تقرير: هالة حمزة
رفضت قيادات زراعية، اتهامات وزارة الزراعة للمزارعين المعسرين وتحميلهم مسؤولية تآكل رأس مال البنك الزراعي الممول الرئيس للقطاع بالسودان.
وقالت قيادات زراعية لـ”السوداني”، إن انهيار القطاع المصرفي يرتبط بالحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وظروف الحرب، والتي تجعل الانهيار قائما حتى في وجود مشاكل إعسار.
وأقر وزير الزراعة السوداني، رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي، أبو بكر البشرى بتآكل رأس مال البنك بسبب إعسار المزارعين وعدم سدادهم مبالغ التمويل.
وأشار الوزير لمرونة الوزارة في التعاطي مع المزارعين المعسرين بجدولة مديونياتهم ومنحهم مهلة إضافية لرد التمويل.
وبين مدير البنك الزراعي بالقضارف الطيب صالح لـ”السوداني”، أثر الإعسار على زيادة مخصصات الديون والربحية وتآكل رأس المال الأساسي والثانوي للبنك.
وقال: “الإعسار يحد من قدرة البنك الزراعي على الاقراض وإحداث
التنمية المستدامة خاصة فى قطاع مهم كالزراعي”.
وحذر صالح من تسبب تفاقم الإعسار عاما بعد عام دون ان تدخل الإدارة والمالكون له بإجراء المعالجات اللازمة، في تقليص دور المصرف وعجزه عن أداء مهامه بالشكل المطلوب.
ووصف المسؤول الزراعي بالمفازة سمير التقي البهلول لـ”السوداني” حديث الوزير بعدم الدقة. وقال: “ان انهيار البنوك يرتبط بالحالة الاقتصادية العامة للبلاد وتحديدا بالقوة الشرائية للعملة المحلية مقابل الدولار”.
وأوضح ان وفرة الدولار ترتبط بالصادرات النفطية والمعدنية والزراعية بشقيها الزراعي والحيوانى.
وتساءل البهلول عن مواقع الإعسار فى هذا الخصوص وتنبأ باستمرار الانهيار حتى فى حالة عدم وجود معسرين.
وشرح في معرض حديثه قائلا: “إذا استلم مزارع مرابحة بمبلغ 100 مليون جنيه سوداني وكان ربح البنك وقت التوقيع 20% فإذا انخفض الدولار بنسبه 30% تصبح قيمة المرابحة عند البنك 130 مليون جنيه والمطلوب من المزارع 120 مليون جنيه وعليه يصبح البنك غير مستفيد وخسر 10% دفتريا”.
وأضاف: “كذلك إذا باع تراكتور بمبلغ 65 مليون جنيه بالأقساط، وكان راسماله عند الشراء 45 مليون جنيه وبسبب التضخم يصبح سعر التراكتور 90 مليون جنيه، وبالتالي لا يستطيع البنك الشراء لتعويض المباع رغم ربحه عند المبتدأ”.
وأشار البهلول إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن في إرتفاع التضخم ومشاكل الاقتصاد الكلي بالبلاد. وأبان ان الإعسار مسألة نسبية لا تشمل المزارعين كافة، وإنما المتواجدين فقط فى مناطق الغرق أو شح الأمطار أو الذين تلفت محاصيلهم نتيجة للآفات الزراعية.
وقال: “إن كبار المزارعين لا يتعرضون للإعسار لتغطيتهم الفاقد من ممتلكاتهم الخاصة حفاظا على سمعتهم ولاستمرارية التعامل مع البنوك”.
واقترح حلولا للإعسار، إما عبر الجدولة لعدة أعوام مع الاستمرار في تمويل المعسرين حتى لا يخرجون من دائرة الانتاج أو تأجيل المديونية والاستمرار كذلك في منحهم التمويل او الإقالة وهي تعني قبول البنك لرأس ماله فقط.
وأكد إمكانية تسييل البنك الزراعي للرهونات فى الحالات الميؤوس منها. وأشار لخطأ قرار وزير الزراعة الذي أصدره مؤخراً بالجدولة للمعسرين، خطأ كبير أضر بالبنوك. وقال إن القرار يضر بالبنوك ويحجب السداد إليها من قبل المزارعين الراغبين في السداد بهدف الاستفادة من فترة السماح للسداد. وأوضح أن منح التأجيل في السداد ليس من صلاحيات وزير الزراعة لكونها من صلاحيات البنك اعتمادا على تقييم مديري الفروع لعملائهم حسب الاستحقاق.
ووافق بنك السودان المركزي في وقت سابق على زيادة رأس مال البنك لتمويل القطاع الزراعي ودعم الأمن الغذائي بالبلاد.
وقال المدير العام السابق لبنك الأسرة د. صالح جبريل لـ”السوداني”، إن البنك الزراعي مؤسسة مصرفية اقتصادية مهمة يقع على عاتقها تطوير القطاع الزراعى بشقيه النباتي والحيواني ويمثل ذراعا مهما للدولة. ووصف ظرف الحرب بالاستثنائي يقوي من احتمالات حدوث التعثر.
ودعا لجدولة الخسائر والتعثر بالاتفاق مع بنك السودان حتى لا تتأثر موارد البنوك وتخفيض مخصص الديون الهالكة حتى تتمكن من تحسين مستوى محافظها التمويلية.
وأشار لضرورة القيام بالإجراء المذكور بعد قيام لجنة من البنك المركزي بمراجعة وضع البنوك لأن الدولة ليست لها موارد تهدرها في بنوك امل اصلاحها ضعيف.
ودعا جبريل لتطبيق برنامج هيكلة أو دمج أو تصفية البنوك الضعيفة.
وقال: “كلما كانت رساميل البنوك كبيرة كلما كان دورها في الاقتصاد اكثر فعالية”. واقترح مطالبة كل بنك بصياغة خطة اصلاحية لفترة محددة.
وأضاف د. جبريل: “إذا تآكل رأس مال البنك ولم تحدث معالجات كالتي أشرت إليها حتماً يتوقف نشاط البنك ولا يستطيع ان يجذب ودائع جديدة ولا ان يستثمر وبالتالي تتراكم الخسائر ومصيره الإفلاس”.
ووصف البنك الزراعي بالقوي بحكم تاريخه وما يملكه من أصول تنفي تعرضه لتآكل رأس المال. وأكد حاجة البنك اكثر لدعم الحكومة لتوسيع قاعدة الشمول المالي.
وتسبب الحرب في خسائر واضرار كبرى للقطاع الزراعي بلغت نسبتها 65%، وحدوث شح في التمويل وصعوبات في توفير الأسمدة والتقاوي والتحضير للارض وتأخر الحصاد، ما زاد من حدة الأزمات الإنسانية وعظم حاجة اكثر من 18 مليون شخص يواجهون خطر نقص الغذاء بمقدار 6 ملايين طن من الحبوب وفقاً لتقديرات المنظمات الإنسانية، خاصة بمناطق سيطرة المليشيا المتمردة.
منتج القمح بمشروع الجزيرة عثمان إبراهيم حمّل في حديثه لـ”السوداني”، حكومة حمدوك مسؤولية تآكل رأس مال البنك الزراعي بإعادتها مفصولي الخدمة الدفعة الاولى منهم 650 فردا، في درجات وظيفية عليا.
وأكد انهم تسببوا في إنفاق مليارات من رأس مال البنك واستولوا على وظائف قيادية بالبنك، ما تسبب في ضياع رأس مال البنك.
وكشف إبراهيم عن حصول البنك على 60% من أرباحه من مزارعي مشروع الجزيرة حتى عام 2022م.
وقال: “إن التعثر الذي طرأ من مزارعي وسط وجنوب الجزيرة بسبب الحرب كان بنسب لا تذكر، لأن البنك منح تمويلا جزئيا لفئة قليلة من المزارعين وكان التمويل بنسبة بسيطة لتوفير سماد داب فقط لا تؤثر على رأس مال البنك”.
وطالب إبراهيم وزارة الزراعة بمراجعة ملفات البنك والوقوف على مسببات ضياع رأس ماله، وعدم اتهام المزارعين جزافاً.
من جانبها، نفت المحللة المختصة في الشأن الزراعي رحاب عبد الله آدم فريني، صلة إعسار المزارعين لدى البنك الزراعي بتآكل رأس ماله. وأشارت لنسبية الإعسار وتباينه من مزارع لآخر ومن منطقة لأخرى.
وقالت فريني: “هنالك إعسار بسبب شح الأمطار والآفات الزراعية، وآخر بسبب كثرة الأمطار، وكذلك الحال فى المشاريع المروية إما نتيجة للعطش أو الغرق”.
ولفتت لوجود لجان لحل مشاكل المزارعين المعسرين تضم عددا من الجهات ذات الصلة على رأسها ديوان الزكاة وهو المعني بفك إعسارهم لأن زكاة الزروع من أكثر مواعين الزكاة جبايةً، خاصة فى المناطق الزراعية المطرية.
وأوضحت أنّ هذه اللجان تقوم بدارسة حالة المزارع المعسر والتأكد من إعساره ومن ثم دفع ما عليه من التزامات للجهة الممولة.
وأشارت فريني لقيام البنك الزراعي في حالات كثيرة بإلقاء القبض على العديد من المزارعين وإيداعهم السجون وإطلاق سراحهم بعد السداد، موضحةً أنه في بعض الأحيان تتم جدولة الديون على المزارعين المعسرين للموسم المقبل حتى لا يخرجون من دائرة الإنتاج.
وأكدت فريني استمرار شكاوى البنك الزراعي من ضعف رأس ماله. وقالت: “لماذا لا يكون هذا سببا فى تآكل رأس ماله.. كما ان هناك مساحات كبيرة خرجت من دائرة الإنتاج في الولايات التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع، ولم يتم تمويلها”.
يذكر أن التمويل تركز فقط على الولايات الشرقية وبعض المساحات فى إقليم النيل الأزرق والنيل الأبيض خلال فترة هذه الحرب، ما ينفي تسبب إعسار المزارعين في تآكل رأسمال البنك الزراعي.
السوداني