آخر الأخبار

حكومة "الدعم السريع".. ضغط سياسي وتغطية للخسائر

شارك

مع دخول الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامها الثالث، يستمر التصعيد العسكري والسياسي بين الطرفين، إذ واصلت “الدعم السريع” السير في مشروعها الخاص عبر الإعلان عن حكومة تضم حلفاء من مجموعات وأحزاب سياسية وحركات مسلحة لتكون موازية للحكومة السودانية التي يقودها الجيش. الأمر الذي أثار مخاوف وتحذيرات محلية ودولية من تقسيم البلاد التي توزعت السيطرة على ولاياتها بين طرفي الصراع، في وقت اعتبر فيه مراقبون أن ما تفعله “الدعم” يندرج تحت خانة الضغوط السياسية لإجبار الجيش على التفاوض معها، خصوصاً بعد تقدمه ميدانياً في الفترة الأخيرة واستعادة عدد من الولايات والمدن والقرى التي كانت تحت قبضتها منذ بداية الصراع.

ويشهد السودان منذ 15 إبريل/نيسان 2023 صراعاً عسكرياً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ويخضع كلاهما لعقوبات فرضتها الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، وقد خلّفت الحرب دماراً هائلاً في المدن والقرى والبنية التحتية للبلاد، وأسقطت آلاف القتلى والجرحى و ملايين النازحين ، وفق بيانات الأمم المتحدة، واتُّهمت “الدعم السريع” من قبل مجموعة من المنظمات الحقوقية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

تصعيد “الدعم السريع”

في خطوة مثّلت تصعيداً أكبر، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، في خطاب على تطبيق تليغرام أول من أمس الثلاثاء، إنه وحلفاءه في التحالف اختاروا مساراً مختلفاً لأن السلاح وحده لا يكفي لحل المشكلات السياسية، مؤكداً قيام ما أسماها “حكومة السلام والوحدة” باعتبارها تحالفاً مدنياً واسعاً يمثل الوجه الحقيقي للسودان، محذراً من أنه إذا أحكمت ما أسماها الحركة الإسلامية بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان السيطرة الكاملة على السودان، فلن ينقذ البلاد بل سيدفنها.

وأضاف: “نحن في حرب ليس لأننا نحب العنف، بل لأن كل طريق سلمي سُد من قبل جيش الحركة الإسلامية ورعاتها، ولم نختر المواجهة وواصلنا كل حوار في جدة وجنيف والمنامة، وفي كل مرة قوبلنا برفض”.

وتابع: “ستوفر حكومتنا الخدمات الأساسية، التعليم والصحة والعدالة، ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية، ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه”.

ودعا حميدتي الاتحاد الأفريقي إلى الاعتراف بما أسماها الإرادة الديمقراطية للشعب السوداني وعدم البقاء رهينة لمدبري الانقلاب في بورتسودان (مقر الحكومة السودانية).

وتابع: “لا نسعى للسلطة لأنفسنا بل للشعب السوداني للاختيار والحكم والعيش بحرية وعدالة، ونبني هذه الحكومة ليس لمنطقة واحدة أو لشعب واحد، بل لكل سوداني”. وجاء خطاب حميدتي في  ذكرى مرور عامين على اندلاع الحرب وبعد هزائم متتالية تعرضت لها قواته في الأشهر الأخيرة وإبعادها عن ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض وغالبية ولاية الخرطوم، وأجزاء من ولايتي جنوب وشمال كردفان.

في هذا الصدد، رأى عضو المكتب التنفيذي لـ”التيار الوطني” (تنظيم سياسي) نور الدين صلاح الدين، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الحكومة التي يتحدث عنها حميدتي هي محض ورقة سياسية لتحسين موقفه أمام جنوده ومناصريه، لأنه كان الأولى له أن يتخذ هذه الخطوة وهو يسيطر على ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار وشمال كردفان، بالإضافة إلى جيوب في ولايتي النيل الأبيض والأزرق ناهيك عن كامل إقليم دارفور ، وعليه، تأتي هذه الخطوة تغطيةً على خسائره العسكرية أخيراً.

وقال إن هذه الخطوة محكوم عليها مسبقاً بالفشل، خصوصاً أن عامين من الحرب جعلتا الجميع يدرك استحالة تعايش مليشيا الدعم السريع مع نظامية وبيروقراطية الدولة.

وأضاف أن ردود فعل عدد كبير من الفاعلين الإقليميين والدوليين الرافضة هذه الخطوة إما لاعتبارات تخص السلم في المنطقة أو للكلفة الأخلاقية المطلوب دفعها نظير دعم حكومة كهذه، خصوصاً في ديمقراطيات العالم الغربي، هذه كلها عوامل تنبئ بأن الاعتراف بهذه الحكومة سيكون في نطاق ضيّق.

وتابع: “بالتالي وبكل الحسابات، خطوة حميدتي هي خطوة سياسية يحاول عبرها التعويض والتغطية على خسائره الميدانية”.

وكان تحالف السودان التأسيسي الذي تقوده “الدعم السريع” قد ذكر في بيان الأحد الماضي أنه ماضٍ في إعلان الحكومة من داخل السودان وليس من أي بلد آخر، كخطوة وطنية حاسمة تهدف إلى نزع حقوق السودانيين، وإنقاذ البلاد من الانهيار، ووضع اللبنة الأساسية لتأسيس السودان الجديد.

وقال مستشار القائد العام لـ”الدعم السريع” إبراهيم مخير لـ”العربي الجديد”، إن الحكومة التي تحدث عنها قائد “الدعم السريع” هي الحكومة الوحيدة في السودان وليست حكومة موازية، معتبراً أنه لا توجد حكومة في السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وأضاف مخير أن الحكومة آلية للوحدة والسلام، وبالتالي أتت للحوار وتحقيقاً لنقل الصراع المسلح إلى الحوار السلمي عبر توسيع قاعدة المشاركة في إبداء الرأي واتخاذ القرار.

وكانت جماعات سياسية وحركات مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع قد وقّعت، في 22 فبراير/شباط الماضي، ميثاقاً سياسياً في العاصمة الكينية نيروبي لتشكيل “حكومة سلام ووحدة” في المناطق التي تسيطر عليها “الدعم السريع”.

وينص الميثاق على أن يكون السودان “دولة علمانية وديمقراطية وغير مركزية”. وتشارك في التحالف الذي قاد التوقيع على الميثاق السياسي لحكومة الدعم السريع وحلفائها مجموعة من الكيانات السياسية والحركات المسلحة والشخصيات، أبرزها ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة السوداني السابق وهم محمد حسن التعايشي ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر ورئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس، إلى جانب رئيس الحركة الشعبية شمال (في ولاية جنوب كردفان) عبد العزيز الحلو، والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إبراهيم الميرغني، ورئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل، ورئيس حزب الأسود الحرة في شرق السودان مبروك مبارك سليم، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، بالإضافة إلى نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.

وتسبّبت استضافة كينيا اجتماعات هذه المجموعات المنضوية تحت “تحالف السودان التأسيسي”، الذي تقوده “الدعم السريع”، في أزمة دبلوماسية بين السودان وكينيا، ما أدى إلى حظر الحكومة السودانية، في 11 مارس/آذار الماضي، استيراد المنتجات الكينية.

محاولات احتواء الأزمة

وكانت القوى الإقليمية والدولية قد بذلت محاولات لاحتواء الأزمة عبر دفع الجيش و”الدعم السريع” إلى التفاوض وإنهاء الصراع، وبعد مرور شهر على الحرب، توصل الطرفان، في 11 مايو/أيار 2023، إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار عقب وساطة سعودية أميركية مشتركة في مدينة جدة السعودية، عُرف باسم “إعلان جدة” . وفي 14 مايو 2023، عُقدت جولة ثانية من المفاوضات بين الطرفين بمشاركة منظمة “إيغاد” الأفريقية، ولم تستمر مدة طويلة قبل أن تفشل، ثم استُؤنفت المفاوضات في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لمناقشة تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وإجراءات بناء الثقة، ولم تفلح في شيء. كذلك، استضافت المنامة، في 20 يناير/كانون الثاني 2024، مباحثات أحيطت بالسرية بين وفدين من الجيش و”الدعم السريع”، وقبل انعقاد الجولة الأخيرة للتوقيع النهائي، انسحب وفد الجيش من دون إبداء أسباب واضحة وتوقف الأمر.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا