مهمة صعبة تنتظر حكومة كامل إدريس في ظل حالة السيولة الأمنية الجارية، والتي قد تجرف أي إنجازات له على الأرض، فضلا عن أن إدريس لا يملك في واقع الحال زمام القرار أو التحرك بأريحية بعيدا عن تأثيرات المكون العسكري والفلول.
شكل استهداف قوات الدعم السريع للعاصمة المؤقتة بورتسودان، بالتزامن مع أداء رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس، اليمين الدستورية، رسالة بأن الرجل وحكومته لن يكونا بمنأى عن دائرة الاستهداف السياسي والعسكري الفترة المقبلة.
وأعلن رئيس الوزراء السوداني الجديد الأحد أن أولوية حكومته “القضاء التام على التمرد والميليشيات المتمردة”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وشدد إدريس في أول كلمة يوجهها إلى الشعب السوداني على أنه سيعمل على تشجيع الحوار السوداني – السوداني الذي لا يستثني أحدا، وسط تساؤلات حول مدى استعداد الأطراف التي تقف خلفه لدعم هذا التوجه.
وأدى إدريس اليمين الدستورية كرئيس للحكومة أمام رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان السبت، ومن المقرر أن يصدر قرار بإعفاء الحكومة الحالية وتعيين الجديدة خلال أيام.
ويجعل استئناف الضربات على بورتسودان مهمة إدريس أكثر صعوبة، حيث يواجه بتصعيد عسكري وتعقيدات سياسية مع رغبة ميليشيات ومجموعات مسلحة شاركت في الحرب بجانب الجيش في أن تكون ممثلة جيدا في الحكومة الجديدة.
ويشير وصول الطائرات المسيرة إلى بورتسودان مرة أخرى إلى أن تعيين حكومة تحظى بصفة المدنية دون أن يقود ذلك إلى عقد اتفاق سياسي مع قوات الدعم السريع لن يحقق أهدافه، وأن العاصمة المؤقتة للحكومة الجديدة (بورتسودان) ستكون تحت وطأة ضربات تعرقل مهامها، والذي ينصب على إضفاء شرعية دولية عليها، في ظل عدم اعتراف عدد من المنظمات الدولية بالإجراءات التي اتخذها المكون العسكري منذ انقلابه على السلطة المدنية في أكتوبر 2021.
ويرى مراقبون أن توجيه مسيرات انتحارية إلى بورتسودان، يمكن أن يوظفه رئيس الوزراء الجديد لصالحه، ويحاول تسويق استهداف عناصر الدعم السريع لمنشآت مدنية ومواطنين أبرياء، بما يخلق حالة خارجية مؤيدة لوقف هذه العمليات لتأثيرها على الخدمات المقدمة للمدنيين، وبما يثبت للمجتمع الدولي استحالة أن تقوم الحكومة المدنية بعملها بشكل طبيعي مع استمرار الحرب.
ويسعى الجيش السوداني إلى القبض على زمام المبادرة في ما يتعلق بتشكيل حكومة تحمل الصفة المدنية تدعم تحركاتها التسويق لرؤيته بشأن الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، لكن ردة فعل قوات الدعم السريع قد تحدث إرباكا لتلك الرؤية، وتجعل طرفي الصراع يدوران في حلقات مفرغة.
وبعد انقطاع دام نحو أسبوع، عادت الطائرات المسيرة إلى أجواء بورتسودان. ووفق شهود عيان فقد تصدت صواريخ مضادة للطائرات لتلك المسيرات التي كانت تحلق فوق المدينة.
وفيما بدا ردا على تلك الهجمات استهدفت مسيرات يعتقد أنها تابعة للجيش الأحد مناطق لقوات الدعم السريع في غرب السودان.
وتسببت ضربات سابقة للدعم، بدأت مطلع مايو الماضي، في أضرار كبيرة بالمطار الدولي ومحطات توليد الطاقة ومستودعات وقود، ما فاقم التحديات الاقتصادية والإنسانية.
وبدأت تحركات كامل إدريس الخارجية عقب الإعلان عن توليه منصبه بشكل رسمي، واستقبل المبعوث السويسري الخاص لمنطقة القرن الأفريقي السفير سيلفان أستير، وناقش معه آفاق تحقيق السلام والاستقرار في السودان ومنطقة القرن الأفريقي.
وقال رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو إن تشكيل حكومة تطغى عليها الصفة المدنية هو تمويه بعد الانقلاب على الحكومة المدنية قبل أربع سنوات، ومنذ ذلك الحين وقعت إدارة شؤون البلاد تحت سيطرة قيادة الجيش، ومهما كان الأمر يتعلق باستقطاب المدنيين لشغل مواقع تنفيذية، فإن ذلك لا يوفر في النهاية فرصة لتحقيق إنجازات، لأن رئيس الحكومة الجديد تم تعيينه من قبل الجيش ولا يملك تفويضا شعبيا.
وأوضح الحلو في تصريحات لـ”العرب” أن الإنجاز الملموس الذي يمكن أن يحققه إدريس هو وقف الحرب من خلال التفاوض، وفي تلك الحالة تتحقق مطالب جميع السودانيين، وإذا شغل وقته بتقديم الخدمات الحكومية والانغماس في المشكلات الحياتية، فلن يكون له تأثير إيجابي، فالحكومة التي سبقته حاولت تقديم بعض الخدمات وفشلت بسبب استمرار الحرب.
وأشار إلى أن المسيرات التي تأخذ طريقها إلى بورتسودان، من المتوقع أن تصاحبها مسيرات سياسية، لأن قوات الدعم السريع لن تسكت طويلا وستعمل بأسلوب رد الفعل عبر تشكيل حكومة موازية، ما يقود إلى تدهور الوضع العام، لأن طرفي الحرب انقلبا على الحكومة المدنية، ولا أفق لاعتراف دولي بهما، وسوف يحتاج الأمر إلى وقف الحرب عبر التفاوض المباشر على أن تشرف عليه هيئة سودانية بدعم دولي.
الجيش السوداني يسعى إلى القبض على زمام المبادرة في ما يتعلق بتشكيل حكومة تحمل الصفة المدنية تدعم تحركاتها التسويق لرؤيته بشأن الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين
ويسير البرهان في الطريق المقابل، إذ أكد أن الحرب ضد “المتمردين” مستمرة، ولن تتوقف إلا بالقضاء عليهم، في إشارة إلى الدعم السريع، والحكومة ماضية في استكمال خارطة الطريق المرسومة والمطلوب تحقيقها خلال الفترة الانتقالية.
وتساعد السيولة الأمنية على زيادة وتيرة الكر والفر بين الجيش والدعم السريع في مناطق متفرقة، ومع القدرة على توظيف الطائرات المسيرة لاستهداف مناطق حيوية سيجد الجيش نفسه في موقف حرج، ويحاول تصدير صورة مفادها أنه قام بتشكيل حكومة مدنية تتجاوز ما يفرضه الصراع من تطورات على الأرض.
كما أن قوات الدعم السريع من الممكن أن تتجه إلى أساليب توصف بأنها انتحارية كي تحافظ على توازنها العسكري، بشكل يمكنها من بعثرة خطط الجيش.
وشدد إمام الحلو في حديثه لـ”العرب” على أن الدعم السريع بعثت برسالة إلى رئيس الوزراء الجديد بأنه ليس في مأمن من ضرباتها، وأن توازن القوى الذي قد ينجم عن وجود حكومتين بلا اعتراف دولي بهما يحول السودان إلى ملهاة، مع مخاوف من أن يخضع الاتحاد الأفريقي لمساومات تدفعه إلى الاعتراف بحكومة عسكرية، وتطالبه القوى المدنية بأن يلتزم بقوانينه بشأن التعامل مع الإطاحة بحكومات ديمقراطية بالقارة.
وأكد أن رئيس الحكومة الجديد كامل إدريس أمام مسارين، إما أن ينغمس في جهود إدارية لا طائل منها، لأن الحرب تقتلع كل تقدم على الأرض، أو يتجه إلى أداء مهام سياسية في الداخل والخارج، وهو أمر مستبعد لوجود قوى داخل معسكر الجيش تعمل على إيقاف تحركاته، وتملك اتخاذ القرار (في إشارة إلى فلول نظام البشير وحلفائهم من الإسلاميين)، وسوف يصطدم بصخرة كبيرة تدفعه إلى التنحي أو الاستمرار وفقا لصيغة العمل الإداري البحت.
وعقد البرهان لقاء رسميا مع رئيس الحكومة الجديد عقب أداء القسم، تطرق إلى تطورات الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية، وأكد إدريس حرصه على استدامة التناغم بين مجلسي السيادة والوزراء، معتبرا أن التعاون الحكومي ضروري لتحقيق الرفاة الاجتماعي وخدمة المواطن السوداني.