آخر الأخبار

من فض الاعتصام إلى الدهس بالسيارات في “الخوي” و”الدبيبات”.. إنهم يقتلون بلا رحمة

شارك

(في الليلة السابقة للتنفيذ دعونا إلى اجتماع موسع حضره كل أعضاء المجلس العسكري، حضره كل قادة الأجهزة النظامية والقوات المسلحة، رئيس الأركان ومجموعته، رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، مدير جهاز الأمن الوطني ونائبه، مدير عام الشرطة ونائبه، قائد قوات الدعم السريع، وطلبنا أيضًا من السيد رئيس القضاء والنائب العام أن يحضروا هذا الاجتماع لتقديم المشورة القانونية. كل من ذكرتهم كانوا حضورًا في ذلك الاجتماع، أخذنا الاستشارات القانونية اللازمة في كيفية التعامل في هذه الظروف، وفي مثل هذه المنطقة الحساسة، وشاكرين السيد رئيس القضاء والسيد النائب العام قدموا لنا الاستشارات اللازمة ثم خرجوا.

ومن ثم وجهنا القيادات العسكرية للتخطيط لفض هذا الاعتصام، وفق الإجراءات العسكرية والأمنية المعروفة، القيادات العسكرية ذهبت ووضعت خطتها، ونفذت وحدث ما حدث).

هكذا روى الفريق أول شمس الدين الكباشي تفاصيل التخطيط للمجزرة التي حدثت أمام بوابات القيادة العامة في فجر يومِ الإثنينِ الثالث من يونيو 2019، فاتحًا بذلك قوسًا من الأسئلة حول العقيدة القتالية للقوات النظامية في السودان لم يغلق بعد، ومن يومها ظلت الأسئلة تتناسل، أسئلة دونما إجابات، إلى أن وقعت الطامة الكبرى يوم 15 أبريل 2023، لتضع المواطن السوداني أمام الحقيقة الكبرى، التي حاول الهروب منها لزمان طويل، ألا وهي أن مجموع ما يسمى بالقوات النظامية، هي أكثر فئات الشعب بعدًا عن النظام والالتزام بالقانون، ولاتكترث لشيء اسمه وطن ولا مواطن، ويمكنها أن تدوس في أية لحظة على كل من يقف في وجه مصالحها.

ملمح حقيقي

يعتبر كثير من المراقبين أن جريمة فض اعتصام القيادة العامة هي الملمح الحقيقي الذي ظهر من وجه القوات النظامية السودانية، خاصة أمام مواطني مناطق وسط وشمال السودان، والمدى الذي يمكن أن تصل إليه من الانتهاك البشع لحقوق المدنيين. بهذه الجريمة المركبة بات واضحًا أن هناك خللًا بائنًا في تركيبة هؤلاء الذين يرتدون “الكاكي” ويمشون بيننا في الأسواق، ويلتقوننا في الأفراح والأتراح، وبهم ومعهم نمضي ليالي السمر والمؤانسة.

المسجل من ضحايا جريمة فض اعتصام القيادة يبلغ 200 شهيد، 40 منهم رميت أجسادهم في النيل، بعضهم أحياء، ووثقت كذلك 70 حالة اغتصاب، في فجر يوم من أيام العشرة الأواخر لشهر رمضان. حاول الكثير منا إشاحة وجهه عن ذلك الصباح، هكذا يقول أحد الضباط، وهو لا يزال في الخدمة، فساحة الاعتصام لم تكن موقعًا لعدو، ولا هي تشكل خطرًا أمنيًا واضحًا، ولكن الحديث عنها داخل الوحدات العسكرية ظل عدائيًا جدًا، الكثير من العسكريين ينظرون إلى ذلك المشهد وكأنه تحدٍّ شخصي لهم، كيف لأولئك الشباب أن يظهروا كل هذا القدر من الشجاعة، وهم “مليكون، وأهالي ساكت”. ويمضي قائلًا: “نعم كنت أتفهم موقفهم، فهذا ما درسوه وتعلموه في الكلية الحربية، أن الملكي هو شخص جبان بلا قيمة ولا يمكنه أن يقوم بفعل وطني، يظنون أن مجموع الشابات والشباب الموجودين على بوابات القيادة مجرد مخمورين ومتعاطي مخدرات، لذا لا يكترثون لشبح الموت المخيم أعلى رؤوسهم”. هذا كان المفهوم داخل حاميات الجيش ومعسكراته عن الاعتصام ونظرتهم له، ويشترك في هذا العسكري المؤدلج وغير المؤدلج، عدا قلة قليلة.

قالوا:

يجمع عدد من خريجي الكلية الحربية، على أن كل من يدخل إلى ذلك المبنى يخرج شخصًا آخر، فأول ما يقابله على الباب لافتة كبيرة مكتوب عليها “مصنع الرجال وعرين الأبطال”. ولتلك العبارة وقع كبير في نفوس الطلاب القادمين وهم في أواخر سنين مراهقتهم، فهي مرفوقة مع منهج كامل متكامل يبني في المتخرج إحساسًا بالأهمية، وأنه أرفع درجة من أولئك المدنيين الذين تركهم بالخارج عند دخوله، لذا عندما تنتهي فترة التدريب في الكلية ويعود الطالب إلى مجتمعه وفي كتفه نجمة؛ يعود وكأنه أتى من عالم آخر. يشعر أنه مختلف في ملبسه، مختلف في تعامله مع الآخر، ومختلف في درجة وطنيته، فهو الأحق بالوطن من غيره، وبينما يقول عدد من استطلعناهم من العسكريين السودانيين، وبعضهم لا يزال في الخدمة، إن مناهج الكلية الحربية محتاجة إلى تغيير، لكن يجب أن يسبق ذلك إصلاح سياسي ودستوري شامل في البلاد، ترى الأستاذة في جامعة برانديز والكاتبة الأمريكية المهتمة بالشرق الأوسط، بروفيسور إيفا بيلين، أن الطالب الحربي في كثير من الكليات العسكرية، لا يتلقى تدريبًا كافيًا على احترام المبادئ الدستورية وفصل السلطات وأهمية الحفاظ على الشرعية الديمقراطية، ويركز التدريب غالبًا في الكليات العسكرية على الطاعة العمياء والانضباط العسكري دون تعميق فهم الدور المحدد للجيش كحامٍ للبلاد وليس كحاكم، وفي الاتجاه ذاته يذهب المقدم المتقاعد من الجيش السوداني محمد أحمد محمد نور، عضو الأمانة العامة لتنظيم “تضامن” ويقول لـ “أفق جديد” إن الكلية الحربية السودانية أدخلت العديد من التعديلات على مناهجها غير إنها إلى الآن لم تدخل دراسة القانون الدولي الإنساني، وإلا لم نكن سنرى المشاهد التي تابعناها خلال هذه الحرب، وهي أقل ما توصف أنها مجافية للطبيعة البشرية ناهيك عن القوانين الدولية، ويزيد قائلًا: “تُعزز المناهج التدريبية الشعور بالهيمنة والسيطرة لدى العسكريين، حيث يُدرب الضباط على أهمية القوة في فرض النظام وحماية البلاد، وهذا التركيز على القوة قد يجعل العسكريين يرون أنفسهم في موقع أعلى من السلطات المدنية”. ويعزز المحلل العسكري المصري اللواء متقاعد محمود خلف رؤية بليين ومحمد نور، مؤكدًا في عدد من مقالاته وبحوثه المنشورة، على أن ضعف التربية والتدريب داخل الكليات العسكرية يُعد أحد أسباب التجاوزات التي تقوم بها الجيوش في حق دساتير بلادها، ويضيف إليها أيضًا ضعف المؤسسات الديمقراطية والمدنية.

خلل منهجي

نعم، يمكن أن يكون ميل العسكريين في دول العالم الثالث للانقلاب على الأنظمة الدستورية، دليلاً على وجود خلل في المناهج التدريبية والتعليمية داخل الكليات العسكرية، ولكن هناك عدة أوجه لهذا الخلل المحتمل، يحدد محمد نور واحدًا منها وقد يكون خاصًا بالسودان، وهو تأثر العديد من المنتمين للكلية الحربية بعد استيلاء الإسلاميين على السلطة في العام 1989 بالأدب الجهادي للتنظيمات الإسلامية، الذي يقدس الموت والقتل، إذ تم تغيير جميع الجلالات العسكرية بأخرى تخص هذه التنظيمات، وباتت سيرة قادتها العسكريين يتم تناولها بين الطلاب، حيث يستقطب فعليًا بعضهم للانتماء للإخوان المسلمين، والمؤسف أن هؤلاء العسكريين ينقادون بالكامل للتنظيم وهو المتحكم فيهم بشكل كامل، خاصة وأن تربيتهم العسكرية تجعلهم مطيعين بالكامل لأميرهم في التنظيم، أكثر من قائدهم في الجيش، لهذا بتنا نرى هذه الانتهاكات البشعة التي يجب ألا تخرج من جيوش نظامية مثل بقر البطون وجز الرؤوس وتصفية الأسرى.

تصفية الأسرى وإهانتهم.. سمة الحرب الحالية

يقول عسكريون بعضهم في الخدمة وآخرون متقاعدين أن حرب 15 أبريل هي الأعلى في حروب السودان من حيث معدلات الأسرى، وبالتالي هي الأعلى في معدلات إهانة الأسرى بل تصفيتهم، ورغم التكتم الكبير الذي تفرضه أطرافها على هذه القضية ونفيهما القاطع لحدوثها غير إن فيديوهات مسربة كشفت أن عملية إهانة الأسرى لدى الطرفين وتصفيتهم، هو أسلوب منهجي يتبارى فيه الجنود.

اطلع محرر “أفق جديد” على عدد 8 فيديوهات بتواريخ مختلفة ينفذ فيها جنود تابعين للطرفين عمليات تصفية للأسرى، و24 فيديو يمارس فيها جنود آخرون إهانة معاملة الأسرى.

منذ الأسابيع الأولى للحرب تكشفت بشاعتها وعدم التزام طرفيها بقواعد الاشتباك، والقانون الدولي الإنساني، وبدأت مشاهد قسوتها تنسرب إلى الشعب السوداني عبر الانتهاكات البشعة التي يرتكبها الطرفان، إذ صُدم السودانيون بمقطع فيديو يظهر جنديًا يبدو إنه يتبع للدعم السريع وهو ممد على الأرض، بينما تحرض مجموعة من أفراد يرتدون زيًا مدنيًا للإجهاز عليه، ينبري أحدهم ويستل سكينًا ويذبحه كما الشاة، وفي يونيو من العام 2023، كانت جريمة تصفية والي ولاية غرب دارفور خميس أبكر والتمثيل بجثته، التي نفذتها مجموعة كبيرة من جنود الدعم السريع، وأرفقوها باستباحة كاملة لمدينة الجنينة، وتمت عمليات تصفية واسعة لإثنية المساليت تتحدث بعض التقارير عن أن عدد القتلى ناهز العشرة آلاف مواطن.

وقال تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” نُشر في 17 أغسطس إن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها اغتصبت عشرات النساء والفتيات. وذكر التقرير “يبدو أن المهاجمين استهدفوا الناس لأنهم من عرقية المساليت، وفي بعض الحالات، لأنهم كانوا نشطاء معروفين”.

ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا روايتها بشأن كيف شاهدت قتل أبيها وأمها ثم تعرضها للاغتصاب الجماعي.

وكانت الفتاة -بحسب وصف الوكالة – تتحدث بجمل قصيرة، متجنبة التواصل البصري، وهي جالسة بجانب أختها الكبرى في مخيم اللاجئين المترامي الأطراف الذي أنشئ في أدري، وهي مدينة على الحدود التشادية السودانية. وقالت الفتاة إنه في الساعات الأولى من صباح 27 أبريل، تعرض مخيم النازحين في الجنينة حيث كانت تعيش مع أسرتها للقصف.

ثم وصل مقاتلو قوات الدعم السريع “الجنجويد” سيرًا على الأقدام، وجروا والدها إلى الشارع وأطلقوا النار عليه في صدره. وقالت “والدتي كانت تتوسل لهم يتوقفوا… ضربوها في رقبتها… طشوا (حرقوا) البيت بعد ما كبوا بترول”.

وأضافت الفتاة أنها ركضت مذعورة ومعها حوالي 15 شخصًا إلى مبنى على الجانب الآخر من الشارع واحتموا به، ليقعوا في أيدي مقاتلي قوات الدعم السريع الذين يحتلون المبنى، حبسوها هي وصديقتها في غرفة. وقالت إن الرجال كانوا يرتدون الزي العسكري والقبعات الحمراء الخاصة بقوات الدعم السريع. ولمدة خمس ساعات، تناوبوا على اغتصابها هي وصديقتها، وسمعت صديقتها تصرخ “اقتلني”. ثم كان هناك طلق ناري. وقالت الفتاة “لقد دقوها (أطلقوا عليها الرصاص) لأنها كانت ترد.

وفي أكتوبر من العام ذاته بث جنود يتبعون لكتيبة “البراء بن مالك” المتطرفة فيديو صادم يظهر عددًا من منسوبيها وهم يقتادون شابين وصفوهم بـ”الحثالة”، يجبرونهم على حفر قبرين بأيدهم، ومن ثم يعدمونهم بدم بارد وهم يهللون ويكبرون.

ونشر ناشطون في يناير 2024 مقطع فيديو يظهر مجموعة من جنود الجيش يقودها ضابط برتبة لواء، وهم يرددون شعارات جهادية، ويحملون “سكاكين” وسط جثامين لثلاثة أشخاص بلباس مدني في منطقة قريبة من مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، أشارت تقارير إلى قتلهم ذبحًا بعد الشك في موالاتهم للدعم السريع.

ووعد الجيش في بيان صادر عن ناطقه الرسمي بإجراء تحقيق في واقعة قطع الرؤوس التي حدثت في ولاية شمال كردفان، لكن حتى الآن لم يصدر أي بيان عن الجيش يؤكد إجراء التحقيق.

ولم يخرج السودانيون من صدمتهم جراء فيديو جز الرؤوس ليصدموا في مايو من العام ذاته بتداول مقطع فيديو صادم جديد يظهر جنودًا تابعين للجيش وهم يحتفون بنهش وإخراج أحشاء مواطن تم قتله في منطقة “المناقل” في الجزيرة بوسط البلاد.

وتظهر الفيديوهات جنودًا يوثقون بهواتفهم عمليات “إعدام الأسرى” باحتفاء بائن مما يشي – بحسب خبراء اطلعوا عليها – إنهم لا يخشون عقابًا محتملاً، وبالتالي طبقًا لـ 3 من الخبراء ذلك يؤكد أن عمليات التصفية تحظى بمباركة قيادتهم، وأنهم يشجعونهم على ارتكاب تلك الأفعال.

وفي سبتمبر2024 كشفت فيديوهات اطلع عليها فريق “أفق جديد” أن أكثر من 70 شابًا من شمال الخرطوم تم إعدامهم على يد القوات المسلحة، وكتيبة “البراء بن مالك” المتحالفة معها.

وتحظر القاعدة 113 من القانون الدولي وأكثر من 10 مواد من ميثاق روما الموقع في العام 1949 سوء معاملة جثث الموتى في النزاعات المسلحة، كما تعتبر القاعدة 156 من القانون الدولي الإنساني إساءة التعامل مع الأسرى أو القتلى في النزاعات المسلحة جريمة حرب مكتملة الأركان.

وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنها وثقت إعدامات في ولاية غرب كردفان نفذتها قوات الدعم السريع في يونيو 2024، حيث أظهرت مقاطع فيديو جنودًا من قوات الدعم السريع يعدمون نحو 21 شخصًا، بعضهم يرتدي زي القوات المسلحة والآخر بملابس مدنية، وذلك على مشارف مدينة الفولة بعد سيطرة قوات الدعم على المنطقة.

كما وثقت تقارير لاحقة في أكتوبر 2024 عمليات مشابهة نفذتها قوات الدعم السريع في منطقة مطار بليلة جنوب شرق الفولة، شملت إعدام 14 أسيرًا دون سلاح.

ونفذت قوات الدعم السريع خلال شهر أكتوبر من العام نفسه إعدامات واسعة النطاق في قرى شرق ولاية الجزيرة بحق المدنيين. وقال ناشطون من المنطقة أن عدد القتلى ربما يفوق ألف قتيل.

وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها حيال الانتهاكات المتزايدة، مشيرة إلى أن الطرفين ارتكبا عمليات قتل وإعدامات خارج نطاق القانون.

ويعد توثيق هذه الانتهاكات مطلبًا أساسيًا لمحاسبة المتورطين، وتدعو الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى تحقيقات مستقلة وشاملة لضمان العدالة للضحايا ولوقف الإفلات من العقاب في هذا الصراع المستمر.

دهس بالسيارات:

المتابع لمجريات الحرب يجد أن الانتهاكات فيها تتطور يومًا بعد الآخر، ويتبارى أطرافها في إظهار بشاعتها، ولعل الفيديوهات التي بثها أفراد الدعم السريع لدهس الأسرى بالسيارات، وإجبارهم على تسجيل اعترافات وهم تحت إطارات السيارات تمثل قمة توحش الجنود الذين يخوضون الحرب حاليًا.

أفق جديد

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا