وسيلة حسين
تنقب حياة الفضل، وهي من النازحات اللواتي بقين في مدينة شندي ولم تتسن لها العودة إلى بيتها في الصحافة، بعد استعادة الجيش العاصمة الخرطوم، تنقب، ضمن حشد من النساء الأخريات، في “كبّة” الملابس المستعملة، المكومة على أسرّة متراصة على طول “شارع النص” في سوق الديم، لتختار كسوة جديدة لأطفالها، تبحث، بانهماك دؤوب، عن المقاسات والألوان المناسبة.
اختارت 5 قطع من ملابس الأطفال وعباءة لنفسها، بحالة جيدة وألوان ناصعة، وشرعت تلح في مفاصلة السعر مع التاجر الذي ينادي بصوت عالٍ: ” خمسة ألف، خمسة ألف”. تدفع المال للتاجر، ومن ثم تضع ملابسها في كيس بلاستيكي أسود وتهم بالمغادرة.
تقول لـ”أفق جديد” إنها نزحت مع أسرتها منذ أكثر من عام ونصف العام، بملابس قليلة، تاركين كل شيء خلفهم، وقد اعتادت أن تشتري كل ما تتاح لها الفرصة من سوق الملابس المستعملة “القوقو” لستر عرى أطفالها وتعويض ما فقدوه. “لا طاقة لي بشراء ملابس جديدة، فهي غالية السعر. أشتري من هنا ملابس جيدة بسعر رخيص”. وتضيف: “المهم أن يفرح العيال ويخرجوا للعب مع أقرانهم بهيئة جميلة”.
تبدو حياة متصالحة مع واقعها، غير متضجرة مما وجدت أنها عالقة فيه، نزوح ودخل منخفض وانعدام مساعدات من أية جهة، وهي تحاول تدبير حياتها، بكرامة، قدر المستطاع: “وضعتنا الحرب في تجربة صعبة، لكننا لم ننكسر رغم مرارة النزوح وتقطع عمل زوجي الذي يعمل مضطرًا باليومية ولا يجدها دائمًا. سنعيش رغم كل شيء ويومًا ما سنعود إلى بيتنا في الصحافة”. تقول بإصرار وشهامة وهي تبتسم.
أدى انخفاض مستويات العيش وتردي مستوى دخل الفرد الناجم عن الحرب في السودان إلى قياسات مريعة، بلغت أقل من دولارين، إلى لجوء غالب السودانيين للاتجاه صوب أسواق “القوقو” وشراء للملابس المستعملة بأسعار زهيدة، الملابس التي تدفقت بعد الحرب بكميات مهولة من خارج البلاد، وعن طريق التهريب، حيث انتشرت أسواقها في كامل المدن السودانية.
يخبر فتح الرحمن العوض أنه يعمل بأسواق القوقو قبل اندلاع الحرب ونزوحه إلى مدينة شندي، ولكن أعماله توسعت بصورة كبيرة بعد الحرب والتجاء غالبية المواطنين لاقتناء ملابسهم من السوق المستعمل، التي تسوق –حسبما يقول- لماركات عالمية بأسعار زهيدة: “ليس كل البضاعة المعروضة مستعملة، هناك بضاعة تأتي من المخازن لكن انتهت موضتها وعفى عليها الوقت”. يقول العوض في حديث مع “أفق جديد” ومن ثم يضيف: “لا يقتصر القوقو على الملابس فقط، ولكنه يشمل أيضًا الأحذية وحقائب السفر وحقائب النساء اليدوية”.
وبحسب تجار تحدثوا لـ”أفق جديد” فإن بضاعة القوقو ترد من دول مثل السعودية والإمارات وقطر عبر ميناء بورتسودان، وتخضع لضوابط شحن الوارد، بينما ترد بعض الشحنات من مسارات أخرى عبر التهريب من مصر وليبيا.
“يتراوح سعر البالة الواحدة بين مليون جنيه ومليون ونصف، بحسب جودة ونوعية البضاعة والجهة التي تأتي منها”. يقول العوض مجددًا ومن ثم يضيف: “بعد الحرب، وانتشار سوق القوقو كبديل للملبوسات الجاهزة، يتعرض تجار الملابس المستعملة لكثير من المضايقات من قبل السلطات المحلية، بالمطاردات اليومية والغرامات المتتالية، وللمصادرة في مناطق ارتكازات الجيش، في كثير من الأحيان”.
ويدافع العوض عن تجارة القوقو بالرغم من أنها قد تحمل بعض الأمراض الجلدية والحكّات المعدية. يقول لـ”أفق جديد”: ” بضاعتنا نظيفة والملابس معروضة في الشمس طوال النهار ومن شأنها أن تقتل البكتيريا والجراثيم، فضلًا على أنها تتعرض للغسيل والكي قبل الاستعمال، مما يقلل من خطورة نقلها للأمراض المعدية”.
(أفق جديد)