آخر الأخبار

رضوان حسين في بورتسودان… النيل الأزرق لا يجلب الطمي فقط 

شارك

في زيارة مفاجئة وغير معلنة في جدول اللقاءات الرسمية، حلّ مدير جهاز المخابرات الإثيوبي رضون حسين إلى بورتسودان، أمس الأحد 2 يونيو 2025، يرافقه حاكم إقليم تيغراي السابق، ومستشار رئيس الوزراء الاثيوبي لشؤون شرق أفريقيا، قيتاشو ردا.

ووفقًا لما هو معلن قال رضوان حسين، في تغريدة على منصة “إكس”، إنهم نقلوا رسالة رئيس الوزراء آبي أحمد إلى الفريق أول البرهان. وأعرب عن عزم إثيوبيا الراسخ على مساعدة السودان في استعادة السلام والاستقرار، كما شاركوا تجربة إثيوبيا في الوصول إلى السلام مع المسئولين السودانيين.

وتجاهلت وسائل الإعلام السودانية الرسمية زيارة الوفد الأمني الإثيوبي للسودان، بينما نشرت وسائل الإعلام الإثيوبية أخبار الزيارة، التي وصفتها بالمهمة.

تشهد العلاقات بين السودان وإثيوبيا توترات صامتة، وبدا واضحًا أن النيل الأزرق المنحدر من الهضاب الإثيوبية، لا يجلب معه الطمي فقط وإنما المقاتلين، فوفق تسريبات موثوقة، حملت الزيارة ملفًا ملغومًا باتهامات مبطنة لحكومة السودان بدعم عناصر من المعارضة الإثيوبية، وعلى رأسهم فصائل أورومو وتيغراي النشطة في إقليمي بني شنقول وغرب أوروميا.

الزيارة، وفقًا لمصادر متطابقة في إثيوبيا وبورتسودان، لم تأتِ في سياق تنسيق أمني روتيني، بل بدافع قلق أديس أبابا المتصاعد من اتساع رقعة التوترات الداخلية، التي باتت تهدد عرش آبي أحمد نفسه، في ظل اقتصاد منهك، وجبهات مشتعلة من الداخل إلى الحدود مع جيران لم يعودوا حلفاء كما كان يُراد.

اتهامات مباشرة

وفق مصادر مطّلعة، فإن المسؤول الإثيوبي نقل – بشكل غير مباشر – استياء القيادة في أديس أبابا مما اعتبرته “تراخيًا سودانيًا” في ضبط أنشطة معارضين إثيوبيين على الأراضي السودانية، بعضهم منضوون في الحركات المسلحة السابقة، أو في تشكيلات إثنية تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية.

الاتهامات طالت كذلك جهات داخل المؤسسة العسكرية السودانية، يُشتبه في تواصلها مع فصائل إثيوبية مسلّحة تنتمي للتيغراي والأورومو، وتعمل على تخليق جبهة إسناد خلفية ضد آبي أحمد، خصوصًا في المناطق الحدودية المتاخمة للفشقة وبني شنقول.

تصدير الأزمة

وقالت مصادر في الحكومة السودانية، رفضت الحديث علانية، أن زيارة المسؤول الإثيوبي تندرج ضمن مساعٍ مستمرة من قبل آبي أحمد لتصدير أزمته الداخلية خارج الحدود، عبر افتعال أعداء خارجيين وصياغة روايات أمنية تؤسس للتدخل في شؤون الجوار. والسودان، وفقًا للمسؤول، بحدوده المنفلتة ومسرحه السياسي المتشظي، يمثّل الحلقة الأضعف والأكثر قابلية للاختراق والاتهام من قبل حكومة آبي أحمد.

الحائط القصير

ويمضي المسؤول السوداني إلى القول: “لطالما كانت الخرطوم، في نظر دوائر الحكم في أديس أبابا، الحائط القصير الذي يمكن قذفه باتهامات من غير ردع. لكن المعادلات تغيرت. السودان اليوم في قبضة المؤسسة العسكرية التي ترى في سلوك آبي أحمد تهديدًا متعدد الوجوه: من ملف سد النهضة، إلى تمدد نفوذ إثيوبيا في الإقليم عبر تحالفات مشبوهة مع قوى خارجية لا تخفي عدائها للسودان”.

توتر إريتري

الزيارة جاءت أيضًا في توقيت حساس، يتزامن مع تصاعد نبرة التوتر بين إثيوبيا وإرتريا، إثر تحركات عسكرية مريبة على الحدود الشرقية، وحديث عن محاولة أديس أبابا زعزعة الداخل الإرتري عبر دعم معارضين.

حركات مدعومة

لا تقتصر اتهامات إثيوبيا للسودان على دعم التيغراي أو الأورومو فقط، فالحديث يدور أيضًا عن احتضان أو تساهل مع نشاط مجموعات مثل جبهة تحرير بني شنقول، التي تنشط على تخوم سد النهضة، وتطالب بالحكم الذاتي للإقليم.

الى جانب جبهة تحرير قُمُز، وهي فصيل محلي ارتبط اسمه بتمرد محدود النطاق في غرب إثيوبيا، وتتهمه الحكومة الإثيوبية بالتعاون مع جهات خارجية، من بينها سودانيون محليون من النيل الأزرق.

جيش تحرير أورومو (OLA)، الفصيل الأكبر خارج سيطرة حكومة آبي أحمد، الذي تصفه إثيوبيا بـ”الإرهابي”، ويتهمه بارتكاب مذابح ضد المدنيين، خصوصًا في مناطق الأمهرة.. بقايا جبهة تحرير تيغراي، ممن لم يوقّعوا على اتفاق بريتوريا، ويقال إن بعضهم تلقى تدريبات على الأراضي السودانية أو التحق بجبهات القتال إلى جانب الجيش في الجزيرة وولاية القضارف، وأخيرًا في كردفان.

وحتى داخل العاصمة الخرطوم قبل الحرب، كانت هناك مؤشرات على نشاط دبلوماسي شعبي لممثلين عن قوميات إثيوبية معارضة، ضمن بيئة رخوة سمحت بتنامي هذه العلاقات.

سياق تاريخي

ولعل إثيوبيا تدرك أكثر من غيرها أن للسودان سوابق في التأثير على الشأن الإثيوبي. ففي تسعينيات القرن الماضي، احتضنت الخرطوم “جبهة تحرير أورومو” وقادة من “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، كما لعبت دورًا مركزيًا في المفاوضات بين الحركات الإثيوبية المسلحة والحكومة المركزية، قبل أن تنقلب العلاقات لاحقًا.

هذه الذاكرة لا تغيب عن حسابات آبي أحمد، الذي يرى في السودان منفذًا محتملًا لمعارضيه، خصوصًا بعد انهيار السيطرة المركزية على مناطق واسعة من النيل الأزرق.

الحضور الإثيوبي في السودان لا يقتصر على لاجئين مدنيين. فقد رصدت تقارير ميدانية، بعضها صادر عن منظمات دولية، تزايد نشاط مجموعات تنتمي إلى “جيش تحرير أورومو” و”جبهة تحرير بني شنقول”، مع شبهات بتلقّيها تسهيلات لوجستية من عناصر غير رسمية داخل السودان.

كما يتحدث شهود عيان في القضارف وكسلا، عن تكرار حالات عبور لمسلحين يتحدثون لغات التيغراي والأمهرة الحدود ومن ثم يختفون داخل مناطق النزوح، أو يلتحقون بمعسكرات مجهولة الهوية قرب مناطق العمليات.

مرتزقة إثيوبيون

الأخطر في هذا الملف هو ظهور مقاتلين إثيوبيين داخل تشكيلات تقاتل فعليًا إلى جانب الجيش السوداني في ولايات متاخمة للحدود. بعض هؤلاء يُعتقد أنهم عناصر سابقة في جبهة التيغراي، تم استجلابهم بعقود غير رسمية كمقاتلين مأجورين (مرتزقة) تحت غطاء “دعم العمليات الدفاعية ضد قوات الدعم السريع”.

ويشير ضباط ميدانيون ـ تحفظوا على ذكر أسمائهم ـ إلى أن بعض هؤلاء المرتزقة يتميزون بخبرة قتالية ميدانية، وسبق لهم استخدام تكتيكات حرب العصابات، وهو ما يفسر تغيّر طبيعة الاشتباكات الأخيرة في مناطق مثل مدني والقضارف.

ساحة نزاع

كل هذه المعطيات تؤكد أن السودان بات، شاء أم أبى، جزءًا من تعقيدات الصراع الداخلي في إثيوبيا، وامتدادًا غير معلن لصراعات القرن الإفريقي. ما بين الاتهامات والحقائق، تتسع فجوة انعدام الثقة بين الخرطوم وأديس أبابا، وتتكثف المؤشرات على أن العلاقة بين الطرفين تقترب من لحظة انفجار سياسي أو أمني قادم.

أفق جديد

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا