أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الاثنين، قرارا بتعيين كامل الطيب إدريس رئيسا للوزراء بعد أن خلا المنصب لمدة أربع سنوات منذ إقالة رئيسه السابق عبدالله حمدوك، عقب انقلاب عسكري على السلطة المدنية، في خطوة تهدف إلى مغازلة القوى المدنية عبر اختيار شخصية تكنوقراط مستقلة، ولها علاقات خارجية قوية حيث شغل الطيب مناصب دولية سابقا.
وفسرت الخطوة على أنها انقلاب ناعم على جماعة الإخوان التي تغلغلت في صفوف الجيش، وأصبح تضخم دورها مزعجا لقوى إقليمية تساند المؤسسة العسكرية ولها مواقف صلبة من جماعات إسلامية لها طموحات سياسية في السودان، وتخشى هذه القوى أن يصبّ دعمها للبرهان في صالح الإخوان، وكان عليه أن يختار شخصية لم يعرف عنها أنها منخرطة في صفوف الجماعة.
وخاض رئيس الوزراء الجديد انتخابات رئاسية جرت عام 2010 في مواجهة الرئيس السابق عمر البشير، والمعروف أنه فتح الباب لتغلغل الإخوان في الجيش، وتردد اسم إدريس لتولي منصب رئيس الوزراء، وكان ضمن أسماء تقدم بها تجمع المدنيين ليكون على رأس حكومة الثورة قبل اختيار حمدوك، وبين شخصيات ناقش البرهان تعيين أحدها في هذا المنصب عقب أن تصاعدت المطالب بتعيين رئيس وزراء لمواجهة أزمات ما بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
نورالدين صلاح الدين: من الأفضل اختيار رئيس الحكومة عبر عملية تشارك فيها قوى مدنية
وبعث مجلس السيادة السوداني بإشارة إيجابية من وراء اختيار شخصية لها مواصفات خاصة، فلم ينخرط في تفاصيل الخلافات بين المكونين المدني والعسكري، وشغل منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ومدير الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة، وعضوا في لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة.
وقد لا يحظى تعيين كمال الطيب إدريس بترحيب كبير من قوى مدنية ترغب في تدشين عملية سياسية لا يتم فيها إقصاء قوى الثورة، بدلا من اتجاه مجلس السيادة بشكل منفرد إلى اتخاذ قرار تعيين رئيس للحكومة، وسط توقعات أن تظل الأزمة في السودان مستمرة، حيث دعت قوى دولية عدة لاستعادة السلطة المدنية كاملة قبل الحديث عن اعتراف بالسلطة الحالية.
وأصدر مجلس السيادة مرسوما أيضا، الاثنين، بتعيين سلمى عبدالجبار المبارك، ونوارة أبومحمد محمد طاهر، كأعضاء في مجلس السيادة الانتقالي، والأولى شغلت المنصب ذاته عقب الانقلاب على السلطة المدنية في أكتوبر 2021 وجرى إبعادها ضمن تغييرات قام بها البرهان بعد اندلاع الحرب.
ويستهدف التغيير في جسد مجلس السيادة إرضاء المكونات المناطقية في وسط السودان والشرق وتنحدر منها السيدتان، كما أن الاختيار ينطوي على إشارة للحصول على تأييد منظمات نسوية داخل السودان وخارجه.
وجاء التعديل على مستوى السيادة وفقا للوثيقة الدستورية التي تم إقرارها في فبراير الماضي وزادت أعضاء المجلس إلى 11 عضوا، بينهم ستة من الجيش، وثلاثة ترشحهم الأطراف الموقّعة على اتفاق السلام في جوبا.
ويريد البرهان من تعيين رئيس جديد للحكومة وضم عضوين بمجلس السيادة تحصين سلطته السياسية، والإيحاء أنها غير راضخة لجماعة الإخوان، في ما يشبه انقلابا تدريجيا عليها، واستباقا لتشكيل حكومة موازية تعمل الدعم السريع على تشكيلها.
وتتسق الخطوة مع وعود قطعها الجيش بشأن تعيين حكومة تكنوقراط لإدارة المرحلة الانتقالية التي حددتها الوثيقة الأخيرة بـ”39″ شهرا، بدأت في فبراير الماضي، لكنها لم تحظ بتوافق عام، ما يجعل الدوران في فلك الخلافات السياسية قائما.
وما يبرهن على تعاظم الأزمة السياسية في السودانية أن البرهان أعلن قبل ثلاثة أسابيع تعيين السفير دفع الله الحاج وزيرًا لشؤون مجلس الوزراء، وتكليفه بمهام رئيس الوزراء، غير أنه لم يصل إلى بورتسودان لتسلم مهامه، ما أشار إلى رفضه، فضلا عن اعتراض قوى إقليمية على توليه المنصب، وارتباط اسمه بالإخوان.
قال القيادي بالتيار الوطني نورالدين صلاح الدين إن تقديرات الجيش تشير إلى أن البلاد في حاجة إلى حكومة تتفرغ لإدارة البلاد، وتركز المؤسسة العسكرية على إنهاء الحرب الدائرة ضد قوات الدعم السريع، ووقوع الاختيار على شخصية مستقلة يبدو مفتاحا لقبول الكثير من القوى المدنية والدولية لها، ما يساعد الجيش على إعادة صياغة علاقاته عقب تأزمها مؤخرا.
البرهان يريد من تعيين رئيس جديد للحكومة تحصين سلطته السياسية، والإيحاء أنها غير راضخة لجماعة الإخوان، في ما يشبه انقلابا تدريجيا عليها
وأوضح لـ”العرب” أن أزمة السودان تتجاوز التعديلات في الهيكل التنفيذي، وترتبط بالإطار العام الذي يأتي فيه اختيار الأشخاص الجدد، ويرتبط بالسياق السياسي، وكان من الأفضل أن يكون اختيار رئيس الحكومة عبر عملية تشارك فيها قوى مدنية، والعثرات التي واجهها عبدالله حمدوك عند اتفاقه مع المجلس العسكري في نوفمبر 2021 قد تتكرر الآن.
وذكر صلاح الدين أن تعيين رئيس جديد للحكومة لا يلقى اهتماما كبيرا في الشارع السوداني المنشغل بوقف الحرب أولا، كما أن الاتحاد الأفريقي لن ينظر إلى الخطوة باعتبارها تقدما في مسار استعادة السلطة المدنية، كذلك الوضع بالنسبة إلى الدعم الدولي المجمد، والذي يحتاج إلى عملية سياسية شاملة تجد قبولا داخليا.
وليس لدى القوى المدنية القريبة من المؤسسة العسكرية غضاضة في تدشين عملية سياسية أثناء استمرار الحرب، وترى أن الجيش يحكم البلاد رغم مرور أكثر من عامين على اندلاعها، ويمكن منح الفرصة لقوى مدنية لتتواجد على رأس السلطة التنفيذية، لكن ذلك لا يحظى برضاء قوى أخرى قريبة من قوات الدعم السريع، تربط وقف الحرب بالذهاب نحو تدشين عملية سياسية منفتحة على الجميع.
ويتماشى تعيين رئيس جديد للحكومة مع خارطة طريق قدمها الجيش إلى الأمم المتحدة في مارس الماضي، تضمنت استئناف العملية السياسية من خلال تعيين حكومة مدنية تضم كفاءات مستقلة، وإجراء حوار شامل بين السودانيين يمهد لتدشين انتخابات.
ولاقت الخارطة ترحيبا من المبعوث الأممي إلى السودان رمطان لعمامرة، لكن واجهت انتقادات من بعض القوى السياسية، حيث اعتبرت ذلك انحيازا لأحد أطراف النزاع، وإقصاء لمكونات القوى المدنية، خاصة أن الجيش قدمها كطرف منتصر في الصراع، بينما الواقع يشير إلى تحولات متقلبة على مستوى القدرة العسكرية، وهو ما كان دافعا لقوات الدعم السريع لرفض تلك الخطوة، واعتبارها أحادية الجانب.