منذ اندلاع الحرب في السودان قبل أكثر من عامين، فرّ ملايين الأشخاص إلى الدول المجاورة، بما فيها إثيوبيا. استقر عثمان وأمجد ووجدان في العاصمة أديس أبابا، ويقولون إنهم الآن في “طريق مسدود” بسبب الوضع الإداري المعقد والنقص الحاد في الموارد.
يشير عثمان إلى بوابة رمادية مفتوحة على حافة رصيف مُغبر، تعلوها لوحة قماشية باهتة كُتب عليها “مسجد تيروسينا”. يوضح قائلا “هنا أنام كل صباح. أصل الساعة الخامسة صباحا، وقبيل الظهر بقليل، أعود إلى الشارع”. مرّت ستة أشهر منذ وصول هذا الشاب السوداني البالغ من العمر 22 عاما إلى أديس أبابا. يتابع “لم أختر إثيوبيا. غادرت على عجل لأن الجيش السوداني كان يبحث عني. جاء الجنود إلى منزل والديّ عدة مرات لأخذي، لكنني لم أكن هناك في كل مرة. لكن والدي قال لي إن الوضع خطير جدا، ‘غادر البلاد ولا تعد’. بعد بضعة أيام، كنت في مخيم أسوسة للاجئين” في إثيوبيا.
شارع في حي “هايا هوليت” في أديس بابا، الذي يعيش فيه الكثير من المهاجرين السودانيين. المصدر: مارلين بانارا/ مهاجرنيوزحالهم كحال عثمان، غادر السودان أكثر من 4 ملايين شخص وفقا للأمم المتحدة، منذ اندلاع الحرب في السودان قبل عامين، والتي تدور بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وصرح يوجين بيون، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في 3 حزيران/يونيو، بأن هذا يمثل “أكبر أزمة نزوح في العالم”. ووفقا للمفوضية، فرّ ما يزيد قليلا عن 163 ألف شخص، من بينهم 73 ألف سوداني، إلى إثيوبيا.
ووفقا لطارق أرغاز، مسؤول الاتصالات في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إثيوبيا، يجب على الراغبين في التقدم بطلب اللجوء التسجيل في نقاط التسجيل المخصصة. وتقع هذه النقاط على طول الحدود، في “المتمة” بمنطقة أمهرة، أو في الكرمك بمنطقة “بني شنقول غوموز” غرب إثيوبيا. وفي انتظار الحصول على وضع اللاجئ، ينتظر المهاجرون في المخيمات المحيطة بـ”أورا” و”أفتيت”، حيث يمكنهم الحصول على المأوى والطعام والرعاية الطبية.
يمكن للمهاجرين السودانيين عبور الحدود من نقطتين فقط: المتمة والكرمك. المصدر: غوغل مابسلكن لا يرغب كل المهاجرين في العيش في المخيمات المخصصة لهم. ففي منطقة أمهرة، يؤثّر الصراع بين ميليشيا فانو (الميليشيا الإقليمية) والجيش الفيدرالي، على اللاجئين وطالبي اللجوء، الذين يجدون أنفسهم في قلب صراع عنيف جديد. ووفقا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، تعرضت المخيمات عام 2024 لهجمات من قبل “قطاع طرق وميليشيات”، ويرتكبون “جرائم قتل وضرب ونهب واختطاف مقابل فدية ومقابل العمل القسري”. ولذلك، يفضل العديد من اللاجئين مغادرة هذه الأماكن إلى مناطق حضرية أكثر أمانا.
“انتهى بي المطاف في الشارع”
غادر عثمان، المُسجَّل كلاجئ، مخيمه قرب أسوسة بعد خمسة أشهر لأنه “لم يستطع تحمُّل الانتظار أو الأيام التي قضاها داخل خيمة في الحر”.
ومن جانبه، اختار صديقه أمجد أيضا أديس أبابا، يبلغ هذا الشاب النحيل 25 عاما، ويتحدر من الخرطوم حيث كان يعمل مصمم غرافيك. ولم تنجح محاولات الشاب للتسجيل في مخيم “أورا”. يقول “طُلب مني الانتظار، لكن الأمر استغرق أياما. لذا غيرت رأيي وجئت إلى العاصمة بتأشيرة سياحية. ظننتُ أنني أستطيع العمل وكسب بعض المال وإكمال إجراءاتي هنا. لكن انتهى بي الأمر في الشارع”.
يؤكد طارق أرغاز “حاليا، التسجيل في أديس أبابا مُعقَّد للاجئين السودانيين”. كما يؤكد محامٍ إثيوبي متخصص في قضايا الهجرة، طلب عدم الكشف عن هويته، أن هذه العملية “غير قانونية بموجب القانون الدولي. لا يمكننا منع الناس من تقديم طلبات اللجوء”.
بدون المال اللازم لتجديد تأشيرته السياحية، وجد أمجد نفسه بلا وثائق سارية. يعلق على وضعه “يمكنني العودة إلى أسوسة لإتمام الإجراءات في المخيم، لكن لا أملك المال الكافي لهذه الرحلة. الحل الوحيد هنا هو الحصول على تأشيرة جديدة. لكن حتى في هذه الحالة، لا أستطيع تحمل تكلفتها المالية. في السودان، لم يبقَ لي سوى أخي الأكبر، وهو الناجي الوحيد من عائلتي، ولا يستطيع إرسال أي أموال لي. أنا في حيرة من أمري”.
يلجأ أمجد وعثمان أحياناً في هذا المقهى، في حي “هايا هوليت” في أديس أبابا. المصدر: مارلين بانارا/ مهاجرنيوزحتى خريف العام الماضي، كان بإمكان المهاجرين السودانيين العيش خارج المخيمات دون تأشيرة، بفضل قرار حكومي صدر في بداية الحرب في السودان. لكن منذ تشرين الأول/أكتوبر 2024، عُلِّق هذا الإعفاء، وأصبح على الأفراد غير المعترف بهم كلاجئين، ممن يرغبون في العيش خارج المخيمات دفع رسوم تأشيرة قدرها 100 دولار أمريكي، تُجدَّد شهريا، كما تُخصم غرامة قدرها 10 دولارات يوميا لمن انتهت صلاحية تصاريحهم.
هذا الوضع لا يُطاق بالنسبة للغالبية العظمى من المهاجرين، وهو ما أوقع وجدان في دوامة من القلق والتوتر. فبعد أن بدأت إجراءات لمّ شمل أسرتها وهي لا تزال في السودان، اضطرت الشابة إلى القدوم إلى أديس أبابا لمواصلة الإجراءات، حيث نُقِلَت السفارة الفرنسية في السودان إلى العاصمة الإثيوبية بسبب الحرب. وعند وصولها إلى إثيوبيا، لم تُسجِّل وجدان ملفها في المخيمات للحصول على وضع لاجئة، متوقعة البقاء بضعة أشهر فقط في إثيوبيا قبل الانضمام إلى زوجها الذي لجأ إلى فرنسا.
لكن وقبل بضعة أشهر، رُفِض طلبها، ما دفعها للتقدم باستئنافٌ لدى محكمة نانت (فرنسا) الإدارية. وفي هذه الأثناء، تتراكم الديون على وجدان، لا سيما لدى دائرة الهجرة الإثيوبية، حيث وصلت إلى 5320 دولارا أمريكيا. تقول بحسرة “لا أستطيع سداد هذا الدين، ولكن كيف أشرح لهم ذلك؟ لا أتحدث إلا العربية، وليس لديّ من يُعينني. أملي الوحيد هو أن ألحق بزوجي يوما ما. لكن هذا الانتظار لا يُطاق. أريد فقط أن أعيش حياةً طبيعيةً بعيدا عن الحرب والوحدة. هذا كل شيء”.
“أنا نادم على مغادرتي السودان”
رغم صدور قانون إثيوبي عام 2019 يسمح له بالعمل وفتح حساب مصرفي، لم يتمكن عثمان من إيجاد وظيفة. واليوم، يشارك حلم وجدان “أريد حقا مغادرة إثيوبيا. لمَ لا أبني حياتي في أوروبا أو كندا؟ كنت أتمنى أيضا العودة إلى روسيا”.
في عام 2023، حصل عثمان على تأشيرة دراسة لروسيا، ومكث هناك بضعة أشهر قبل أن يحاول دخول الاتحاد الأوروبي عبر بولندا. لكنه تعرض للاعتقال من قبل حرس الحدود البيلاروسيين في الغابة، وأشعلوا النار في الكوخ الذي احتجزوه فيه، ليمضي الشاب السوداني عدة أشهر في المستشفى لعلاج إصاباته. قبل أن يُرَحَّل إلى السودان، قبيل بدء الحرب.
لا تزال ندوب إصابات عثمان ظاهرة على يدِه، حيث أمضى الرجل السوداني عدة أشهر في مستشفى في بيلاروسيا يُعالج حروقه. المصدر: مارلين بانارا/ مهاجرنيوزفي ظل غياب الدعم الكافي في الدول المجاورة للسودان، يُجبر بعض اللاجئين على مواصلة البحث عن وجهة في أماكن أخرى، بما في ذلك ليبيا وأوروبا، حسبما ذكرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان.
أما أمجد، فيُكافح لتأمين مستقبل أفضل، ويُقرّ وهو يشعر بغصة في حلقه “عندما أرى وضعي هنا، أشعر بالندم على مغادرتي. لكن الحرب تمنعني من العودة. في الشهر الماضي، توفي أحد إخوتي. كل ما أردته هو إيجاد مكان مستقر أستطيع فيه العمل وكسب عيشي. لكن في النهاية، أعتمد كليا على كرم الناس، الذين يدفعون لي ثمن وجبة طعام أو فنجان قهوة، وأحيانا ليلة في فندق. أكاد أن أصاب بالجنون”.