورة غير مسبوقة في مناطق النزاع المسلح، بخاصة ولايات كردفان ودارفور والنيل الأزرق، ونتيجة تعطل العملية التعليمية أكثر من عامين اتجه مئات الأطفال للعمل في الأسواق ومناطق التعدين”.
ونبه إلى “الأخطار الأكاديمية والنفسية نتيجة ترك الدراسة فترة طويلة بسبب طول أمد الحرب، فضلاً عن إمكان اكتساب الأطفال صفات لا تليق بأعمارهم نظراً إلى عملهم في الشوارع لساعات متأخرة، وبعضهم قد يتعاطى المخدرات، ويتعرض آخرون للتحرش الجنسي واللفظي”.
ولفت المتخصص التربوي إلى أن “معالجة مشكلة تسرب أطفال مناطق النزاع السوداني من المدارس تتطلب تصميم برنامج قصير وطويل المدى يكون أساسه الوعي المجتمعي بصورة تدرجية حتى يصل جميع سكان تلك المناطق إلى قناعة تامة بأن التعليم لا مفر منه، وهو ما يضمن مستقبل أبنائهم ويجعلهم أسوياء في الحياة”.
أخطار وأزمات
وفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن الصراع الدائر في السودان أدى إلى نزوح 3 ملايين ونصف المليون طفل باتوا بلا مأوى، وكثير منهم فقدوا أسرهم جراء الحرب التي خلفت أكبر أزمة للأطفال في العالم، مؤكدة أن الخطر لا يزال يحيط بنحو 24 مليون طفل سوداني بسبب الكارثة الإنسانية ذات الأبعاد الملحمية.
وتوضح مديرة برامج الطوارئ في (يونيسيف) لوشيا إلمي، أن “أكثر من 16 مليون طفل في السودان في حاجة ماسة إلى المساعدة، وتواجه الفتيات أخطاراً جسيمة بما فيها العنف الجنسي والاتجار والزواج القسري، وهناك حاجة إلى إجراءات عاجلة لحماية الأطفال”.