مثلت سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة جبل عوينات والمثلث الحدودي الاستراتيجي بين السودان ومصر وليبيا، توجهًا مختلفًا من حيث التمركز وتأمين الإمدادات.
وقال مستشار قوات الدعم السريع محمد مختار، الاثنين الماضي، إن قواتهم سيطرت على منطقة “كرب التوم”، إحدى الواحات الثلاث الواقعة قرب سلسلة جبل العوينات في الولاية الشمالية.
وافادت مصادر أخرى في قوات الدعم السريع، “سودان تربيون”، بأن قطع الإمدادات اللوجستية والذخيرة عن الحركات المسلحة التي تقاتل مع الجيش السوداني كان وراء هذه العمليات الأخيرة.
تقاطع المصالح
وقال القيادي في التحالف الوطني السوداني وعضو تحالف “صمود” شهاب إبراهيم، لـ “سودان تربيون”، إن الحرب دخلت مؤخرًا مرحلة جديدة بعد أن وصلت إلى الحدود الشمالية الغربية.
ورأى أن الأخطر هو أن الحرب باتت تمثل تقاطع مصالح إقليمية، معتبرًا أن تدخل بعض الدول لحماية مصالحها أو درء مخاوفها وارد، رغم أنه قد تتم تفاهمات حول الحرب في الصحراء.
تصعيد خطير
من جهة أخرى، اعتبر الكاتب والباحث في العلاقات الدولية والإقليمية فؤاد عثمان، المواجهات الأخيرة في المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر تصعيدًا خطيرًا في مسار الحرب السودانية، ويفتح الباب أمام تدويل النزاع وتحوله إلى صراع إقليمي مفتوح.
وذكر عثمان، لـ “سودان تربيون”، أن تمدد قوات الدعم السريع نحو هذه المنطقة الحساسة يُقرأ كمحاولة لتشتيت جهود الجيش السوداني وتعزيز الحضور الجيوسياسي في مناطق التماس مع ليبيا ومصر
وقال إن الجيش السوداني يرى في هذا التمدد تهديدًا مباشرًا لحدوده الشمالية ومركز ثقله العسكري، معتبراً الانسحاب من المثلث – سواء أكان تكتيكيًا أو نتيجة ضغوط – نكسة ميدانية.
وفي سياق دول الجوار، قال عثمان إن مصر تراقب هذه التحركات بقلق بالغ، وأكدت رسميًا أنها لن تنجر إلى حرب إقليمية، لكنها قد تلجأ إلى أدوات غير معلنة لحماية حدودها وضبط التوازنات.
أما في ليبيا، حسب عثمان، فإن المشهد منقسم؛ فقوات الشرق بقيادة حفتر تُتهم بموالاة الدعم السريع لوجستيًا، في سياق حسابات نفوذ جنوبية وتمدد نحو مسارات التهريب والذهب، وهو ما يضعه في موقع تناقض مع الحليف المصري.
في المقابل، تتخذ حكومة الدبيبة في الغرب الليبي، وفق حديث عثمان لـ “سودان تربيون”، موقفًا أكثر حذرًا، وتتجنب الانخراط المباشر خشية التورط في صراع معقد يعيد خلط الأوراق على حدودها الجنوبية.
واعتبر أن هذه التطورات تضع الإقليم على حافة تصعيد أوسع، وتُعقّد أي جهود للحل السياسي في السودان.
واقع أمني جديد
يعتقد القيادي في الحركة الشعبية –شمال،قيادة عبد العزيز الحلو، عمار نجم الدين، في حديث لـ “سودان تربيون”، أن حرب الصحراء في دارفور ومثلث عوينات تُعد “تحولًا في التوازن الجيوسياسي”.
واعتبر أن تلك المناطق أصبحت اليوم تحت نفوذ قوة عسكرية ميدانية فعالة، قادرة على تأمين الحدود الغربية وفرض واقع أمني جديد في واحدة من أكثر المناطق حساسية في شمال أفريقيا.
ووصف نجم الدين تحرك الدعم السريع نحو المثلث بأنه لم يكن مجرد تقدم عسكري، بل نقلة جيوسياسية تعكس قدرة الدعم السريع على التوسع من الداخل نحو الحدود الدولية، والتحكم في مفاصل حيوية تشمل التهريب والإمداد والذهب. وهذا يعكس انتقالها من قوة داخلية إلى فاعل إقليمي له امتداد استراتيجي.
وبيّن أن انسحاب الجيش السوداني من المثلث، تحت غطاء “الترتيب الدفاعي”، أثار تساؤلات حول قدرته على حماية حدود السودان في ظل تعدد الجبهات.
وبدلًا من صد التقدم، باتت القوات النظامية تتراجع في مشهد يعكس تحول موازين السيطرة على الأرض، وفق قوله.
وتابع: “ما نراه الآن هو أن قوات الدعم السريع باتت تدير موارد، وتؤمن حدودًا، وتفرض حضورها في مساحات واسعة، ما يجعل تجاهلها في أي تسوية سياسية أمرًا غير واقعي”.
تحول استراتيجي
وعلى صعيد متصل، اعتبر المتخصص في شؤون القرن الأفريقي محمد الهادي سليم، في حديث لـ “سودان تربيون”، توسع رقعة الحرب السودانية نحو الصحاري والمناطق الحدودية تحولًا استراتيجيًا في مسار الصراع.
ورأى أن الجغرافيا المفتوحة باتت مسرحًا لمعارك الاستنزاف والمباغتة، بعد أن سيطرت المسيرات على سماء المعركة، وذلك بغرض تأمين خطوط الإمداد اللوجستي أو لقطعها عن الطرف الآخر.
وذكر الهادي أن الاشتباكات الأخيرة في مثلث عوينات تعكس تصاعد التوتر على تخوم دول الجوار، وتُغذي المخاوف من تدخلات إقليمية مباشرة تحت مظلة حماية الحدود والأمن القومي لبعض الدول، خاصة من دول مثل تشاد ومصر وليبيا.
وأضاف أن المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا يكتسب حساسية مفرطة، وتكرار الاشتباكات هناك قد يدفع القاهرة للتدخل الرمزي أو المحدود، خاصة إذا رأت تهديدًا مباشرًا لمصالحها أو لقدرتها على التأثير في موازين القوى الإقليمية
واستبعد الهادي التدخل المباشر، معتبرًا أنه محفوف بكلفة سياسية وعسكرية كبيرة، خصوصًا في هذا التوقيت الذي يشهد تصاعدًا كبيرًا للصراع في المنطقة، وتحديدًا بين إسرائيل وإيران.
وتوقع مع ذلك، أن يُفضل قادة تلك الدول المجاورة للسودان استخدام وكلاء محليين أو دعم استخباراتي ولوجستي غير معلن.
وشدد على أن هذا التحول يؤكد أن الحرب السودانية لم تعد شأنًا داخليًا، بل مرشحة لأن تتحول إلى نزاع إقليمي مفتوح، خصوصًا إذا استمر غياب الحلول السياسية وتعثر جهود وقف إطلاق النار.