وسط الصراع المستمرّ في السودان الذي أدّى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة ولا حدود لها، أجرى آلاف من تلاميذ السودان امتحانات شهادة الثانوية العامة في بلادهم التي تمزّقها الحرب، هذا الأسبوع، وكذلك في مصر المجاورة وفي مناطق حدودية لجأ إليها الفارون من القتال الدامي. وأكدت وزارة التعليم السودانية أن نحو 200 ألف تلميذ سُجّلوا لدورة هذا الأسبوع التي جرت بعد تأجيل متكرّر في نحو ألفَي مركز، من بينها 50 مركزاً في خارج البلاد.
بعدما غادرت سلمى الخرطوم مع عائلتها قبل نحو عامَين، حضرت لتقديم امتحاناتها في مدرسة الأورمان الثانوية بالقاهرة، علماً أنّ ذلك أتى قبل أسابيع قليلة من انتهاء دراستها الثانوية. وأملت اللاجئة السودانية، البالغة من العمر 19 عاماً، باستئناف حياتها التي توقّفت منذ فرارها من البلاد. وقالت لوكالة فرانس برس: “لطالما رغبت في أن أصبح طبيبة”.
من جهتها، رافقت عائشة عثمان، أمّ لأربعة أطفال، إحدى بناتها إلى مدرسة الأورمان الثانوية بالعاصمة المصرية حتى تُجري امتحاناتها. قالت لوكالة فرانس برس إنّ “التلاميذ يائسون. ظنّوا أنّ مستقبلهم دُمّرَ”، مضيفةً أنّ “هذا كلّ ما كنّا نفكّر فيه، نحن الأهالي، على مدى عامّين”. يُذكر أنّ أكثر من سبعة ملايين طفل في السودان نزحوا مرّات عديدة، منذ أكثر من عامَين، إذ اضطرّت عائلاتهم إلى الفرار بسبب الحرب.
ومنذ بداية الحرب في السودان التي اندلعت في منتصف إبريل/ نيسان 2023، أعربت الأمم المتحدة مراراً عن قلقها إزاء “جيل ضائع”، بسبب الصراع الدامي على السلطة الذي خلّف آلاف القتلى وشرّد الملايين. ووفقاً للأمم المتحدة، لم يحصل جميع أطفال السودان تقريباً ممّن هم في سنّ الدراسة، والبالغ عددهم 19 مليون طفل، على تعليم رسمي منذ بدء النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأفادت منظمة “بلان إنترناشونال” غير الحكومية بأنّ “كثيرين (من تلاميذ السودان) لن يتمكّنوا من الوصول إلى الامتحانات، على الرغم من جهودهم للدراسة في ظلّ ظروف صعبة”. وأشادت المنظمة، في بيان، بالتزام معلّمين متطوّعين الحؤول دون “حرمان الأطفال التعليم”.
وفي خلال هذا الأسبوع، أُقيمت الامتحانات في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، مثل الخرطوم والجزيرة وسنار وبورتسودان. وقال حاتم دفع الله، تلميذ في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية في بورتسودان، لوكالة فرانس برس: “نحن متحمّسون، لا نشعر بالتوتّر. فالأمور هادئة أخيراً”.
تجدر الإشارة إلى أنّ بورتسودان، التي صارت العاصمة المؤقتة للبلاد في الأشهر الأخيرة، تعرّضت لسلسلة غارات جوية بطائرات مسيّرة في مايو/ أيار الماضي قبل أن تهدأ الأوضاع. لكنّ القتال مستمرّ بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في مناطق عدّة من البلاد، الأمر الذي يؤدّي إلى تفاقم ما وصفته الأمم المتحدة بـ”أسوأ أزمة إنسانية” في الوقت الراهن.
(فرانس برس، العربي الجديد)