آخر الأخبار

ولايات كردفان منطقة صراع استراتيجي ومفتاح النفوذ نحو عمق السودان الغربي

شارك

تحولت رمال وغابات السافانا الفقيرة في كردفان إلى ساحات معارك مفتوحة ومتقلبة النتائج بين الجيش والدعم السريع وهما اللذان خاضا مواجهات ضارية وتبادلا السيطرة خلال الأيام الفائتة على عدة مواقع ومدن وبلدات استراتيجية في سبيل إحكام السيطرة على عموم مناطق غرب السودان.
وتمتد جبهات القتال في كردفان من مدينة بارا والقرى المحيطة بها في شمال الإقليم المنقسم إلى ثلاث ولايات مروراً بمحاور بالخوي والنهود وأبو زبد وبابنوسة في الغرب والدبيبات في الجنوب، إلى جانب جبهة أخرى لا تقل شراسة في الجنوب الأقصى بين الجيش وقوات الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو التي أعلنت تحالفها مع قوات حميدتي.
ويعتزم الجيش الذي رجح موازين القوى لصالحه، ونجح الأسبوع الماضي في بسط سيطرته الكاملة على العاصمة الخرطوم وكل مناطق وسط السودان، التقدم بثقله إلى كردفان وفتح الطرق وربط خطوط الإمداد مع قواته التي ظلت محاصرة منذ اندلاع الحرب في بابنوسة والدلنج بالإضافة إلى استعادة المدن والبلدات التي فقدها وذلك قبيل الاندفاع نحو دارفور وفك الحصار عن مدينة الفاشر.
بينما تسعى الدعم السريع إلى قطع سلسلة انتصارات الجيش وإعادة الروح المعنوية لعناصرها والمتحالفين معها ووقف تقدم قوات متحرك الصياد التابع والحركات المسلحة والكتائب المساندة الأخرى التي تحاول زعزعة قوات حميدتي وضربها في مناطق عمقها الاجتماعي.
وتفيد تطورات الأوضاع العسكرية وقوع معارك شرسة الخميس في مدينة الدبيبات بولاية جنوب كردفان انتهت بإعلان الدعم السريع إعادة السيطرة على المدينة بعد تكبيد الجيش والقوات المساندة له خسائر فادحة مؤكدة عبر بيان لها إنها عازمة على استعادة جميع المناطق التي يسيطر عليها الجيش.
وقال مصدر ميداني لـ«القدس العربي»، إن الدعم السريع توغلت بعد سيطرتها على الدبيبات شمالاً واستطاعت كذلك الاستيلاء على بلدة الحمادي التي كان قد استولى عليها الجيش يوم 13 آيار/مايو الماضي. بينما تراجع الجيش إلى منطقة كازقيل.
ولفت المصدر إلى أن الطيران الحربي التابع للجيش نفذ ضربات متعددة على تجمعات قوات حميدتي داخل مدينة الدبيبات ظهر الخميس ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود والضباط من ضمنهم إصابة قائد الدعم السريع الأبرز في كردفان الصادق ماكن.
ونوه إلى أن الدعم السريع ظلت تحشد طيلة الأيام الماضية قوات ضخمة من كردفان ودارفور ودفعت بعدد من قادتها ووجوهها الإعلامية المعروفة إلى محاور القتال المختلفة في كردفان بهدف صد أي تقدم للجيش واستعادة بعض المناطق المهمة.
وتكمن أهمية الدبيبات التي كانت ساحة متبادلة للسيطرة بين الأطراف المتقاتلة في أنها مدينة استراتيجية تربط ولايات الإقليم الثلاث «شمال كردفان وغرب كردفان وجنوب كردفان»، كما أن السيطرة عليها من قبل الجيش تعني مباشرة فتح الطريق نحو مدينة الدلنج وفك الحصار عن قواته المتواجدة هناك والتي خاضت في فترات سابقة جولات قتال عنيف مع الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها.
بالتزامن، حاولت أيضا قوات حميدتي شن هجوم مباغت وبأعداد كبيرة على دفاعات الجيش والقوة المشتركة للحركات المسلحة في مدينة الخوي بولاية غرب كردفان، وقال مصدر محلي لـ«القدس العربي»، إن الدعم السريع في بداية المعركة أحرز تقدما ووصلت حتى أطراف المدينة لكن الجيش وبمعية القوات المساندة له نفذ التفافاً ناجحاً وكبدها خسائر في الأرواح والعتاد.
في سياق متصل، قالت القوة المشتركة للحركات المسلحة في بيان لها يوم الخميس، إنها حققت نصرا جديداً وكاسحاً في محور الخوي لافتة إلى وقوع المعركة على بعد كيلومترات من المدينة.
وأشار البيان إلى مقتل 344 من عناصر الدعم السريع بينهم قادة إلى جانب تدمير 67 سيارة دفع رباعي قبل أن تلوذ بقية قواتها بالفرار.
وكانت الخوي قد شهدت مواجهات سابقة بين الطرفين كان أشرسها يوم 13 آيار/مايو الماضي حيث فرض الجيش والقوات المساندة له سيطرتهم على المدينة بعد تحقيق انتصار كبير على الدعم السريع.
وتعرف الخوي أنها نقطة دفاع متقدمة عن مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان بالإضافة إلى موقعها المحوري ومواردها الاقتصادية المتمثلة في أسواق الصمغ العربي والمحاصيل المهمة وتجارة الماشية.
ويقول متابعون، إن هجمات الدعم السريع على مدينتي الدبيبات والخوي متوقعة وذلك لفهمها خطورة انفتاح الجيش وسيطرته على تلك المناطق وما يمكن أن يسفر عنها من تحولات كبيرة في مسرح العمليات في إقليمي كردفان ودارفور.
وقال الناشط المحلي في كردفان، محمد الأمين لـ«القدس العربي»، إن الدعم السريع يبني خطته على عدم التفريط في غرب كردفان والدبيبات لأنها مناطق نفوذها، وما تظن أنها حاضنتها الاجتماعية وأن حديث قائدها برشم، عن اختلاف طبيعة القتال بين الأهل والعشيرة عن المناطق الأخرى ما هو إلا دليل على ذلك.
رأى الأمين، أن الدعم السريع يمكن أن تتنازل عن شمال كردفان حتى مناطق بارا وجبرة الشيخ والمزروب إذا اضطرت لذلك، مرجحاً أنها لن تستميت في القتال داخل ديار قبائل الكبابيش ودار حامد وما أحداث أمندرابة إلا بداية.
ويذكر أن قوات المقاومة الشعبية ـ من أبناء قبيلة الكبابيش ـ أعلنت الخميس عن فرض سيطرتهم على منطقة أم اندرابة وذلك عقب معارك عنيفة استمرت ليومين أسفرت عن هزيمة الدعم السريع وطردها من المنطقة وذلك رداً على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات حميدتي المنسحبة من الخرطوم بحق الأهالي ما دفع سكان وأبناء القبيلة للدفاع عن مجتمعهم.
ويشير الأمين إلى أن عقيدة الدعم السريع القتالية هجومية وليست دفاعية، بالتالي من الممكن أن تتوغل قواتها مرة أخرى – إذا تهاون الجيش – إلى مناطق الرهد أبودكنة وأم روابة وجعلها خط دفاع متقدم لمناطق نفوذها وما تعتقد أنها حواضنها في غرب كردفان ومحلية القوز في جنوب كردفان.
وفي خطوات تعبوية متصلة بما يدور في جبهات القتال في كردفان، أعلنت عدد من الإدارات المدنية التابعة للدعم السريع الأسبوع الماضي الاستنفار لجميع الفئات في ولاية جنوب وشرق دارفور وغرب كردفان وبررت الخطوة نسبة إلى الظروف الطارئة التي تمر بها البلاد والتهديدات التي يشنها العدو في إشارة للجيش. وحسبما أفاد شبكة أطباء السودان وعدد من المنظمات الحقوقية والمحلية أن قوات حميدتي احتجزت عشرات الشباب في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور وأجبرتهم على الاختيار بين القتال في صفوفها أو دفع فدية مالية.
وقال رئيس تنسيقية أبناء المحاميد، أنور أحمد خاطر لـ«القدس العربي»: «قيادة الميليشيا تعاني من ضغوط كبيرة من قبل الكفيل الذي يرعاها ولا تستطيع أن تأخذ أي خط رجعة على الإطلاق، وذلك يتضح في خطاباتها الأخيرة واستفزاز الشباب والقبائل عن طريق مفردات وعبارات لها حساسية مفرطة داخل المجتمعات القبلية والرعوية» مشيراً إلى أن إعلان الاستنفار واستمراره هو نتيجة لتلك الخطابات بالإضافة إلى المخاوف التي تبثها قيادات الدعم السريع داخل المجتمعات في دارفور وكردفان حول رسم صورة أن الجيش هو العدو الأول للقبائل العربية وهو الأمر الذي استطاعت أن تجعل منه نمط راسخ في أذهان مجموعات قبلية مغيبة تماماً إلى جانب أن استمرار الاستنفار يتم عن طريق الإغراءات المالية الضخمة التي تقدمها الدعم السريع.
ويقول خبراء عسكريون، إن محاور القتال في كردفان قد تشهد سجالا ومعارك كر وفر لفترة، لكن متى ما استطاع الجيش اقتحام النهود أو الوصول إلى بابنوسة والربط بين قواته المتواجدة هناك فإنه لن يواجه أي عوائق تذكر حتى مدينة الجنينة في أقصى غرب البلاد لكنهم في الأثناء يتوقعون أن تستميت الدعم السريع في مواجهة الجيش وتأخيره عن إحراز أي تقدم في كردفان بأقصى ما تملك، وربما تقوم ببعض المغامرات والمفاجآت إلى جانب تركيزها على استخدام المسيرات الاستراتيجية في ضرب عمق مدن السودان أو حتى المتحركات الأكثر فاعلية بالنسبة لها في هذه الأحيان.
أما بالنسبة للجيش فإنهم يشيرون إلى أن الأهداف العملياتية التي يتبناها في هذه المرحلة خلال معارك كردفان تتمحور في استنزاف العدو وانتخاب وتدمير أهداف مؤثرة قبل السيطرة على الأرض بالتالي يفهم تراجع أو تقدم القوات في هذا السياق.
ضابط سابق كان يحمل رتبة رفيع في الجيش السوداني قال لـ«القدس العربي»، إن الدعم السريع في بداية الحرب احتلت الخرطوم وأجزاء من الجزيرة وسنار والنيل الأبيض ودافعت عنها باستماتة باعتبار أن منطقة كردفان ودارفور مضمونة بالنسبة إليها وكانت خطتها الأولى إنهاء المعركة وإعلان حكومتها من الخرطوم.
لكن دافع الجيش عن وحدته العسكرية وأعلن الاستنفار وحشد قدرته واستطاع تدمير قوتها الصلبة ووصلت الدعم السريع مرحلة الإنهاك والتعب مع تدمير آلياتها وقدراتها لدرجة استطاع بعدها الجيش استئناف وتطوير عملية الدفاع إلى عمل هجومي بدأ من جــبل موية وسنار مروراً والجزيرة والخرطوم.
وأضاف: «الدعم السريع بعد فقدانها للخرطوم كانت خطتها فصل دارفور وإعلان حكومة موازية هناك وأن العمق الدفاعي بالنسبة لها هو إقليم كردفان الذي لو سقط في يد الجيش فإن ذلك سيسهل عليه اقتحام دارفور بصــورة سلــسة وسريعة لذلك حشدت كل قواتها مواجهة الخطر القادم إليها مبكراً.
وأوضح أن الجيش مارس الكثير من أشكال المناورة في الناحية التكتيكية مثل الالتفاف والاستدارة، واستطاع النجاح في ذلك حتى وصل تخوم بارا وفك الحصار عن مدينة الأبيض واندفعت قواته حتى وصلت الخوي والدبيبات.
ولفت إلى أن الدعم السريع يستغل وجود حواضن في غرب كردفان وبعض المناطق في جنوب كردفان ويعمل على الحشد لمنع تقدم الجيش الذي قال أنه يعمل عبر تحركات منضبط ليست عشوائية وعندما يتم الضغط عليها في أي مكان يحسب قواته إلى مكان آخر تماشياً مع خطط غرفة العمليات وعلى أساس المحافظة على القوات والآليات ولياقة الجنود.
وبين الضابط أن هناك أربعة محاور رئيسية يتخذها الجيش للوصول إلى دارفور، أولها المحور الذي يبدأ من الأبيض ومروراً عبر بابنوسة وعديلة ووصولاً إلى الضعين ونيالا وهو أصعب المحاور نسبة لانتشار مجموعات موالية للدعم السريع من قبيلتي المسيرية والرزيقات على طول المنطقة.
أما المحور الثاني يبدأ أيضا من الأبيض مروراً بالخوي والنهود ثم أم كدادة انتهاء بمدينة الفاشر وهو الأسهل حسب وصفه، لأنه يمتد في مناطق غالبية سكانها لا ينتمون إلى المجموعات ذات الثقل الاجتماعي المؤيدة للدعم السريع. بالإضافة إلى أنها تتصل ببعضها عبر شوارع وطرق معبدة وليست وعرة.
المحور الثالث الذي أشار إليها يبدأ من مدينة بارا مروراً بالمزروب وسودري وأبوزعيمة ثم حمرة الشيخ وصولاً إلى شمال دارفور، أما الرابع فهو ينطلق من الدبة عبر الصحراء وصولاً إلى مدينة المالحة.
وتوقع الضابط السابق في الجيش أن تكون أشرس المواجهات في المحورين الأول والثاني، وأن تستمر المعارك لفترة طويلة هناك، لكنه في الوقت نفسه جزم بقدرة الجيش والخطط التي يضعها في تحقيق النصر، منوهاً إلى أن الجيش سوف يكثف في هذه المرحلة من هجماته عبر الطيران والمدفعية بغرض ضرب عمق الدعم السريع مع التقدم الحذر والمحافظة على القوات والمعدات وتحقيق أهدافه العملياتية بأقل الخسائر.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا