آخر الأخبار

سياسة شد الأطراف بين الشرق والغرب تطيل الحرب في السودان

شارك

دخل الصراع في السودان مرحلة جديدة مع انتقال المعارك إلى أطراف البلاد، حيث تصاعدت الهجمات في بورتسودان شرقا والفاشر غربا، في مؤشر على إستراتيجية “شد الأطراف” التي يعتمدها طرفا النزاع لإطالة أمد الحرب وإعادة ترتيب توازن القوى بعيدا عن المركز.

الخرطوم – بدأ الصراع الدائر في السودان ينأى عن المركز وولايات الوسط، بعد أن كانت تلك المناطق مسرحا لعمليات عسكرية منذ بدء الحرب، واتجهت البوصلة إلى مدينة بورتسودان، العاصمة المؤقتة للحكومة السودانية شرقا، وإقليم دارفور الذي يعد معقلا لقوات الدعم السريع غربا.

ويشير هذا الوضع إلى أن طرفي النزاع يستخدمان سياسة شد الأطراف التي تعتمد على وجود رغبة في إطالة أمد الصراع بينهما، وقد يؤدي ذلك إلى انخراط دول جوار ربما يتم استقطابها أو استدعاءها قسرا عندما تجد خطورة على مصالحها.

وتشهد مدينة بورتسودان منذ نحو أسبوعين غارات عبر طائرات مسيرة، واتهمت السلطات السودانية قوات الدعم السريع باستهداف مستودعات وقود في الميناء الجنوبي ومطار بورتسودان ومحطة كهرباء، من دون تعقيب من الثانية.

وحقق الجيش السوداني تقدما في مدينة الخوي بولاية غرب كردفان، الأحد، بعد أسبوعين من فقدانها، ما يمهد الطريق لوصول القوات البرية إلى مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، حيث أكدت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر أن “المتحركات العسكرية بدأت الزحف نحو إقليم دارفور، وأن المعركة على وشك أن تطرق الأبواب.”

وتنذر التطورات العسكرية في شرق وغرب السودان بتصعيد جديد في معالم الحرب، وأن توجيه ضربات إلى أماكن تتحصن فيها عناصر رئيسية للطرفين المتصارعين تشي أن الصراع وصل إلى مرحلة متقدمة من التعقيد، وكل طرف يحاول أن يحقق انتصارا دون التراجع عنه، وحال استمرت التحالفات البينية التي عقدها كل طرف كما هي، فإن كليهما سيعتقد أن عليه إنجاز مهمته العسكرية.

محمد تورشين: سيطرة الدعم السريع تهدد منشآت حيوية وتُصعّد المعارك

ويبحث الجيش السوداني عن تحقيق اختراق في مدينة الفاشر يمكنه من فك الحصار المفروض عليها منذ حوالي عام، بما يجعل قواته أكثر قدرة على التمدد في ولايات أخرى داخل إقليم دارفور، يرى قادته أنها تشكل مصدر قوة لعناصر الدعم السريع.

واستهدفت قوات الجيش مطار نيالا مؤخرا بعد فترة من توقف الطيران الحربي عن التحليق عقب إسقاط أكثر من طائرة حربية له، لكن وصول القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش من كردفان إلى الفاشر ليس بالأمر السهل، ويحتاج المزيد من المرونة منها، ولذلك قررت هذه القوات تنحية خلافاتها جانبا إلى حين تحقيق تقدم عسكري حاسم في الغرب قد تنعكس تداعياته الإيجابية على مناطق أخرى.

وترى قوات الدعم السريع في التصعيد شرقا محاولة لتعويض خسائرها في العاصمة الخرطوم، وقبلها فقدان ولاية الجزيرة في الوسط، وتريد حشر الجيش في زاوية تحصين إقليم الشرق الذي كان بعيدا عن الحرب منذ اندلاعها قبل عامين، والعمل على إرباك خطط تقدمه نحو الفاشر وزعزعة علاقته مع الأطراف القبلية والتجمعات الأهلية في بورتسودان، لأنه لم يتمكن من حماية المناطق المدنية والخدمية التي طالتها المسيرات، باعتبار أن أقصر الطرق زعزعة الاستقرار الهش في العاصمة المؤقتة، ما يخلخل حصون الجيش في مناطق أخرى.

وقال المحلل السوداني محمد تورشين إن سياسة شد الأطراف باتت أمرا واقعا في السودان، وأن بعض القيادات العسكرية في قوات الدعم السريع ترى أن إدارتها للمعركة من خلال استهداف مناطق إستراتيجية في العاصمة المؤقتة (بورتسودان) بشكل رئيسي، وبعض المناطق الأخرى، يُصعب هزيمتها عسكريا، ويتطلب التعامل مع هذه السياسة خطة عسكرية من الجيش لاستعادة جميع مناطق السودان.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن سيطرة قوات الدعم السريع على أي من مناطق السودان يعني أنها قادرة على استهداف منشآت حيوية، وتبدد رغبة الجيش في تحجيم القوة العسكرية لعناصر الدعم من فك حصار الفاشر غربا، وسوف تظل المعارك أكثر احتداما في الأطراف بين الشرق والغرب.

وتبقى الخلفية القبلية حاضرة في تصعيد الصراع على الأطراف، لأن قبائل دارفور (الجزء الأكبر منها يتحالف مع الدعم السريع) في حالة تحفز مستمر، حال وجدت نفسها في خطر إذا فك الجيش حصار الفاشر، وأصبح اللجوء إلى الاتجاه المقابل شرقا عنصرا مهما يسهم في إعادة ترتيب أوراق الدعم السريع، مع الاستعداد للإعلان عن حكومة موازية قريبا، من المقرر أن تكون إحدى ولايات دارفور عاصمة لها.

ويعتقد حلفاء الجيش من الحركات المسلحة الدارفورية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام أنهم قدموا الكثير وحافظوا على الفاشر وساعدوا الجيش في تحرير الخرطوم، ولا مبرر لعدم انخراط الجيش في حرب برية أكبر تفك حصار مدينة الفاشر، بما يخفف من الضغوط التي يواجهها أنصار الجيش بعد أن توالت مناشدات القوات المشتركة وحاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي، من أجل وصول إمدادات الجيش إلى الإقليم.

◙ انخراط أي من دول الجوار في حرب السودان أمر مستبعد في الوقت الراهن، وحدوثه يرتبط بوجود تهديدات قوية

وحسب مصدر مطلع قريب من الجيش، تحدث لـ”العرب” شريطة عدم ذكر اسمه، أن دارفور ستبقى أكثر تماسكا إذا واجهت تصعيدا من قبل الجيش الأيام المقبلة، وأن القبائل العربية المتحالفة مع الدعم السريع تملك إرثا يرتبط بتهميشها في معادلة السلطة والثروة وهي أكثر استعدادا للدفاع عن الإقليم، مع دخول قائد الحركة الشعبية-شمال عبدالعزيز الحلو على خط الصراع بجانب الدعم السريع، وله ظهير قبلي في دارفور.

وأضاف المصدر ذاته أن المجموعات القبلية في شرق السودان وقفت مع الجيش في الانقلاب على الحكومة المدنية في أكتوبر عام 2021، لكن تأثيرها في المعادلة الحالية محدود، وإذا تدخلت إريتريا مباشرة في الصراع مع توالي استهدافات بورتسودان، فإن الوضع قد يتغير، حيث تلقت بعض القبائل تدريبات عسكرية داخل إريتريا، وشكلت ميليشيات، لكن ذلك قد لا يحدث على أرض الواقع.

وأشار المصدر في حديث لـ”العرب” إلى أن انخراط أي من دول الجوار في حرب السودان أمر مستبعد في الوقت الراهن، وحدوثه يرتبط بوجود تهديدات قوية، لأن كلا من إريتريا وإثيوبيا على الحدود السودانية الشرقية تواجه أزمات داخلية، ويمكن أن تقدم أسمرة مساعدات غير مباشرة من خلال تدريب عناصر قبائل الشرق التي امتدادات في إريتريا، وقد تحاول أديس أبابا النأي عن نفسها.

كما أن الوضع غربا لن يختلف كثيرا عن الشرق، فعمليات تهريب السلاح من تشاد وليبيا إلى دارفور وعناصر الدعم السريع هو الأمر الذي تردد كثيرا من دون انخراط مباشر أيضا، مع ضعف الرقابة الدولية على الحدود في الوقت الحالي.

ويعزز استخدام سلاح المسيرات بكثافة فرص إطالة أمد الحرب، وعدم الدخول في مفاوضات عقب تحرير الخرطوم والجزيرة، فوّت فرصة ثمينة، ووفر الجيش مجالا لقوات الدعم السريع لاستهداف بورتسودان لأول مرة منذ اندلاع الحرب، وينطوي مواصلة الضربات على إشارة بأن عناصر الدعم لديها مصادر قوة عسكرية متجددة، وسوف تعمل على توظيفها من أجل منع تعرضها لهزيمة عسكرية.

العرب

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا