يشهد المشهد السياسي في السودان توترات متزايدة على خلفية مساعي رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس لتشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية، وسط اعتراضات من أطراف اتفاق جوبا للسلام على ما وصفوه بتجاهل استحقاقاتهم السياسية.
اتهم مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، مسؤولين لم يسمهم بتسريب محاضر اجتماعات بعد تزويرها وإخراجها عن مضامينها، وتوجيه بعض الأقلام بهدف الاغتيال المعنوي، على حد تعبيره.
وهدد، في تدوينة على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، بالتصعيد الإعلامي، مضيفًا: “هذا الأسلوب يدفعنا إلى أن نتناول في الإعلام ما لا يمكن”.
وتأتي هذه التدوينة عقب نشر تفاصيل عن اجتماعات ضمت رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس مع أطراف سلام جوبا أمس، تناولت قضية حصة أطراف السلام في التشكيل الوزاري.
وتابع مناوي في التدوينة: “هذه الصفة الجبانة يجب ألا تكون سلوك الحكام. ومن أراد إحراق المراكب ظانًا أنه قد عبر، يخدع نفسه ويضحك على الشعب”.
وذكرت التقارير أن مناوي غادر مقر اجتماعٍ لأطراف اتفاق سلام جوبا مع رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، قبل وصول الأخير. كما أشارت التقارير إلى أن الوزير السابق محمد بشير أبو نمو نقل اعتراض “حركة تحرير السودان” على حل الحكومة دون التشاور مع وزراء السلام. وأفادت بأن أبا نمو، ومعتصم أحمد صالح، المسؤول السياسي لحركة العدل والمساواة، أعلنا تمسك حركاتهم بالوزارات التي حصلوا عليها عند تشكيل أول حكومة بعد توقيع اتفاق السلام عام 2020م.
ووفقًا لوكالة السودان للأنباء، فقد عقد رئيس مجلس الوزراء، الدكتور كامل الطيب إدريس، اجتماعًا تشاوريًا مع أطراف العملية السلمية بقاعة مجلس الوزراء بمدينة بورتسودان مساء اليوم.
وأكد الاجتماع على الوفاء بالعهود والالتزام بالمواثيق، إضافةً إلى التشاور والتراضي والحكمة، كما أكد الالتزام باتفاق جوبا للسلام. وأشار الاجتماع إلى ضرورة التركيز على معاش وأمن المواطنين.
كما أكد الاجتماع إعطاء الأولوية للحرب الدائرة، والدعم المطلق للقوات المسلحة، والقوات النظامية الأخرى، والقوات المشتركة، والمستنفرين، والمقاومة الشعبية، والقوات المساندة.
وخصص اتفاق سلام جوبا 25 في المائة من مقاعد مجلس الوزراء لصالح أطراف سلام جوبا ، بينما تختلف أطراف الاتفاق حول تفسير المادة 8.3 من اتفاق سلام جوبا التي تنص على “أن تحتفظ الأطراف الموقعة على هذا الاتفاق بمواقعها التي حصلت عليها بموجب هذا الاتفاق الي نهاية الفترة الانتقالية وتكون هي المعنية بتوفير البديل إذا شغر الموقع وفقاً لشروط فقدان العضوية في الموقع المعني” فيما تتردد أنباء عن رغبة كامل إدريس في إجراء تغييرات في حصة اتفاق سلام جوبا في مجلس الوزراء.
وكان رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، قد أعلن في خطاب له عزمه تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية، لا ينتمي منسوبوها إلى الأحزاب السياسية. وتتكون الحكومة المزمع تشكيلها من 22 وزارة، بجانب عدد من الهيئات.
وأعلن كامل إدريس الشروع مباشرة وبالتدرج في تشكيل الوزارة، وذلك اعتمادًا على وسائل الاختيار المتعددة، مؤكدًا احتفاظه بحقه كرئيس للوزراء يملك الاستقلالية في اختيار وزراء من الكفاءات المدنية المستقلة، بما يراه مناسبًا. وأضاف: “أريد تحقيق تعيينات عادلة، أساسها الأكفأ، والأكثر خبرةً وجدارة، والأميز سمعةً ونزاهة، بعيدًا عن المحاصصات“.
ودعا إلى مسح عبارات المحاصصة والمحسوبية بكافة أشكالها وألوانها من القاموس، والاعتبار بمبادئ العدالة والشفافية وسيادة القانون.
ووجّه نداءً لكل الكفاءات الوطنية المستقلة لرفده بسيرهم الذاتية عبر وسائل التواصل التي سوف يتم الإعلان عنها، مع تسمية الجهة الحكومية المعنية.
وكان معتصم أحمد صالح، الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، قد أشار في مقال له الأسبوع الماضي إلى حملة منسقة ضد اتفاق جوبا لسلام السودان، مسار دارفور تحديدًا، بعد تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء. وقال إن الحملة تعكس فهمًا ضيقًا لاتفاق جوبا، وتعبّر عن نزعة إقصائية تجاه قوى الهامش، خصوصًا أهل دارفور.
وأكد أن اتفاق السلام ليس “محاصصة إثنية”، بل هو اتفاق جاء ثمرة نضال طويل من أجل العدالة والمساواة، وقد تضمّن آليات قانونية واضحة لتوزيع السلطة والثروة، أقرّتها الدولة ذاتها والمجتمع الدولي.
ووصف معتصم أحمد صالح محاولة تصوير تمسك أطراف السلام باستحقاقاتها الوزارية وفقًا لمنصوص الاتفاق على أنه ابتزاز سياسي، بأنها قراءة مغلوطة ومتحيزة، هدفها ترهيب هذه الأطراف والنيل من مشروعها، لتكريس هيمنة النخب المركزية على مفاصل الدولة، وحرمان قوى الهامش من الشراكة العادلة في صنع القرار.
وقال إن التلويح بالحرب كأداة لإلغاء اتفاقية سلام وقّعتها الدولة طواعية، ليس سوى دعوة خطيرة لهدم ما تبقى من الاستقرار، ولا يسهم في بناء دولة، بل يعيد إنتاج الأزمة.
وأضاف: “أطراف السلام وقعوا على الاتفاقية ليكونوا شركاء في بناء الدولة، لا ضيوفًا على موائدها. ومن يسعى لاستعادة الدولة فعلاً، فعليه أن يبدأ باحترام الاتفاقيات، ومخاطبة جذور التهميش، لا باجترار أساليب الإقصاء والتخوين”.
وفي شرق السودان، أعلن الأمين داوود، رئيس الجبهة الشعبية المتحدة لشرق السودان، تحفظهم على تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، مشيرًا إلى عدم مشاورتهم في تعيينه. وحذر، خلال مخاطبته ورشة في كسلا يوم الخميس، من العواقب الوخيمة لتهميش مواطني شرق السودان.
يبدو أن هنالك تحديات جمّة تواجه تشكيل مجلس الوزراء، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الشروع الفوري والمتدرج في تشكيل حكومة تكنوقراط غير منتمية للأحزاب السياسية.
دبنقا