قبل شهر، استولت قوات الدعم السريع في السودان، وهي ميليشيات شبه عسكرية تخوض حربا ضد الجيش السوداني، على مخيم زمزم للنازحين. ويقع هذا المخيم على بُعد بضعة كيلومترات من مدينة الفاشر، وكان يُعدّ أكبر مخيم في إقليم دارفور، تلك المنطقة الشاسعة في غرب السودان. أكثر من 400 ألف شخص كانوا قد لجأوا إليه، وهم اليوم مشتّتون في الصحراء. ووفقا للأمم المتحدة، فإن الحرب في السودان تُعدّ أكبر أزمة إنسانية حالية في العالم. أنطوان جيرار، نائب منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في دارفور، عاد مؤخرا من مهمة ميدانية هناك، ويُجيب عن أسئلة الصحفية غايل لاليكس من إذاعة فرنسا الدولية.
أنطوان جيرار، لقد عدت للتو من دارفور، هل يمكن أن تخبرنا بما رأيته هناك؟
بالفعل، قضيت نحو أسبوعين في شمال دارفور، ليس بعيدا عن مخيم زمزم وهو موقع يُعرف، للأسف، بالأحداث المأساوية الأخيرة. سبب مهمتنا هو أن هذا المخيم أصبح قاعدة عسكرية لقوات الدعم السريع، مما دفع حوالي 500 إلى 600 ألف شخص إلى الفرار.
حاولنا، بما أننا كنا على مقربة 30 إلى 40 كيلومترا من زمزم، الوصول إليه، لكن ولأسباب أمنية وأخرى تتعلق بالمفاوضات، لم نتمكن من ذلك. ولم يكن هذا الوضع خاصا بالأمم المتحدة فقط، بل تحدثنا مع منظمات دولية غير حكومية أخرى لم تتمكن هي أيضا من الوصول إلى زمزم.
ما سمعناه هو أنه لم يتبقَ في المخيم سوى حوالي 8 إلى 10 آلاف شخص، وهم من الفئات الضعيفة التي لم تتمكن من المغادرة. واليوم، هذه المساعدات التي كنا نأمل في تقديمها هناك أصبحت شبه مستحيلة بسبب مشاكل الأمن وعدم إمكانية الوصول. لذلك، نعمل حاليا في المناطق المحيطة، خصوصا في طويلة، وهي مدينة لم تكن مهيأة لاستقبال ما بين 200 إلى 300 ألف شخص خلال فترة قصيرة تراوحت بين 15 يوما إلى 3 أسابيع.
أين ذهب الـ 500 ألف نازح من مخيم زمزم؟
بعضهم لجأ إلى طويلة، وآخرون فضلوا الذهاب إلى مدينة الفاشر، وهي مدينة كان يسكنها أصلا حوالي مليون ونصف شخص. الآن، يعيش هؤلاء النازحون الجدد في الشوارع، حسب ما تلقيناه من شهادات منظمات غير حكومية محلية لا تزال متواجدة هناك.
وآخرون قرروا التوجه إلى ما بعد مدينة طويلة، وسلكوا طريق المنفى عبر غرب السودان ودارفور. بعضهم سيصبح لاجئا في تشاد، حيث يوجد أصلا نحو 600 ألف لاجئ، وربما أكثر، بسبب هذا الصراع المستمر منذ عامين.
كيف يتنقل هؤلاء الناس؟ وما المسافة بين زمزم وتشاد؟
في دارفور، لا يتم قياس المسافات بالكيلومترات، بل بحسب وسائل النقل المتاحة، لأن المسافة بالكيلومتر قد لا تعني شيئا دون معرفة الوسيلة. بعض العائلات، في البداية، كانت لا تزال تملك ما يكفي من المال لاستخدام الشاحنات، خصوصا تلك التي كانت تُستخدم في إيصال المساعدات الإنسانية ثم تعود فارغة، فكانت تقلّ النازحين في طريق العودة. البعض الآخر لديه حمير. الرحلة بالشاحنة إلى الحدود التشادية تستغرق 3 إلى 4 أيام، أما باستخدام الحمير فقد تستغرق أسبوعين أو ثلاثة، بينما يسير آخرون على الأقدام بجانب الحمير. وبالتالي، فإن الرحلة قد تستغرق شهرا كاملا، وهو ما يطرح أمامنا معضلة: كيف يمكننا إيصال المساعدات الإنسانية إلى أشخاص في حالة تنقل مستمر؟
هل هذه الطرق آمنة؟
ليست آمنة أبدا. فمعظم الناس فرّوا من مخيم زمزم ليلا، في محاولة لتجنّب المعارك. لكن البعض تعرّض للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي.
هناك أيضا حالات تجنيد قسري للأطفال من قبل قوات الدعم السريع. ولهذا، تم ابتكار استراتيجيات لتفادي نقاط التفتيش، مثل تنكّر الأولاد في زيّ فتيات. لكن للأسف، أصبحت هذه القوات أو من ينتمون إليها يقومون بتجريد الناس من ملابسهم على الطريق. تلقينا شهادات مؤلمة في طويلة حول كيفية فرار الناس. المعارك اقتربت الآن من طويلة، بل وصلت إلى مناطق داخلية مثل جبل مرة.
ما هي التحديات التي تواجه الفاعلين الإنسانيين اليوم؟
هناك الكثير من التحديات. أولها الاستجابة السريعة لهذا النزوح الجماعي باتجاه طويلة، والتي تضم الآن ما بين 250 إلى 300 ألف شخص، فضلا عن مناطق أخرى. من الصعب توفّر الإمكانيات الكافية.
هناك أيضا مشاكل في التمويل بالنسبة للمنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية. ويأتي هذا في سياق تخفيضات كبيرة في المساعدات من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية.
كما أن هناك تحديات متعلقة بالقدرات البشرية واللوجستية، فالموظفون في طويلة كانوا يعملون على برامج أكثر استقرارا مع نازحين موجودين منذ عامين أو أكثر. والآن، عليهم مضاعفة جهودهم بسرعة أمام هذا العدد الهائل من النازحين الجدد الذين وصلوا في وقت قصير جدا.