تشهد ولايتا جنوب وغرب كردفان معارك ضارية بين القوات المسلحة السودانية و القوة المشتركة من جهة ومليشيا الدعم السريع من جهةٍ أخرى ، أسفرت عن تغيرات متسارعة في خطوط التماس، وتبادل متكرر للسيطرة على مدن رئيسية مثل الدبيبات والخوي، وفق ما أفادت به مصادر ميدانية وتقارير إعلامية متقاطعة.
ففي تطور ميداني لافت، انسحبت القوات المسلحة السودانية، الخميس وصباح الجمعة، من مدينتي الدبيبات والخوي، بعد مواجهات وُصفت بأنها من الأعنف خلال الأسابيع الأخيرة. وفي الوقت الذي تحدثت فيه مصادر محلية عن “انسحاب تكتيكي” للقوات بغرض إعادة التموضع أو تنفيذ كمائن لاحقة، أكدت تقارير ميدانية أن المعارك أسفرت عن خسائر كبيرة في صفوف مليشيا الدعم السريع، قبل أن تتمكن الأخيرة من دخول المدينتين مؤقتًا.
خلال هذه المعارك، فقدت القوات المسلحة السودانية أحد أبرز قياداتها العسكرية، حيث استشهد اللواء الركن مهندس إيهاب محمد يوسف الطيب في معركة الخوي. وكان اللواء الطيب يشغل منصب قائد متحركات تحرير كردفان، ومدير إدارة نظم المعلومات والإحصاء، كما تولى قيادة سلاح الإشارة بالإنابة. وهو أحد خريجي الدفعة 40 من الكلية الحربية، وارتبط اسمه بالعديد من العمليات العسكرية النوعية في إقليم كردفان ووسط السودان. وقد نُعي من قبل زملائه باعتباره من القادة الذين جمعوا بين المهنية والانضباط في التخطيط الميداني.
في سياق متصل، دفعت القوة المشتركة بتعزيزات قيادية إلى جبهة كردفان، حيث تولى الفريق عبد الله بشير جالي، المعروف بـ”عبد الله جنا”، قيادة متحرك القوة المشتركة في المنطقة. يُعرف الفريق جالي بخبرته الواسعة في العمليات الميدانية، وقدرته على التنسيق الفعال بين مختلف الوحدات العسكرية ، و هو القائد العام لحركة تجمع قوى تحرير السودان الذي يرأسه عبدالله يحي عضو مجلس السيادة الانتقالي ، وقد أظهرت صور ومقاطع فيديو حديثة مشاركته الميدانية في قيادة القوات خلال معارك تحرير مدينة الخوي، مما يعكس التزامه بقيادة العمليات بنفسه. يُذكر أن الفريق جالي قد رفض عروضًا مغرية من مليشيا الدعم السريع للانضمام إليها ، مؤكدًا ولاءه الكامل لـالقوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة .
بحسب تحليل نشرته صحيفة الطابية، فإن تراجع القوات المسلحة السودانية لا يُعد مؤشراً للهزيمة، بقدر ما يعكس نمطاً تكتيكياً اعتمدته القيادة العسكرية خلال العامين الماضيين، يرتكز على “الانسحاب الذكي” لإعادة التمركز وتقليل الخسائر وضرب الخصم في نقاط ضعفه.
ويرى الكاتب الصحفي حليم عباس أن نقل المعركة إلى كردفان كان خياراً استراتيجياً مدروساً، نظراً لانفتاح خطوط الإمداد العسكري مقارنةً بمدينة الفاشر المحاصرة. ويضيف أن خوض المعركة في منطقة يستطيع الجيش تعويض خسائره فيها يمنحه ميزة إدارة الصراع بنَفَس طويل، دون التقيد بنتائج مؤقتة مثل التقدم أو الانسحاب.
في المقابل، دفعت مليشيا الدعم السريع بتعزيزات ضخمة نحو كردفان بقيادة النور قبة ، في محاولة لتحقيق اختراق ميداني واستباق أي هجوم واسع من جانب القوات المسلحة والقوة المشتركة والقوات المساندة. ووفقًا لتقارير من راديو دبنقا، فإن السيطرة على الدبيبات جاءت بعد قتال عنيف، في حين أعلنت القوات الحكومية لاحقًا استعادتها للمدينة، مما يدل على استمرار المعارك دون حسم نهائي.
وفي مدينة الخوي، هاجمت مليشيا الدعم السريع المدينة بقصف مدفعي، إلا أن القوة المشتركة أعلنت صد الهجوم وتدمير آليات مقاتلة تابعة للمهاجمين، بحسب ألترا سودان.
يرى د. محمد عمر، أستاذ العلوم السياسية، أن معركة كردفان تُعد لحظة فاصلة، حيث نجحت القوات المسلحة السودانية في استدراج مليشيا الدعم السريع إلى ساحة قتال مفتوحة، في ظل إنهاك الأخيرة بسبب معارك متتالية في ولايات الوسط والعاصمة.
وبحسب عمر، فإن مليشيا الدعم السريع حشدت كل ما تبقى من قوتها، بما في ذلك مرتزقة من دول مجاورة ومجندين من بعض قبائل دارفور، ودفعت بهم في معركة وصفت بـ”معركة البقاء”، إما لتحقيق كسر مفصلي في صفوف الجيش، أو الانهيار التام لقواتها.
في ظل هذه الظروف، وصلت إلى كردفان قوات درع السودان بقيادة أبوعاقلة كيكل لتعزيز الدفاعات، كما تولى الفريق خالد الشامي، نائب رئيس الأركان، إدارة غرفة العمليات من مدينة الأبيض، في إشارة إلى أن قيادة المعركة انتقلت إلى مركز أكثر قربًا من الجبهة.
ويرى مراقبون أن المعركة قد تستمر لأسابيع، في ظل ما يصفه البعض بـ”حرب استنزاف”، حيث يحاول كل طرف إنهاك الآخر قبل الحسم. وفي هذا السياق، اعتُبر استشهاد اللواء إيهاب محمد يوسف الطيب دليلاً على حجم المواجهات وخسائرها حتى في صفوف القيادة.
رغم تبادل السيطرة على الأرض، يبقى المؤشر الحاسم هو قدرة القوات المسلحة السودانية على الحفاظ على تماسكها وتفوقها اللوجستي، بينما يبدو أن مليشيا الدعم السريع تخوض آخر معاركها في ظل محدودية الإمداد وتناقص قدرتها على فتح جبهات موازية.
تستمر المعارك في كردفان كحلقة مفصلية في الحرب السودانية، بينما تزداد معاناة المدنيين وسط التدهور الإنساني، وتراجع الخدمات، وتزايد موجات النزوح، في انتظار نهاية لم تُكتب بعد.
وبينما تتبادل الأطراف السيطرة والاتهامات، يبقى المدنيون هم الخاسر الأكبر، في انتظار نهاية لمعركة مفتوحة قد تطول، لكنها تحمل بذور الحسم.
المصدر: سودان حر ديمقراطي