يمثل إشراك كتائب مقاتلة ضمن الحكومة السودانية المرتقب الإعلان عنها الخميس المقبل في العاصمة الإدارية بورتسودان (شرق البلاد) محاولة لاسترضاء تلك المجموعات، لاسيما بعد التوتر الذي طبع العلاقة بينها وقيادة الجيش في الفترة الماضية، على خلفية قرارات اتخذت لإبعادها عن مدن حيوية سيطرت عليها.
وكشفت مصادر سودانية عن أن قيادة الجيش منحت كتيبتي “البراء ابن مالك” التابعة للحركة الإسلامية، وكتيبة “درع السودان” التي يقودها أبوعاقلة كيكل، فرصة المشاركة في حكومة كمال إدريس.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن تلك المصادر التي وصفتها بـ”الموثوقة” أن مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا هو من تولى الإشراف على ترتيبات مشاركة الكتائب والمجموعات المشاركة في القتال في الحكومة الجديدة.
ويعد العطا أحد صقور الحركة الإسلامية داخل قيادة الجيش، ويذهب البعض إلى حد وصفه بـ”المرشد العسكري” للحركة، وقد عرف بمواقفه المتطرفة، وباستعدائه لقوى إقليمية بعينها.
وتولي العطا ترتيبات مشاركة الكتائب المقاتلة في الحكومة الجديدة مؤشر على نجاح الحركة الإسلامية في اختطاف سلطة القرار حتى من البرهان نفسه، الذي ظهر في موقف الضعيف أمامها في الأشهر الماضية.
مشاركة الكتائب المقاتلة في الحكومة تشكل رسالة سلبية للداخل وللمجتمع الدولي، بالنظر لتورط عناصرها في جرائم حرب
وسبق أن تعهد قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان في فبراير الماضي بعدم التخلي عن الفصائل التي خاضت الحرب مع الجيش ضد قوات الدعم السريع، وتحدث عن أنها ستشارك بلا استثناء في أي مشروع سياسي مستقبلي.
وقال قائد الجيش آنذاك “المستنفرون، والإسناد المدني، والمقاومة الشعبية، وكل من حمل السلاح، سيكونون شركاء في أي مشروع سياسي.”
وجاء موقف البرهان آنذاك في سياق تدارك تصريحات سابقة بدت مستفزة لقيادات الحركة الإسلامية، ولاسيما لحزب المؤتمر الوطني المنحل، والتي قال فيها إنه ليس من الوارد مشاركتها في القرار السياسي في المستقبل القريب.
واعتبر مراقبون أن مشاركة الكتائب المقاتلة في الحكومة الجديدة تشكل رسالة سلبية للداخل وأيضا للمجتمع الدولي، بالنظر لتورط عناصرها في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في عدد من الولايات بينها الجزيرة والخرطوم.
ولفت هؤلاء إلى أن الحكومة التي يعتزم الجيش الإعلان عنها، هي في واقع الأمر حكومة حرب، مشيرين إلى أن رئيس الحكومة الجديد لا يملك في واقع الأمر أي سلطة للدفع باتجاه إنهاء الحرب العبثية، وأن اختياره هو فقط لإضفاء “شرعية” على سلطات الأمر الواقع.
واستبعد المتحدث باسم حزب المؤتمر السوداني نورالدين بابكر بناء السلام أو تحقيق التوافق عبر تعيينات فوق رماد الخراب، أو بإنتاج مؤسسات خالية من الشرعية.
واعتبر بابكر أن فرص رئيس الوزراء المُعيّن كامل إدريس في وقف الحرب وتحقيق توافق سياسي حقيقي تكاد تكون معدومة في ظل الظروف الحالية.
وقال الباحث في الشؤون الدولية ومنطقة القرن الأفريقي فؤاد عثمان إن الحديث عن حكومة جديدة في هذا الظرف بالغ التعقيد لا يمكن فصله عن السياق السياسي والعسكري الذي تشكّل منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وتعمّق بصورة مأساوية مع اندلاع حرب 15 أبريل.
ورأى فؤاد في تصريحات لموقع “سودان تربيون” أن السودان دخل منذ ذلك الحين مرحلة من التشظي المؤسساتي، والاستقطاب الحاد، والتدهور المتسارع في بنية الدولة، حيث باتت البلاد رهينة معادلات القوة العسكرية، وتراجعت فرص الحلول السياسية المتوافق عليها.
وشدد على أنه في ظل هذا الواقع، فإن أية خطوة تنفيذية -بما فيها تعيين رئيس وزراء- لا تكتسب معناها أو جدواها إلا إذا ارتبطت بإرادة واضحة لوقف الحرب، وابتدار عملية سياسية وطنية شاملة تتجاوز منطق التسويات الجزئية أو الثنائية.
وقال إن الحرب الراهنة خلقت واقعاً بالغ الخطورة، حيث تمركزت الصلاحيات الفعلية بيد قائد الجيش، بينما تتجه قوات الدعم السريع إلى تأسيس سلطة موازية في مناطق سيطرتها.
وتابع “هذا الانقسام العملي يعمّق خطر تفكك الدولة، ويهدد وحدة السودان ككيان سياسي جامع، ما يستدعي تحركاً عاجلاً نحو وقف الحرب كأولوية وطنية لا تحتمل التأجيل.”
ولفت فؤاد إلى أن فرص رئيس الوزراء -أياً تكن شخصيته أو خلفيته- ستظل محدودة ما لم تكن جزءا من مشروع وطني أوسع يضع نهاية شاملة للحرب، ويفتح أفقاً جديداً لبناء سلام مستدام، يعيد تأسيس الدولة السودانية على قاعدة مدنية ديمقراطية تضمن العدالة والتعدد والمشاركة الحقيقية لكل بنات وأبناء السودان.
ويخوض الجيش السوداني حربا مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية منذ أبريل 2023 أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الألوف من الناس ونزوح نحو 13 مليونا، في ما وصفته منظمات الإغاثة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.