آخر الأخبار

أم درمان… الكوليرا والأسعار تسيطران على أجواء عيد الأضحى

شارك

منصور الصويم

دفع ارتفاع أسعار الأضاحي وانتشار وباء الكوليرا بعض المواطنين في أم درمان إلى الاستغناء عن شراء الخراف، والتبرع بالقليل من المال لمراكز الإيواء والعائلات النازحة المعدمة.

في العاصمة الخرطوم التي استعادها الجيش نهاية أيار/مايو 2025 يعيش الغالبية تحت ظروف اقتصادية سيئة، مع شح المساعدات الإنسانية من المنظمات الحكومية والدولية.

د. مجدي إسحق: التبرع بمال الأضحية لصالح الفقراء أو في حالات الأوبئة يكون لصالح المجتمع وفعل الخير

يقول اختصاصي الطب النفسي، الدكتور مجدي إسحق، إنه فكر قبل أيام قليلة من عيد الأضحى ما بين خيار التبرع ماليًا لصالح مصابي الكوليرا في السودان، أو شراء خروف الأضحية، وقرر تطبيق الخيار الأول والتبرع للمصابين بالوباء.

شهر أيار/مايو 2025 كان كارثيًا بمعنى الكلمة على سكان العاصمة الوطنية للسودان أم درمان، فإلى جانب مشاق الانقطاع الطويل للكهرباء وما رافقه من انقطاع قاسٍ للمياه، تفشى بشكل وبائي مرض الكوليرا، وحول حياة سكان أم درمان إلى جحيم.

ووفقًا لتصريحات رسمية لوزير الصحة الاتحادي أدلى بها لـ”الترا سودان”، شهدت المدينة تسجيل ألف حالة يومية، ومئات الوفيات في ظل انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، جراء الأوضاع التي خلفتها الحرب المستمرة في عامها الثالث.

حيدر بحر الدين، من سكان محلية كرري، أجاب حين سألناه عن استعدادته لعيد الأضحية وأسعار الخراف: “هو في نفس للعيد؟”. ثم استدرك وأضاف في حديث مقتضب لـ”الترا سودان”: “استغفر الله، العيد شعيرة دينية تستوجب الشكر والاحتفال، لكن ما واجهته خلال الفترة الماضية دفعني إلى قول ذلك”.

يوضح حيدر، أنه فقد اثنين من أصدقائه خلال كارثة الكوليرا الأخيرة، توفيا تواليًا في أقل من خمسة أيام. ويضيف: “أنا نفسي أوشكت على الموت جراء الإصابة، وأحمد الله إن نجاني، لذا الآن لا أستطيع التفكير في شيء آخر سوى ما مررت به من تجربة قاسية، وفقد أصدقائي”.

يرى الدكتور مجدي إسحق، أن التبرع بمال الأضحية لصالح الفقراء، أو في حالات الأوبئة يأتي في صالح المجتمع وعمل الخير، بما أنه لا يتعارض مع الفرائض الدينية المستجوبة، ولا يضير دينيًا.

ويوضح إسحق وجهة نظره بقوله: “أركز على أن الفرائض لا يمكن تغييرها، لكن ما عدا ذلك مثل السنة المؤكدة أو محببة أو مستحبات، في مثل هذه الحالات أميل دائمًا إلى أن تحقيق العدالة للمجتمع والآخرين أكثر من تحقيق الشيء الذاتي بالنسبة لي، لذا اخترت التبرع لصالح شراء المحاليل الوريدية ضمن جهود مكافحة الكوليرا في السودان، مقابل أضحية هذا العام”.

أما حسن عثمان، أحد التجار المتعاملين في بيع وشراء خراف الأضاحي في منطقة كرري بأم درمان، فأكد لـ”الترا سودان”، أن القوى الشرائية هذا العام ضعفية جدًا، مرجعًا ذلك لشح “الكاش” بين المواطنين، وإلى الظروف العامة المحيطة بالناس في المنطقة.

يقول عثمان: “الحركة ضعيفة جدًا في الشوارع الرئيسية التي كانت تزدحم بالخراف في كل عام. أما الأسعار فما بين 500 ألف إلى 900 ألف جنيه، وأغلب الخراف استوردت من ولاية الجزيرة، والبعض تمت رعايته محليًا داخل المنطقة، كذلك دخلت أعداد كبيرة من الخراف الحمرية القادمة من شمال وغرب كردفان، إضافة إلى أن “المؤسسة العسكرية”، التابعة للقوات المسلحة، وفرت خرافًا بأسعار مناسبة.

وعن الإشكالات التي تواجه المواطنين، إلى جانب تفشي الكوليرا خلال الفترة الماضية، يقول عثمان: “لا زالت الكهرباء مقطوعة في مناطق واسعة من الريف الشمالي، بداية من ود البخيت والحتانة وجزء من الثلاثين، إلى أن تصل إلى الكلية الحربية، هذا إضافة إلى أزمة حادة في غاز الطهي، إذ يكاد أن يكون معدوماً”.

يقول الدكتور مجدي إٍسحق إن الكثيرين أشاروا عليه أن بإمكانه الجميع بين الفعلين، التبرع بالمال لصالح ضحايا الكوليرا، وتقديم أضحية العيد، إلإ أنه أوضح لهم أن مقصده يختلف، إذ يرى أن “هذا عمل يؤديه في يوم واحد داخل السودان ما لا يقل عن 5 ملايين أسرة. فإذا قلنا إن الحد الأدنى لسعر الخروف مئة دولار، فهنا نحن نتحدث عن مبلغ 500 مليون دولار في يوم واحد!”

ويضيف د. إسحق متسائلًا: “هذا المبلغ الكبير إذا ساعدنا به في السيطرة على مرض مثل الكوليرا بالنسبة لي أفيد، ويمثل مقاصد الشريعة تمامًا، ويحقق العدالة المنشودة دينيًا”.

الفتاوى الدينية، وفقًا للمذاهب الأربعة، لم تحرم التبرع بمال الأضحية لصالح الفقراء أو في سبيل تقديم أعمال الخير للآخرين، وإن قدمت الأضحية على ذلك، لكونها من السنن الدينية المحببة.

الكثير من المغتربين والمهاجرين السودانيين، رأوا هذا العام، أن تبرعهم بأموال الضحية لصالح أهلهم ومعارفهم داخل السودان أفضل من شراء الخراف في أماكن إقامتهم.

تاجر خراف: القوى الشرائية هذا العام ضعفية جدًا، بسبب شح “الكاش”، والظروف المحبطة المحيطة بالناس

النذير سعيد المقيم، في أتاوا بكندا، قال لـ”الترا سودان”، إنه اتفق مع زوجته، وهما وحيدان دون أبناء، على إرسال المبلغ المخصص لشراء خروف الأضحية هذا العام إلى أهلهم في قرى شمال كردفان، على أن يوزع بمعرفتهم على من يحتاجونه هناك.

يأتي العيد على سكان أم درمان ومناطق أخرى في السودان، وقد انحسر وباء الكوليرا قليلًا، ورغم أن آثار الحرب الطاحنة لا تزال تتفاقم يومًا بعد الآخر، إلا أن بسطاء الناس لا يزالوا يأملون في استعادة حياتهم السابقة، بكل ما تحمله من آمال أو أحزان وأفراح بمقدم الأعياد.
ألترا سودان

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا