ظلت مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان وعلي مدي عقود من أزمنة الحرب، من المُدن التي توصف بإنها عبارة عن “معرض” لكل أشكال الإنتهاكات الإنسانية من تصفيات وإعتقال وتهجير قسري،وبسبب القبضة الأمنية الشرسة والتعتيم الإعلامي علي تلك الإنتهاكات، يعيش إنسان المدنية ظروفاً مأساوية قاسية للغاية، جعلت منه إنساناً مقهوراً.
في ظل الظروف الإنسانية التي تعيشها المدنية، والظروف الإقتصادية بالغة التعقيد، وقد واجه فريق تحرير صحيفة ” إدراك” صعوبة بالغة في الإعداد لهذا التقرير، للظروف الأمنية المحيطة بالمدنية، وللوصمة الإجتماعية التي يشعرن بها اللائي تواصلت معهن الصحيفة، وقد اكتفي فريق التحرير باسماء مستعارة، لحمايتهن من الملاحقات الأمنية،والاستغلال الجنسي آفةٌ منشرة في شتى بقاع الأرض، دوماً يستغل الأقوى فيها الأضعف، وبوجود الكثير من الفئات المستضعفة في عالمنا اليوم فنسبة هذا الاستغلال تتفاقم وتحديداً بعدم وجود نظام لمساءلة المجرم وحماية الضحية.
ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية، في ابريل من العام 2024م قصص لنساء يكافحن من أجل البقاء في مدينة أم درمان التي مزقتها الحرب، كشفن خلالها إنهن أُجبرن على ممارسة الجنس مع الجنود مقابل الطعام.ووفقاً للتقرير الذي نشرته الصحيفة البريطانية، فقد قالت أكثر من عشرين امرأة لم يتمكنّ من الفرار من القتال في أم درمان إن ممارسة الجنس مع رجال من الجيش السوداني كانت الطريقة الوحيدة التي تمكنهن من الحصول على الطعام أو السلع التي يمكنهن بيعها لجمع المال لإطعام أسرهن.
“ممارسة الجنس من اجل الطعام، إساءة لإستخدام السلطة بين النظاميين بكادوقلي”
الجنس مقابل المساعدة
إن “ممارسة الجنس من أجل البقاء” هو إساءة استخدام للسلطة بين افراد الأجهزة الامنية بكادوقلي ، وهو بالتأكيد أكثر أشكال الاستغلال الجنسي إنتشاراً ويحدث في كل مكان،وفي طابور الحصول على حزمة مساعدات غذائية، وتنتظر ” سعاد” وهو إسم مستعار لموظفة بقطاع الثقافة والإعلام دورها، وتقول إنها في حاجة إلى حزمة المساعدات هذه للبقاء على قيد الحياة حتى الأسبوع المقبل، واخبر جندي بالجيش أنها ستحصل على رزمة المساعدات الخاصة بها مقابل بعض “الخدمات”.وتضيف “سعاد” إنها إضطرت لتقديم جسدها من أجل إنقاذ اطفالها الثلاث، الذين باتوا يقتاتون علي نبتة “الكول”، وهي نبتة مسمة اودت بحياة العديد من الاطفال بمدينة كادوقلي. وتقول “سعاد” إنها ذهبت الي مقر الفرقة “14” بالسرف جنوب المدينة، ثلاث مرات وحصلت علي مساعدات غذائية عبارة عن عدس وزيت وسكر.
“إنعدام السيولة النقدية والنقص الحاد في الغذاء ساهم في إنتشار هذه الظاهرة”
ذئاب علي الطرقات
فيما تقول “عائشة”، وهو إسم مستعار كذلك تعمل بإذاعة كادوقلي إن (أ،ش) وهي تعمل موظفة بهيئة الإذاعة والتلفزيون، اصبحت تقوم بدور الوسيط لافراد الجيش، حيث تقوم بإصطياد الفتيات اللائي يعملن بالإذاعة فريسة مقابل مبالغ مالية، وتشير “عائشة” إنها ونسبة لحوجة اسرتها للطعام، حيث تقول إن إنعدام السيولة النقدية وإرتفاع اسعار المواد الغذائية ساعد ذلك في أن تقع العديد من الفتيات، فريسة لذئاب بشرية اصبحت تنتشر بحوش الإذاعة وبتخطيط من الموظفة (أ،ش)، وتقول إنها ذهبت لحامية كادوقلي بحي ام بطاح مرة واحدة فقط، ولكنها تفاجأت بصورها علي احد الجنود الذي قام بإبتزازها للذهاب معه لمنزله بحي الرديف، وتضيف إنها وخوفاً من إنتشار الصور ذهبت معه، واصبح يهددها بنشر صورها ان لم تأتي إليه.
التهديد بالطابور الخامس
اما “محاسن” وهو إسم مستعار كذلك،فتقول إنه في يوم الخميس الموافق 27 فبراير 2025م اتصل عليها احد افراد الإستخبارات، واخبرها بأنها مطلوب منها الحضور الي احدي مقرات الإستخبارات، وهي دار المؤتمر الوطني جوار امانة الحكومة، حيث طلب منها الحضور لأمر مهم، وتضيف إنها ذهبت علي الفور وقابلت فرد الإستخبارات الذي سألها عن علاقتها بالحركة الشعبية، مضيفاً لها إنها مُصنفة بتقاريرهم “طابور خامس”! ولحمايتها من هذه الجريمة طلب منها ممارسة الجنس مقابل شطب إسمها من قائمة المتهمين بالتخابر مع الحركة الشعبية.
“الإتهام بالطابور الخامس وسيلة يستخدمها افراد الإستخبارات في إبتزاز الضحايا”
المحامون… لاصوت لنا
حاول فريق تحرير صحيفة ” إدراك”، التواصل مع المحامي (ز،ع) الذي رفض الإجابة علي سؤال الصحيفة حول هذه الإنتهكات مكتفياً بالقول ” إنحنا ماعندنا صوت”، معتبراً ان المدنية اصبحت عبارة عن وكراً للجريمة لغياب سلطة القانون الذي استبيح من قبل البندقية، ويشير المحامي (ز،ع) علي إن المحاكم معطلة ولايوجد قاض مقيم بالمدنية ومعظم البلاغات المسجلة بدفاتر الشرطة، تتم فيها التسوية بداخل مكاتب التحريات.
الموت افضل
ورأت “ليلي” وهو إسم مستعار كذلك، إنها اصبحت تفضل الموت علي الحياة، وتضيف لمحرر الصحيفة من كادوقلي إنها بعد اجرت فحوصات اصبحت حامل، وإنها تشعر بالخوف من ان تعلم اسرتها بذلك، مشيرةً الي إنها اصبحت تعيش في حياة ملئية بالكوابيس وتتخوف ان تظهر صورا لها باحدي تلفونات الجنود، وتضيف” ليلي” إن صور العديد من الفتيات بجانب فيديوهات وهن يمارسن الجنس مع جنود من الجيش، اصبحت منتشرة بكادوقلي، حيث يقوم هؤلاء الجنود بعملية إبتزاز للعديد منهن بالجنس او فضحهن بنشر صورهن.
إدراك