قرابة 138 مليون طفل كانوا يعملون في عام 2024 – من بينهم حوالي 54 مليون طفل انخرطوا في أعمال خطرة قد تعرّض صحتهم أو سلامتهم أو نموهم للخطر، وفقا لتقديرات جديدة صدرت اليوم الأربعاء عن منظمة العمل الدولية واليونيسف.
تزحف تيناسو البالغة من العمر 12 عاما إلى عملها يوميا في منجم شرق مدغشقر، حيث تجمع كيلوغرامين من معدن الميكا اللامع يوميا. فهي لا تستطيع المشي بسبب إعاقة جسدية.
هناك 10 آلاف طفل في مدغشقر مثل تيناسو يعملون في صناعة الميكا، التي تستخدم في الدهانات وقطع غيار السيارات ومستحضرات التجميل لإضافة لمسة “براقة”.
إلى جانب الآباء والأجداد، يكدح هؤلاء الأطفال في ظروف خطرة. يستنشقون جزيئات الغبار الضارة ويدخلون أنفاقا غير آمنة بعدما أجبر الكثيرون منهم على ترك المدرسة – هذا إن التحقوا بها أصلا.
قال سوجا، جد تيناسو: “إذا لا نعمل، لن نأكل. الأمر بسيط للغاية. يجب على الرجال والنساء والأطفال جميعا العمل من أجل البقاء”.
في عام 2015، حددت الأمم المتحدة هدفا لإنهاء عمالة الأطفال في جميع أنحاء العالم بحلول عامنا هذا، إلا أن التقدم كان بطيئا ومتعثرا، وفقا لتقرير عمل الأطفال الصادر يوم الأربعاء عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
يُقدّر التقرير أن 138 مليون طفل – بانخفاض قدره 22 مليونا عن عام 2020 – لا يزالون منخرطين في عمل الأطفال، مما دفع المنظمتان الأمميتان إلى الدعوة لتسريع وتيرة التقدم.
وقال جيلبرت هونغبو، المدير العام لمنظمة العمل الدولية إن نتائج التقرير “تبعث على الأمل وتُظهر أن التقدم ممكن”، إنه شدد على ضرورة “ألا نغفل عن حقيقة أن الطريق لا يزال طويلا”.
منذ عام 2000، انخفض عدد الأطفال العاملين إلى حوالي النصف، من 246 مليونا إلى 138 مليونا، وهو انخفاض واعد يثبت أن العالم لديه “مخطط” لإنهاء عمل الأطفال. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.
وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل: “لا يزال عدد كبير جدا من الأطفال يكدحون في المناجم والمصانع والحقول، وغالبا ما يقومون بأعمال خطرة من أجل البقاء”.
عمالة الأطفال لا تعني جميع الأعمال التي يقوم بها الأطفال، بل هي عمل يحرم الأطفال من طفولتهم، وغالبا ما يكون خطرا على صحتهم ونموهم.
في حوار مع أخبار الأمم المتحدة، شرح بنجامين سميث، خبير عمالة الأطفال في منظمة العمل الدولية، هذا المفهوم، حيث قال: “من المهم أن نفهم أن [عمالة الأطفال] ليست واجباتهم المنزلية، وليست مساعدة الأطفال لوالديهم في الأعمال المنزلية. نحن نتحدث عن عمل غالبا ما يكون خطرا”.
أونورين، البالغة من العمر 13 عاما، واحدة من هؤلاء الأطفال الذين يعملون في ظروف خطرة، بما في ذلك المناجم. تعمل من الساعة 10 صباحا حتى 5 مساء يوميا في محجر حصى في بنين. عدد دلاء الحصى التي تجمعها هو ما يحدد أجرها اليومي، وهي تدخره على أمل أن تتدرب لتصبح مصففة شعر يوما ما.
يشير التقرير إلى أن عمالة الأطفال تنتقل عبر الأجيال. وغالبا ما يواجه الأطفال في أنظمة عمالة الأطفال صعوبة في الحصول على التعليم، مما يهدد فرصهم المستقبلية ويخلق حلقة مفرغة من الفقر والحرمان.
وأكد المؤلف الرئيسي لتقرير عمالة الأطفال والخبير لدى منظمة العمل الدولية فيديريكو بلانكو على أهمية النظر إلى عمالة الأطفال على أنها ليست مجرد مسألة إحصائية. وقال: “وراء كل رقم، دعونا نذكر أنفسنا بأن هناك طفلا يحرم من حقه في التعليم والحماية ومستقبل كريم”.
نور، لاجئ من الروهينجا يبلغ من العمر 13 عاما في بنغلاديش، أخرجه والداه من المدرسة ليساعد أسرته ماليا. تمكن أحد العاملين في مركز ممول من اليونيسف من التعرف على نور وإقناع عائلته بإعادته إلى المدرسة.
وقال نور: “حلمت يوما بأن أصبح معلما. ظننت أنني لن أتمكن من ذلك أبدا. لكنني الآن أشعر أنني أستطيع التعلم وأن أصبح معلما كما كنتُ أتمنى دائما”.
دعت اليونيسف ومنظمة العمل الدولية في التقرير إلى حلول سياساتية متكاملة تعمل عبر القطاعات الحكومية، وتعالج المشكلة من منظور تعليمي واقتصادي واجتماعي.
وشدد التقرير على أنه لا يمكن تحقيق القضاء على عمالة الأطفال دون مراعاة الظروف التي تدفع الأسر إلى إرسال أطفالها إلى العمل – ألا وهي الفقر.
كما يعد دعم حقوق الوالدين – بما في ذلك الحق في المفاوضة الجماعية والحق في عمل آمن – أمرا أساسيا لإنهاء عمالة الأطفال.
وقال السيد سميث في حواره مع أخبار الأمم المتحدة: “تنظر منظمة العمل الدولية إلى عمالة الأطفال بطريقة شاملة تماما، لأن ضمان حصول البالغين على ظروف عمل جيدة أمر بالغ الأهمية لمعالجة عمالة الأطفال، لأن الفقر هو جوهر عمل الأطفال”.
ويعد اتباع نهج قائم على أساس كل بلد أمرا بالغ الأهمية نظرا للتفاوتات الإقليمية في عمالة الأطفال – فقد أشار التقرير إلى أنه في حين شهدت جميع المناطق انخفاضا في الأعداد، فإن ثلثي عمالة الأطفال في جميع أنحاء العالم تحصل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
تواجه محاولات القضاء على عمالة الأطفال عقبات كبيرة نتيجة نقص التمويل. وفي هذا السياق، قالت السيدة راسل: “إن تخفيضات التمويل العالمية تهدد بتراجع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس. يجب أن نجدد التزامنا بضمان وجود الأطفال في الفصول الدراسية والملاعب، لا في أماكن العمل”.
يحلم أدوارا، البالغ من العمر عشر سنوات، بالذهاب إلى المدرسة. التحق بالمدرسة لبضع سنوات وحاول أن يوافق بين العمل والدراسة، ولكن مع وجود ثمانية أشقاء له، كانت مساعدة أسرته أمرا لا مفر منه. في النهاية، نصحه معلمه بعدم العودة حيث كان يتغيب عن المدرسة كثيرا.
يعمل أدوارا الآن في منجم ذهب في إثيوبيا، ويكسب حوالي 35 دولارا في اليوم. كلمات الطفل خير دليل على أمله في مستقبل أفضل رغم نفاد الخيارات لديه، حيث قال: “أود الذهاب إلى المدرسة. أود أن أصبح شخصا مهما”.