الجسور المُدمَّرة، وانقطاع التيار الكهربائي، ومحطات المياه الفارغة، والمستشفيات المنهوبة، والمباني المنهارة، وتلك الآيلة للسقوط، في جميع أنحاء العاصمة السودانية، تشهد على التأثير المدمر للحرب التي استمرت أكثر من عامين على البنية التحتية في الخرطوم وسائر مدن البلاد.
وتقدر السلطات أن إعادة الإعمار ستتطلب مئات المليارات من الدولارات. ومع ذلك، فإن فرص ذلك ضئيلة على المدى القصير؛ نظراً لاستمرار القتال والهجمات بالطائرات المسيَّرة على محطات الكهرباء والسدود ومستودعات الوقود. ناهيك عن عالم أصبح أكثر نفوراً من المساعدات الخارجية، حيث خفضت الولايات المتحدة، أكبر مانح، مساعداتها.
عنصر من الجيش السوداني قرب مدفع تركته «قوات الدعم السريع» جنوب أم درمان 20 مايو 2025 (أ.ف.ب)
ويتقاتل الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، منذ أبريل (نيسان) 2023؛ ما أسفر عن مقتل أو إصابة مئات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص، في حين نحو 30 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية ثلثهم يعاني المجاعة، في ظرف وصفته مجموعات الإغاثة ومنظمات الأمم المتحدة، بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. واتهمت الولايات المتحدة، الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيماوية في الحرب، كما اتهمت «الدعم السريع» بأنها ارتكبت جرائم في دارفور ترقى إلى «جرائم حرب».
يضطر سكان العاصمة الخرطوم إلى تحمل انقطاع التيار الكهربائي لأسابيع، والمياه غير النظيفة، والمستشفيات المكتظة. كما أن مطارهم محترق مع هياكل طائرات على المدرج، حسب تقرير لـ«رويترز».
معظم المباني الرئيسة في وسط الخرطوم محترقة، والأحياء التي كانت ذات يوم غنية أصبحت مدن أشباح مع سيارات مُدمَّرة وقذائف غير منفجرة تنتشر في الشوارع.
سكان في الخرطوم يعانون من أجل الحصول على مياه للشرب (أ.ب)
قال طارق أحمد (56 عاماً) لـ«رويترز»: «الخرطوم غير صالحة للسكن. الحرب دمرت حياتنا وبلدنا ونشعر بأننا بلا مأوى رغم عودة الجيش إلى السيطرة». عاد أحمد لفترة وجيزة إلى منزله الذي تم نهبه في العاصمة قبل أن يغادره مرة أخرى، بعد أن طرد الجيش «قوات الدعم السريع» من الخرطوم مؤخراً.
يمكن رؤية إحدى عواقب انهيار البنية التحتية في تفشي وباء الكوليرا بسرعة، والذي تسبب في 172 حالة وفاة من بين 2729 حالة خلال الأسبوع الماضي فقط، معظمها في الخرطوم.
أشخاص فروا من مخيم زمزم للنازحين يستريحون في مخيم مؤقت بمنطقة غرب دارفور بالسودان (أ.ف.ب)
وتعاني أجزاء أخرى من وسط السودان وغربه، بما في ذلك إقليم دارفور، من الدمار بسبب القتال، بينما يؤثر الدمار الهائل في الخرطوم، التي كانت مركزاً لتقديم الخدمات، على جميع أنحاء البلاد.
ولفتت منظمة «أطباء بلا حدود»، الأربعاء، إلى أن النساء والفتيات في منطقة دارفور بالسودان يتعرضن لتهديد العنف الجنسي على نحو شبه دائم. وقالت منسقة الطوارئ بالمنظمة، كلير سان فيليبو: «النساء والفتيات لا يشعرن بأمان في أي مكان. إنهن يتعرضن للهجوم في منازلهن وعند الفرار من العنف وعند الحصول على الطعام وعند جمع الحطب والعمل في الحقول. ويخبروننا أنهن يشعرن بأنهن محاصرات».
وأضافت أن العنف الجنسي أصبح شائعاً للغاية في دارفور لدرجة أن الكثير من الناس يتحدثون عنه وهم في حالة ذعر على أنه أمر لا يمكن تجنبه. وقالت فيليبو: «النساء والفتيات لا يشعرن بالأمان في أي مكان». وتابعت أن الهجمات غالباً ما تشمل أشخاصاً ارتكبوا هذه التصرفات مرات عدّة.
تقدر السلطات السودانية احتياجات إعادة الإعمار بـ300 مليار دولار للخرطوم و700 مليار دولار لبقية السودان. وتقوم الأمم المتحدة بإعداد تقديراتها الخاصة.
قال وزير النفط والطاقة مُحيي الدين نعيم، لـ«رويترز»، إن إنتاج السودان النفطي انخفض بأكثر من النصف إلى 24 ألف برميل يومياً، وتوقفت قدرات التكرير بعد أن تكبَّدت مصفاة الجيلي الرئيسة للنفط أضراراً بقيمة 3 مليارات دولار خلال المعارك. وأضاف أنه من دون قدرات التكرير، يصدر السودان الآن كل نفطه الخام ويعتمد على الواردات. كما يواجه صعوبات في صيانة خطوط الأنابيب التي يحتاج إليها جنوب السودان لصادراته.
النيران تشتعل بمستودع وقود في بورتسودان بالسودان 6 مايو (أرشيفية – رويترز)
في وقت سابق من هذا الشهر، استهدفت طائرات مسيَّرة مستودعات وقود ومطار مدينة بورتسودان الساحلية الرئيسة. وقال نعيم إن جميع محطات الكهرباء في الخرطوم دُمّرت. أعلنت الشركة الوطنية للكهرباء مؤخراً عن خطة لزيادة الإمدادات من مصر إلى شمال السودان، وقالت في وقت سابق من العام إن الهجمات المتكررة بالطائرات المسيَّرة على المحطات خارج الخرطوم تزيد من صعوبة الحفاظ على استمرارية الشبكة.
استعادت القوات الحكومية السيطرة على الخرطوم في وقت سابق من هذا العام، ومع عودة الناس إلى منازلهم التي قلبها الناهبون رأساً على عقب، كانت إحدى السمات المميزة هي الثقوب العميقة التي حُفرت في الجدران والطرق للكشف عن أسلاك النحاس القيمة.
في شارع النيل في السودان، الذي كان يوماً أكثر الطرق ازدحاماً، هناك خندق بعمق متر واحد (ثلاث أقدام) وطول 4 كيلومترات (2.5 ميل)، تم تجريده من الأسلاك مع آثار حروق.
عائدون يتفقدون ممتلكاتهم المُدمَّرة في الخرطوم يوم 28 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
خرجت محطتا المياه الرئيستان في الخرطوم عن الخدمة في وقت مبكر من الحرب بعد أن نهب جنود «قوات الدعم السريع» الآلات واستخدموا زيت الوقود لتشغيل المركبات، وفقاً للمتحدث باسم ولاية الخرطوم الطيب سعد الدين.
يلجأ من بقي في الخرطوم إلى شرب مياه النيل أو الآبار المنسية منذ زمن طويل؛ ما يعرضهم لأمراض تنقلها المياه. لكن هناك عدداً قليلاً من المستشفيات المجهزة لعلاجهم.
قال وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم إن «هناك تخريباً منهجياً من قِبل الميليشيات ضد المستشفيات، وتم نهب معظم المعدات الطبية وما تبقى تم تدميره عمداً»، مشيراً إلى أن الخسائر في القطاع الصحي بلغت 11 مليار دولار.
مستشفى «بشائر» بالعاصمة الخرطوم تعرَّض لخسائر جمة بسبب المعارك بين الجيش و«الدعم السريع» (أ.ف.ب)
مع عودة مليونين أو ثلاثة ملايين شخص إلى الخرطوم، هناك حاجة إلى تدخلات لتجنب المزيد من الطوارئ الإنسانية مثل تفشي الكوليرا، قال ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المقيم لوكا ريندا، لكن استمرار الحرب والميزانية المحدودة يعني عدم وجود خطة كاملة لإعادة الإعمار قيد الإعداد. وأضاف: «ما يمكننا فعله… بالقدرات المتوفرة لدينا على الأرض، هو النظر إلى إعادة تأهيل البنية التحتية على نطاق أصغر»، مثل مضخات المياه بالطاقة الشمسية والمستشفيات والمدارس.
بهذه الطريقة، قال إن الحرب قد توفر فرصة لا مركزية الخدمات بعيداً عن الخرطوم، والسعي نحو مصادر طاقة أكثر اخضراراً.