يشكو سكان ولاية شمال دارفور من تضييقات متزايدة تفرضها أطراف النزاع على مستخدمي الإنترنت الفضائي “ستارلينك”، وسط اتهامات بالتعاون مع أطراف القتال، مما أدى إلى موجة من الاعتقالات وتفتيش الهواتف المحمولة.
وقال عدد من سكان مدينة كتم، الواقعة على بُعد 136 كلم شمال غرب الفاشر والخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، لـ”دارفور24” إن عددًا من المواطنين اعتقلتهم قوات الدعم السريع من مراكز “ستارلينك” بتهمة التعاون مع الجيش السوداني والقوة المشتركة وإرسال معلومات عسكرية إليها.
وذكرت “إيمان، ع” أن المواطنين يخشون التحدث في أي شأن يخص الحرب أو تقدم الجيش، مع التشديد في تفتيش الهواتف عند وجود شكوك.
وأشارت إلى أن أحد أقربائها نُقل إلى المعتقل بعد ضبط مقطع فيديو في هاتفه يظهر عناصر من الجيش السوداني داخل القصر الجمهوري، وأُطلق سراحه بعد تغريمه بمبلغ مليون و300 ألف جنيه سوداني، دُفعت له عبر التطبيقات البنكية.
ويعاني إقليم دارفور من انقطاع خدمات الاتصال التقليدية منذ نحو ثلاث سنوات بسبب الحرب، لتُصبح أجهزة “ستارلينك” الوسيلة الأساسية للتواصل وإجراء المعاملات البنكية.
منع التحدث
وكشف عدد من المواطنين بمدينة الفاشر، حاضرة شمال دارفور والخاضعة لسيطرة الجيش السوداني والقوة المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة معه، عن حظر التحدث بالمكالمات الصوتية في مراكز “ستارلينك”، إلى جانب رقابة أمنية صارمة.
وقال المواطن بهاء الدين عبد الرحمن لـ”دارفور24” إن السلطات الأمنية تمنح في بعض الأحيان ساعتين فقط لفتح مراكز الإنترنت، ويُمنع التحدث بالمكالمات الصوتية، وتُجرى عمليات تفتيش دقيقة للهواتف بحثًا عن أدلة على التواصل مع جهات معادية.
ووفقًا لشهود عيان، اعتقلت القوة المشتركة للحركات المسلحة عددًا من المدنيين من مراكز “ستارلينك” بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، وأبقت عليهم في مراكز احتجاز لفترات طويلة قبل إطلاق سراحهم.
وأقر مصدر عسكري في الجيش السوداني بصحة الإجراءات المشددة على مراكز الإنترنت ومنع الاتصالات الصوتية، مبررًا ذلك بوجود تهديدات أمنية تطال المدينة المحاصرة.
وقال المصدر، الذي فضّل حجب اسمه، لـ”دارفور24″ إن بعض العناصر المتعاونة مع قوات الدعم السريع تقوم بتحديد إحداثيات دقيقة للطائرات المسيّرة والمدفعية الموجهة لقصف الأعيان والمواقع العسكرية، مما دفع إلى منع استخدام أجهزة “ستارلينك” نهائيًا داخل المدينة، مع تحديد ساعات محددة يوميًا للمواطنين لاستخدام الإنترنت، لا تتجاوز الساعتين، مع منع الاتصالات الصوتية.
منع قاطع
وفي مدينة مليط، الواقعة على بُعد 65 كلم شمال الفاشر، أكد عدد من المواطنين أن قوات الدعم السريع صادرت عددًا من أجهزة “ستارلينك”، وأبقت على عدد محدود منها في سوق المدينة، وتعمل تحت إدارتها، وتُمارس تفتيشًا دقيقًا للهواتف.
وقال أحمد إسماعيل، أحد المتطوعين بمدينة مليط، لـ”دارفور24” إن قوات الدعم السريع تفرض تشددًا على مراكز الإنترنت وتمنع الأفراد من حيازة أجهزة الإنترنت خارج الأماكن المصرّح بها.
وذكر أن المدينة كانت في السابق تعتمد على أجهزة “ستارلينك” تعمل عبر كروت متخصصة وشبكات تقوية، تتيح استخدامها من المنازل، لكن قوات الدعم السريع صادرتها ومنعت استخدامها، بعد تكرار قصف الطيران الحربي للجيش السوداني في النصف الثاني من عام 2024 ومطلع العام الحالي.
وكشف ناشطون من مدينة المالحة، 210 كلم شمال شرق الفاشر، لـ”دارفور24″ عن مصادرة قوات الدعم السريع لجميع أجهزة “ستارلينك” بالمدينة، بعد سيطرتها عليها في نهاية مارس الماضي، عقب معارك ضارية مع القوة المشتركة للحركات المسلحة وانسحابها منها.
وقال ناشط، فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن قوة مخصصة من الدعم السريع صادرت الأجهزة من عين بسارو وأجزاء أخرى بمحلية المالحة.
وأوضح أن القوة بررت المصادرة لمنع تواصل عناصر تابعة للقوة المشتركة والجيش مع ذويهم أو إرسال إحداثيات تتعلق بمواقع قوات الدعم السريع، مما أدى إلى توقف تحويل الأموال وانقطاع التواصل بين الأهالي وذويهم.
وأفاد محمد عمر، أحد أصحاب محلات “ستارلينك” في مدينة المالحة، وصل مؤخرًا إلى مدينة الدبة، أن قوات الدعم السريع صادرت أكثر من 25 جهاز “ستارلينك” تجاري، وأكثر من 30 جهازًا شخصيًا من المواطنين بالأحياء.
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع تمتلك أجهزة “ستارلينك”، لكنها لا تسمح للمواطنين باستخدامها.
رقابة صارمة
وأفاد شهود عيان من مدينة كبكابية، 155 كلم غرب الفاشر، أن قوات الدعم السريع فرضت رسومًا على محلات الواي فاي بقيمة 100 ألف جنيه سوداني شهريًا، يتم تحصيلها لصالح الاستخبارات بالمدينة.
وقالت شاهدة عيان، مريم، ع، لـ”دارفور24″ إن مراكز “ستارلينك” تخضع لرقابة صارمة من قبل عناصر عسكرية بزي مدني من قوات الدعم السريع، ويتم اقتياد بعض الشباب إلى مراكز احتجاز لتفتيش هواتفهم وتوجيه تهم التعاون مع الجيش إليهم.
وأضافت أن شقيقها أُطلق سراحه بعد مصادرة هاتفه، عقب اعتقاله من حي السلام غرب السوق، لوجود رسائل صوتية مع أحد أصدقائه في الفاشر بشأن العمليات العسكرية التي جرت في مايو الماضي.
كما أفاد شهود عيان من بلدة شنقل طوباي، 55 كلم جنوب غرب الفاشر، بأن أجهزة “ستارلينك” مُنعت من العمل نهائيًا منذ ستة أشهر، وأبقي على ثلاثة أجهزة فقط تعمل في سوق البلدة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وقالت الناشطة النسوية فاطمة حسن لـ”دارفور24″ إن سعر الإنترنت الفضائي قبل المصادرة كان 500 جنيه للساعة، بينما رفعت قوات الدعم السريع السعر إلى 2000 جنيه للساعة لأجهزتها المُخصصة، مما أثقل كاهل المواطنين في المعاملات البنكية والتواصل الأسري.
ولفتت إلى أن بعض المواطنين الذين ضُبطت بحوزتهم أجهزة “ستارلينك” صودرت أجهزتهم وتم تغريمهم بمليون جنيه سوداني.
ولم يتسنّ لـ”دارفور24″ الحصول على تعليق رسمي من قوات الدعم السريع بشأن منع ومصادرة الأجهزة في مناطق سيطرتها.
وتُسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من شمال دارفور، باستثناء مدينة الطينة، وكرنوي، وأمبرو الواقعة تحت سيطرة القوة المشتركة، ومدينة طويلة وأجزاء من جبل مرة الواقعة تحت سيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، إضافة إلى مدينة الفاشر التي تشهد معارك بين الحين والآخر.
دارفور 24