المكتب الإعلامي – شروق
ظلت مدينة القضارف تعاني من شح مياه الشرب منذ ستينات القرن الماضي.
وفرت محطة تنقية الشواك عند تأسيسها في العام 1970م، إنتاجية مياه تبلغ حوالي 9 ألف متر مكعب في اليوم. ولكن ظلت المشكلة قائمة، إذ أن المدينة ظلت تتوسع وسكانها يتزايدون باستمرار.
لذلك لما بدأ العمل في تشييد سدي أعالي عطبرة وسيتيت في العام 2010، خاطبت إدارة هيئة مياه ولاية القضارف، الهيئة العامة للمياه للموافقة على تشييد محطة تنقية لإمداد مدينة القضارف من مجمع السدين، ووافق وزير الري على المشروع.
سعت الهيئة العامة للمياه في إيجاد تمويل للمشروع من بنك التنمية الإسلامي بجدة، ووافق البنك على تمويله. عليه أجرى فريق مشترك من البنك، والهيئة العامة للمياه، وهيئة مياه الولاية – الدراسة الأولية للمشروع التي تم بموجبها تحديد تكلفة التمويل. واقيمت ورشة لانطلاقة المشروع في سبتمبر 2011 بالخرطوم.
بعد الدراسة باشر مدير وحدة تنفيذ المشروع، والذي وافق على تعيينه البنك والمالك ولاية القضارف – باشر مهامه الفنية والترتيبات الخاصة بالحصول على الخدمات الاستشارية للمشروع وفق شروط العطاءات العالمية.
ولكن فجأة في العام 2012، وبدون مبررات، خاطبت ولاية القضارف، ممثلة في الوالي المكلف الضو الماحي، وزارة الكهرباء والموارد المائية، بأن تتولى وحدة تنفيذ السدود، مشروع الحل الجذري لمياه مدينة القضارف، تنفيذا واشرافا بالكامل، بدلا عن ولاية القضارف. وأخطرت الهيئة العامة للمياه بهذا القرار.
وكان قد تم تأسيس وحدة تنفيذ السدود مع إنشاء سد مروي، لتكون تابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية ولا تتبع لوزارة الري. وكانت وحدة تنفيذ السدود إحدى المؤسسات المدللة لنظام البشير، والتي لا تخضع للمساءلة والمراجعة.
تم توقيع عقد التنفيذ مع الشركة الصينية للمياه والكهرباء CWE في مايو 2014 بمبلغ 57 مليون دولار لتكون مقاولا للمشروع. وتم توقيع عقد الخدمات الاستشارية مع شركة لامير الألمانية العالمية. َوأضحى الإشراف الفني لوحدة تنفيذ السدود، أما ولاية القضارف فقد أمست مالكا لا شأن له في تنفيذ المشروع.
بدأ تنفيذ المشروع، حسب العقد، في يوليو 2014م، وها قد مرت 11 عاما دون أن يشرب المواطنون بالقضارف بل زادت معاناتهم أضعافا مضاعفة.
لذلك لم يكن غريبا على منتدى شروق الثقافي ان يضع قضية (مشروع الحل الجذري لمياه مدينة القضارف و25 قرية من محلية وسط القضارف) على طاولة النقاش في منبره الأسبوعي السبت الماضي على منصة قوقل ميت.
قال السكرتير الثقافي للمنتدى – ورئيس الجلسة – الأستاذ عمر عمارة أبو عاقلة إن منبر شروق منذ نشأته ظل يهتم بالقضايا الحيوية للمواطنين، لا سيما المياه، لذلك كان موضوع المياه حاضرا في المنبر الأسبوعي الأَول للدورة 18، وأوضح عمارة أهمية المنبر مع تفاقم أزمة المياه الخانقة، التي زادت معاناة المواطنين في ظل الظروف المعيشية بالغة السوء، جراء الحرب الدائرة. وأكد عمارة على دعوة عدد من المسؤولين في الحكومة، الذين لهم علاقة بملف المياه، للتحدث في هذا المنبر، ولكنهم اعتذروا جميعا. وقال إن ممثلي اللجنة التمهيدية للحل الجذري لم يحضروا رغم موافقتهم على المشاركة.
أكد المتحدث الرئيس في المنبر الأستاذ عادل إسماعيل عركي – الخبير في قضايا المياه والزراعة – إن والي القضارف الضو الماحي هو المسؤول عن تحويل مشروع مياه مدينة القضارف وقرى وسط إلى وحدة تنفيذ السدود، وبذلك أصبحت ولاية القضارف مالكا للمشروع، ولكنها ليس لديها مسؤولية في تنفيذه. وبالتالي لا تستطيع التصرف فيما يخص الخط الناقل للمياه من السد إلى مدينة القضارف، والذي يعاني من مشاكل جمة.
وقال عركي أن الشركة الصينية بدأت تنفيذ الخط الناقل في العام 2014م، للمشروع الذي يفترض أن يوفر 150,000 متر مكعب من الماء يوميا، والتي ستتم في مرحلتين توفير 75,000 متر مكعب في المرحلة الأولى، وتوفير 75,000 متر مكعب أخرى في المرحلة الثانية. وقال إن نسبة التنفيذ بلغت 96%، بعد 12 سنة من بداية العمل! ولم يتبق من الخط الناقل سوى كيلو ونصف الكيلو وأشياء أخرى قليلة، ليكتمل الخط.
وشرح عركي طريقة العمل بأن المقاول ( الشركه الصينية) يشتغل، الاستشاري (لامير) يحرر شهادة إنجاز، بنك التنمية جدة يدفع للمقاول. وحكومة السودان، ممثلة في وزارة المالية، تدفع لبنك التنمية جدة.
وأوضح عركي لقد تبقى للمقاول مبلغ 11 مليون دولار، من جملة 57 مليون دولار. ولكن ليست هذه هي المشكلة، إذ أن للمقاول الصيني استحقاقات أخرى. لأن الشركة الصينية لا تعمل على تنفيذ مشروع مياه مدينة القضارف وحده، وإنما للشركة مشاريع أخرى مثل سد سيتيت ومتبقى لهم مبلغ 20 مليون دولار وشهادة الإنجاز وغيرها. ووزارة المالية الاتحادية لم تف بالتزاماتها تجاه بنك التنمية الإسلامي بجدة.
وكان بنك جدة قد قفل الاعتماد البنكي بسبب فشل وزارة المالية في التسديد. وبعد وساطة من بعض أبناء القضارف لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فتح البنك الاعتماد لمشروع مياه القضارف ومشروع حلفا، ولكن الشركة الصينية تلكأت وتعمدت عدم إكمال الخط الناقل حتى انتهاء فترة فتح الائتمان، متعللة باعتصام الشميلياب، وهو الاعتصام الذي حدث بسبب سوء إدارة الوالي محمد عبد الرحمن محجوب وصراعه مع اعيان قرى وسط وفي مقدمتهم المك متوكل دكين.
إن الشركة الصينية، في حقيقة الأمر، أضحت تستخدم مشروع مياه القضارف ككرت ضغط للحصول على بقية مستحقاتها من المشاريع الأخرى.
وكشف عركي أن الاستشاري (شركة لامير الألمانية) استلمت 13% فقط من استحقاقاتها البالغة 2 مليون يورو حسب العقد.
وعليه – وفقا لعركي – فإن كلام الوالي ود الشواك مؤخرا عن توفير مبلغ 11 مليون دولار في بنك السودان للمقاول الصيني، باعتباره حلا للمشكلة فإنه كلام ليس له أساس من الصحة، ولن ينطلي على العارفين ببواطن الأمور، إذ أن بنك التنمية الإسلامي بجدة قد قفل الائتمان، وبالتالي لا يمكن التسديد للشركة الصينية، إلا إذا أوكل البنك وزارة المالية لدفع مستحقات المقاول مباشرة. وأكد عركي ليس أمام الحكومة سوى تسديد كل ديونها لبنك جدة، وليس ال 11 مليون دولار فقط؛ أو أن تقوم بتأميم المشروع ووضع يدها عليه.
وكشف عركي مصيبة إضافية إذ أن الخط الناقل تعرض لنهب شديد من بعض ضعاف النفوس الذين سرقوا أجهزة ومعدات بملايين الدولارات ليحصلَوا منها على النحاس الذي يبيعونه بالكيلو!
وشدد عركي على أن الشبكة الداخلية تعاني من فشل مالي وإداري، ما انزل الله به من سلطان. وقال الصحيح ان تكون وزارة البنى التحتية هي المسؤولة عن الشبكة الداخلية، وليس وزارة المالية. وأفاد بأن الشبكة الداخلية فيها مخالفات كبيرة، وأن هنالك شركات تم التعاقد معها “أكلت” المال ولم تنجز. وقال أن المسؤولين سنوا بدعة غسيل الشبكة الداخلية، ليس لأنها تحتاج إلى غسيل، وإنما لاكتشاف الأخطاء، ومعرفة اتجاه المياه، ؤاضاف حتى أموال المسؤولية المجتمعية والأموال التى جمعت من الموظفين وأسواق المحاصيل والجهد الشعبي اهدرت بصورة غير مسؤولة. وتساءل عركي لماذا لا يتم تسليم اجزاء الشبكة التي اكتملت؟ وأكد أن المسؤولين الفاشلين والفاسدين لا يريدون لمشروع المياه القضارف أن يكتمل حتى لا تنكشف الاختلالات والفشل والفساد في الشبكة الداخلية، الذي لا يعرف حجمه أحد، إذ أن التعتيم هو سيد الموقف وانعدام الشفافية ديدن المسؤولين.
وأضاف عركي أن الوالي السابق محمد عبد الرحمن محجوب قد تحصل على تصديق ، من وزارة المالية الاتحادية للشبكة الداخلية للأحياء الجديدة وقرى وسط، حوالي 3 مليار جنيه لمواسير قرى وسط، ستكفي لبعض قرى وسط، وليس جميعها. وأكد على حق قرى وسط الأصيل في الحصول على مياه الشرب من المشروع. كما أكد على ضرورة إدراج أحياء القضارف الجديدة التي نشأت في ال 12 سنة الماضية ضمن المشروع.
ومن ناحيته قال مقرر لجنة تفكيك التمكين ومحاربة الفساد واستراد الاموال المنهوبة بولاية القضارف – سابقا – الأستاذ وجدي خليفة إن لجنة تفكيك التمكين بالقضارف لم تستطع الحصول على أي مستندات تخص مشروع الحل الجذري أو الشبكة الداخلية لمدينة القضارف، إذ أن كل المؤسسات تمنعت عن تزويد اللجنة بالوثائق والمستندات. وكشف أن الشركة الوحيدة التي وجدوا أن لها علاقة بالشبكة الداخلية لمياه مدينة القضارف، هي شركة طيبة، قد تم حلها وتصفيتها بواسطة لجنة تفكيك التمكين الاتحادية.
وقال الخبير عادل إسماعيل عركي ظل مشروع مياه القضارف محلا للتكسب السياسي، فإن كل الولاة الذين مروا على الولاية تكسبوا منه سياسيا. حتى عمر البشير أراد التكسب به لانتخابات 2020م
ونوّه عركي إلى مشكلة عدم تدريب كوادر لإدارة المشروع. وأن هذا الأمر غير المنتبه اليه، يمكن أن يؤدي الى انهيار المشروع.
وخلُص عركي إلى أن المشكلة تكمن في استشراء الفساد، جراء انعدام الشفافية، وبسبب عدم وجود رقابة لغياب المجلس التشريعي، وأن القضارف لا وجيع لها.
انتهت فعالية شروق ولم ينته النقاش، ولم تتم الإحاطة بجميع جوانب مشكلة العطش في ولاية القضارف. ستستمر الفعاليات في هذا الإطار، وما ضاع حق وراءه مُطالب.