مداميك : سمية المطبعجي
مدى المخاوف والمخاطر الاستراتيجية والجيوسياسية التي شكلها استيلاء قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي ، باتت واضحة بزيارة الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني لمصر الإثنين من الأسبوع الجاري، بالتزامن مع وجود قائد الجيش الليبي خليفة حفتر بالقاهرة. في مشهد يؤكد أن الموقف بات أكثر تعقيداً بالنظر إلى شبكة التحالفات التي تشكلت في ظل الصراعات في المنطقة . خاصة وأن مصر التي تساند موقف الجيش السوداني تحتفظ بعلاقات جيدة مع القائد خليفة حفتر المدعوم من دولة الإمارات التي تدعم بدورها قوات الدعم السريع.
وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت في الحادي عشر من الشهر الماضي سيطرتها على المثلث الحدودي الذي يقع بين السودان وليبيا ومصر . فيما اتهم الجيش السوداني، الذي أعلن انسحابه من المنطقة لأسباب تكتيكية، قوات (سبل السلام) التابعة للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر بشن هجوم على مواقع حدودية سودانية، ومساندة قوات الدعم السريع بالإستيلاء على المنطقة، فيما نفى الجيش الليبي الاتهام واعتبره محاولة من الحكومة السودانية تصدير أزماتها الداخلية بخلق عدو خارجي افتراضي .
مخاطر على الأمن المصري ومخاوف تمدد الصراع في السودان
مراقبون ومحللون مصريون كانوا قد أبدوا مخاوفهم من الأوضاع على المثلث الحدودي والسيطرة عليه من قبل الدعم السريع، واصفين ما يجري بأنه ينذر بمخاطر كبيرة وتمدد الحرب إلى دول الجوار، وأنه يشكل دون شك قلقاً لمصر لما يمثله من تهديد لأمنها القومي. ويزيد من ترقب تلك المخاطر التي باتت محدقة بالجارة مصر، وجود دولة الإمارات على حدودها ممثلة في قوات الدعم السريع، والذي يصدر تهديدات متكررة بمهاجمة الولايات الشمالية الواقعة على حدودها. فما يتشكل من تداعيات برزت حتى لدى المواطنين بالولاية الشمالية لابد أن ينذر بمخاطر ستنشأ على حدودها. فقد حذر أبناء الولاية الشمالية في بيان موجه للحكومة والأجهزة الأمنية من انهيار أمني وشيك، مع اقتراب الدعم السريع من الولاية بعد احتلالها للمثلث ومنطقة (كرب التوم) التي تبعد 500 كيلومتر من الولاية، وبرزت المخاوف من إعادة تموضع الدعم السريع وانتشاره في الصحراء المتاخمة للولاية تأهباً للإنقضاض على الولاية. فيما أعلن رئيس ما يسمى بكيان الشمال موافقة اريتريا على تدريب نحو 150 الفاً من الولاية الشمالية ونهر النيل، تبدأ بـ 3 آلاف شخص، لحماية ولايات الشمال.
الصحفي الكاتب والمحلل السياسي الطاهر المعتصم قال لـ (مداميك): رغم أن الزيارة لم يصدر عنها مناقشات لكن دون شك أنها تناقش الوضع في السودان وأن المثلث الحدودي ضمن الأجندة. وأضاف أن مصر بذلت جهوداً منذ بداية الحرب، فمن المؤكد ان جهودها لإنهاء الأزمة في السودان مستمرة. وقال “المثلث صنع واقعاً جديداً يحتم على دول الجوار المشتركة اتخاذ حلول عاجلة لنزع فتيل الأزمة، إذا قرأنا ذلك مع الهجوم الذي تم فجر الثلاثاء على مروي وبعض المناطق الشمالية .. المسيرات تعصف بالجهود الرامية لوقف الأزمة”.
بيان صادر عن الرئاسة المصرية، كان معمماً دون تفصيل، تضمن أن لقاء السيسي – البرهان، تناول تطورات الأوضاع في السودان والمستجدات الميدانية والأوضاع الإقليمية.. والتأكيد على تطابق الرؤى إزاء الأولويات المتعلقة بالأمن القومي . الصحفي والكاتب السياسي النور أحمد النور أكد أن المثلث الحدودي كان الملف الأول الذي ناقشه الرئيس المصري السيسي مع قائد الجيش البرهان، وأشار إلى أن الزيارة غير المرتب لها، تزامنت مع ساعات قليلة من لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي باللواء حفتر، ما يعكس حرص القيادة المصرية على متابعة هذا الملف الاستراتيجي بدقة، فيما يأتي ثانياً ملف التحركات الإقليمية والدولية المتعلقة بوقف الحرب في السودان.
تطورات ميدانية مقلقة
زحف متسارع قامت به قوات الدعم السريع عقب إستيلائها على المثلث، فبعد أسبوع فقط أعلنت سيطرتها على منطقة الواحات الحدودية، كما اقتحمت معسكر (كرب التوم) الذي يقع على بعد 500 كيلومتر من دنقلا عاصمة الولاية الشمالية ، واستولت على زخائر ومعدات عسكرية .
(مجموعة الأزمات الدولية) أشارت إلى زيادة حركة الطيران نحو منطقة الكفرة الجنوبية الشرقية في ليبيا الحدودية مع السودان، والتي يزعم أنها قادمة من دولة الامارات . مما يشير إلى أن الدعم الإماراتي يعاد توجيهه إلى تلك المنطقة ، بعد تكاثف التقارير التي تتهم الامارات بالأدلة بدعم قوات الدعم السريع عبر دولة تشاد من مطار (ام جرس) . كما أكدت مصادر عسكرية ،حسب موقع (ميدل إيست مونيتور) أن الدعم السريع تلقت شحنة من الأسلحة عبر المثلث الحدودي نقلتها جماعات ليبية ، ومن ثم تم نقل تلك الشحنة إلى دارفور . وشملت الشحنة أنظمة مضادة للطائرات، أجهزة تشويش، وصواريخ قادرة على إعتراض الطائرات بدون طيار . د. أماني الطويل الخبيرة في الشأن الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات قالت : ” هناك معلومات تشير إلى أن حجم التسليح قد ازداد في المناطق المتاخمة لدارفور ” .
ويؤكد مراقبون أن استيلاء الدعم السريع على المثلث الحدودي يعني قطع أحد الخطوط الأساسية لإمداد الوقود للجيش والقوات المشتركة التي تغطي المناطق الشمالية والغربية ، الأمر الذي يزيد المخاوف من الحد من قدرة قوات الجيش والقوات المشتركة من التصدي لمحاولات الهجوم إن وقعت على الولايات الشمالية .
يقع المثلث الحدودي بجبل عوينات على ارتفاع 2000 متر بمساحة 1500 كيلومتر ، في منطقة صحراوية يسكنها حوالي 5 آلاف شخص يعمل غالبيتهم بالتعدين والتجارة . ويحتوى المثلث على معادن أهمها الذهب الذي يستخرج ويتم تسويقه بمنطقة المثلث الذي يعد معبراً للإتجار بالبشر وتهريب البضائع والوقود والأسلحة.
صحيفة مداميك