آخر الأخبار

مع دخول الحرب عامها الثالث... إلى أين يتجه السودان؟

شارك

ملخص

مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، سعت “اندبندنت عربية” عبر استضافتها ندوة، إلى مناقشة واقع السودان وتحليل الصراع وتداعياته على مستوياته المختلفة وأفق انتهائه، واستقراء جملة التحديات والتعقيدات التي قادت إلى تعميقه، بحثاً عن رسم صورة لمستقبل ذلك البلد العربي الأفريقي، الذي لا تزال أزمته تواجه استقطاباً حاداً على رغم تبعاتها السياسية والأمنية والاقتصادية ليس فقط على الداخل السوداني وإنما على عموم الإقليم.

في الـ25 من مارس (آذار) الماضي بدا تفقد رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ما تبقى من القصر الجمهوري بالعاصمة الخرطوم، منتشياً بين جنوده وضباطه بـ”استعادته” من قبضة قوات “الدعم السريع” التي سيطرت عليه نحو عامين، أن تغيراً في معادلة الصراع والحرب بين “الصديقين اللدودين” وقواتهما المتناحرة بدأ يتكشف على السطح، وذلك بعد أيام شهدت تقدمات لافتة للجيش في ميدان المعركة.

التحول الذي طرأ أخيراً على مستوى المعركة ميدانياً بين قوات الجيش بقيادة البرهان، و”الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وإن كان “مفصلياً” في عمر الأزمة، إلا أنه لم يغير من حقائق الحرب المستعرة منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، وهي مقبلة على عامها الثالث من دون حسم لأي من طرفيها، أو تبلور مبادرة سياسية، سواء داخلياً أو خارجياً لإنهائها، أمام ما خلفته من “كارثة إنسانية” غير مسبوقة للشعب السوداني تربعت على قائمة “أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم”، وفق تعبير الأمم المتحدة.

مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، سعت “اندبندنت عربية” عبر استضافتها ندوة، إلى مناقشة واقع السودان وتحليل الصراع وتداعياته على مستوياته المختلفة وأفق انتهائه، واستقراء جملة التحديات والتعقيدات التي قادت إلى تعميقه، مستضيفة فيها الدكتور حسن بشير المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي، والدكتور عادل عبدالعزيز الفكي مدير مركز التكامل السوداني – المصري، والدكتورة أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، بحثاً عن رسم صورة لمستقبل ذلك البلد العربي الأفريقي، الذي لا تزال أزمته تواجه استقطاباً حاداً على رغم تبعاتها السياسية والأمنية والاقتصادية ليس فقط على الداخل السوداني وإنما على عموم الإقليم.

“تحولات” في موازين الحرب

لم تكن الحرب المستعرة حالياً وليدة تاريخ نشوبها في الـ15 من أبريل 2023، فالسودان الذي شهد تغيرات سياسية دراماتيكية منذ إطاحة حكم عمر البشير في الـ11 من أبريل 2019، كان قد دخل منذ ذلك الحين مخاضاً “سياساً وأمنياً واقتصادياً عسراً” تعددت محطاته المفصلية بدءاً من دمج الجيش وقوات “الدعم السريع” في مجلس انتقالي بقيادة مدنية، ثم الانقلاب العسكري عليه في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تلاه صعود لافت لنجم قائد “الدعم السريع” حميدتي حتى أصبح نائباً للبرهان (رئيس مجلس السيادة)، قبل أن يختلف القائدان حول هيكلة وتسلسل الجيش المشترك، بعدما رفض حميدتي دمج “ميليشياته” في الجيش الوطني، مما أدى إلى نشوب صراع مفتوح على السلطة بين الطرفين في أبريل 2023، سرعان ما أفضى إلى حرب اجتاحت جميع أنحاء السودان.

وأمام تعقد المشهد في السودان وبقاء الصراع على حدته، حتى بعد استعادة الجيش السوداني سيطرته على مواقع استراتيجية عدة كان قد فقدها “لصالح (الدعم السريع)” خلال الأسابيع الأولى من الحرب (أبرزها القصر الرئاسي ومطار العاصمة وقيادة الجيش ومعسكرات أخرى)، يبقى السؤال الأبرز لفهم الحال السودانية هو تشريح الواقع الراهن بتشابكاته العسكرية، وإلى أي اتجاه سيذهب مع دخول الحرب عامها الثالث؟

يرجع حسن بشير حديثه خلال الندوة نشوب الحرب إلى “الانتقال العسر الذي شهدته البلاد منذ إطاحة عمر البشير”، قائلاً “معلوم مقدمات هذه الحرب، والانتهاكات المصاحبة لها منذ إنشاء “الدعم السريع”، ولماذا أنشئت؟ ومن الذي أنشأها، وكيف تلاحقت الأحداث بأن رئيسها (حميدتي) كان جنرالاً، ثم كان عضواً في اللجنة الأمنية، ثم تقلد مناصب سياسية بعد الـ11 من أبريل 2019، وبعد ذلك كان نائباً لرئيس المجلس العسكري، ثم مجلس السيادة من دون مسوغ قانوني، ثم جرت أحداث مشتركة لما سمي بالمكون العسكري (أحد شقي الحكم ما بعد إطاحة البشير)، ثم منذ فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو (حزيران) 2019، ثم بعد ذلك الاعتصام الشهير الذي عرف باعتصام القصر، كما يسميه السودانيون باعتصام الموز، الذي مهد لانقلاب الـ25 من أكتوبر 2021، وهذا الانقلاب قاد إلى محاولات عبر الاتفاق الإطاري، الذي أحدث خلافاً كبيراً داخل المكون العسكري، ومن ثم اندلعت حرب الـ15 من أبريل”.

وتابع بشير “الانتهاكات التي حدثت في السودان إرثها طويل، لكن حرب أبريل عمقتها فأصبح تجاوزها أمراً صعباً، وعليه لا يمكن تصفير مسألة الانتهاكات أو تجاوزها بأي شكل من الأشكال، إذ تبقى المسألة الوجودية بالنسبة إلى السودان هي محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وهم معروفون، سواء كانوا أشخاصاً أو شخصيات اعتبارية، إذ ما أقصده أن العدالة شرط لأي استقرار أو مستقبل للسودان بل ووجود الدولة السودانية”.

وحول التطورات الميدانية على صعيد المعركة في الأسابيع الأخيرة، يقول بشير “القراءة في مؤشرات المستوى العسكري تشير إلى أن الأمر معقد، صحيح أن الحرب أخذت منحى مختلفاً، بمعنى سيطرة (الدعم السريع) على الخرطوم وكذلك ولايات مركزية وأساسية مثل ولاية الجزيرة (وسط) وهي ولاية محورية في الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي للسودان انحصرت، لكن هذا لا يعني أبداً أن هناك استقراراً في المستقبل القريب، أو أن الحرب ستنتهي”، مضيفاً “معروف أن السودان منذ عام 1955 يعاني حروباً، والحرب في الجنوب أدت إلى انفصاله، وفي دارفور تمثل خطورة كبرى، لأنها من الممكن أن تؤدي إلى انفصال دارفور (غرب) وربما كردفان (وسط)، إذ توجد تعقيدات جديدة (أدخلتها الحرب) في المشهد، حتى في الجوانب الاجتماعية”.

حسن بشير: الانتهاكات التي حدثت في السودان إرثها طويل وحرب أبريل عمقتها وتجاوزها أمر صعب

واستشهد المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي في حديثه حول التعقيدات الجديدة التي أدخلتها الحرب على المشهد “على سبيل المثال توجد قبائل لا يستهان بها في كردفان، أصبحت تصنف حاضنات بالنسبة إلى (الدعم السريع)، وهذا سيؤدي إلى استمرار الحرب والصدامات العسكرية وتوسعها أيضاً، ومعه يمكن للحرب أن تأخذ شكلاً آخر. لاحظنا في الأيام الماضية سيطرة (الدعم السريع) على بعض المناطق، ويمكن بهذه الصورة أن تكون هناك بؤر خطرة جداً يقودها الدعم، إضافة إلى ذلك (تبقى) التدخلات الأجنبية لمصالح متناقضة لا منسجمة، لذا يمكن أن تكون هناك تغذية للصراع. لاحظنا التوتر مع تشاد وجنوب السودان الذي أثارته تصريحات الفريق ياسر العطا (مساعد القائد العام للقوات المسلحة)، وهذه يمكن أن تغذي الحرب وتخلق عدم استقرار، إضافة إلى ذلك هناك جوانب تقنية (أخرى) في الحروب من شأنها أن تزيد تعقيد الأمور مستقبلاً”.

في قراءته المقابلة، بدأ عادل عبدالعزيز الفكي حديثه باستعراض “ما حققه الجيش من إنجازات ميدانية تحمل رمزيات كبيرة في معادلة الصراع مع (الدعم السريع)”، على حد وصفه، قائلاً “شاهدنا قبل أيام مشهداً أود أن أصفه بالتاريخي، وهو لحظة دخول الجيش القصر الجمهوري، رمز السيادة الوطنية، في الحقيقة هذا ليس انتصاراً عسكرياً فحسب، صحيح القصر رمز السيادة ودخول الجيش يعني أن الدولة تستعيد سيطرتها على أهم المراكز في السودان، إلا أنه يعكس كذلك أن (الدعم السريع) الآن ينحسر انحساراً كبيراً في كل نواحي السوداني، وذلك ضمن استراتيجية موفقة من قبل الجيش نحو هزيمة هذه الميليشيات المتمردة”.

وبنى الفكي حديثه في استعراض المشهد السوداني حول “أهمية وضرورة حسم الجيش الحرب قبل أي حديث عن أمر آخر”، مرجعاً التقدم الذي أحرزه في الأسابيع الأخيرة إلى “ثلاثة أسباب رئيسة، أولها الالتفاف الشعبي غير المسبوق حوله في هذا التوقيت، وهذا بسبب ممارسات (الدعم السريع) في المناطق التي احتلتها سابقاً، إذ كانت ممارسات غير إنسانية يندى لها الجبين، لذا فالشعب السوداني شعر أن الجيش هو المنقذ وأنه رمز الوطن، والأمر الثاني القدرات الخاصة والفنية التي يمتلكها الجيش في مقابل (الدعم السريع)، والسبب الثالث أن الحكومة السودانية استطاعت استيعاب متغيرات الحرب، وما حدث من دمار واسع في البنية التحتية للبلاد وفي قطاعات الإنتاج، لكن الإدارة الاقتصادية استطاعت استيعاب هذا المتغير ونجت بالاقتصاد من الانهيار”.

عادل الفكي: الحديث حول “طرفين للصراع” ليس مناسباً وما يجري هو حرب بين الدولة السودانية وطرف متمرد عليها

ويمضي الفكي “انتصارات الجيش ترجمت سياسياً حتى قبل دخول القصر الجمهوري في ما يعرف بالوثيقة الدستورية” (أقرت في 2019، وأدخل عليها تعديلات عدة كان آخرها فبراير “شباط” 2025)، موضحاً “قدر الجيش هذا التقدم الميداني قبل تحقيقه، وأنه سيكون هناك انفتاح للقوات المسلحة في غالب المناطق، ومن ثم فلا بد من التخطيط للعملية السياسية، فجرى الاتفاق على إصدار الوثيقة الدستورية، التي تنص على فترة انتقالية تقدر بـ39 شهراً، وفي نهايتها تجرى انتخابات عامة، ليختار الشعب من يحكمه، وفي هذه المرحلة مجلس السيادة وهو المكون من القوات المسلحة وبعض الحركات التي تحالفت معه يخططون الآن لمرحلة سلام في كل أنحاء السودان، يترتب عليها تشجيع الأحزاب السياسية على استعادة دورها وتكوينها، والعمل على نشر الوعي السياسي، وتجهيز الشعب لمرحلة الانتخابات”، معتبراً أن “الآن الفرصة مواتية للأحزاب السياسية لبناء قدراتها للاستعداد للمرحلة المقبلة التي ستجرى فيها الانتخابات”.

من جانبها تبدأ أماني الطويل حديثها من نهاية ما ذكره الفكي حول الانتخابات، مشيرة إلى أنها “ليست هي يوم التصويت، الانتخابات عملية متكاملة، بيئة سياسية عادلة لكل الأطراف هذا أولاً، الأمر الثاني لا بد من أن يكون لدينا نظام انتخابي ممثل للانقسامات السودانية على المستويين الجهوي والعرقي، وهذه مسائل في منتهى التعقيد”، مشددة على أنه “لا يجوز الحديث عن الانتخابات وليس لدينا بيئة انتخابية عادلة للجميع، هذه مسائل مهمة وحاسمة في رسم نوع المعادلة الداخلية السودانية التي تسمح بالاستقرار من عدمه”.

أماني الطويل: الميزان العسكري تحول لصالح الجيش ولا عودة لانقلابه مجدداً

وعن التطورات الميدانية الأخيرة رأت الطويل أن “لها ما بعدها”، موضحة “على رغم الجدل المثار حول مسألة السيطرة على القصر بين السودانيين لكن بلا شك هذه العملية لها قيمة رمزية شديدة باعتباره مقر الحكم في البلاد، لذا فالسيطرة على المقر تحمل دلالات على المستوى المحلي لدى قطاعات واسعة من السودانيين، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي”، مرجحة أنه في ما يتعلق بالمسارات العسكرية في الخرطوم فإنه “لا عودة مجدداً لانقلاب الموازين العسكرية ضد الجيش مرة أخرى على رغم وجود جيوب لـ(الدعم السريع)، لأن الميزان العسكري انقلب لمصلحة الجيش على نحو كبير، وعليه استعادة (الدعم السريع) مواقعه التي فقدها أمر صعب، في ضوء أيضاً الحاضنة الشعبية للجيش”، وهي كلها عوامل لا بد من أن توضع في الاعتبار، على حد وصفها، مقدرة أن “المرشح حدوثه خلال الفترة المقبلة أن تكون هناك بؤر صراعية في أجزاء من كردفان (وسط البلاد) وكذلك دارفور (غرب البلاد)”.

الأزمة الإنسانية “الرقم الصعب”

لا يختلف اثنان على الأوضاع الإنسانية الكارثية التي خلفتها الحرب في السودان على مدى العامين الماضيين، مما خلق “أزمة إنسانية من الأسوأ في العالم”، وفق تعبير الأمم المتحدة، إذ أسفرت المعارك عن مقتل عشرات الآلاف، ولجوء أكثر من 3 ملايين شخص إلى البلدان المجاورة، إضافة إلى نزوح نحو 12 مليون شخص، فيما وصفته المنظمة الدولية للهجرة بأنه “أكبر أزمة نزوح في العالم”، فضلاً عن أن 70 في المئة من النازحين أطفال وأجزاء كبيرة من السكان مهددة بالمجاعة، كذلك أدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية للسودان وانهيار اقتصاده الضعيف أصلاً.

وأمام ذلك الوضع الإنساني الكارثي، طرحنا سؤالاً على الضيوف حول تقييم تلك الأزمة في معادلة الصراع القائمة؟ مجمعين على أن ذلك المحور يبقى “الرقم الصعب في معادلة الصراع”. من جانبها ترى أماني الطويل أنه “على رغم حدة تداعيات الحرب الإنسانية فإن المحور الإنساني يظل المسكوت عنه، أو ربما الأقل وزناً دائماً في حديث المراقبين، وهي مشكلة كبيرة وتحدٍّ أساس، لدينا نزوح مليوني، ومجاعة وصلت إلى حدها الأقصى، وعجز عن التمويل من الجهات المانحة، دشنت مؤتمرات لدعم السودان مرة في القاهرة وأخرى في باريس، وأظن أنها لم تلبِّ حتى 50 في المئة من الوعود التمويلية الدولية للسودان، ومن ثم فنحن أمام مأساة على المستوى الإنساني ستنعكس إقليمياً تحديداً في مصر”.

وتتابع الطويل “أشك تماماً في أن الفئات الاجتماعية الوسطى من السودانيين الموجودين في مصر ستعود إلى السودان، لذا هذا سيلقي أعباء على مصر في استيعاب هؤلاء الذين استقروا بالفعل، والذين يمثلون تقريباً نصف عدد الموجودين في مصر، أيضاً توجد عمليات تهريب وهجرة غير شرعية، ما معناه أن لدينا وافداً جديداً كل يوم، وإذا لم تكن هناك عملية سياسية متوافق عليها بين الأطراف السياسية المختلفة في السودان فسنرى وافدين أكثر، خصوصاً مع توقع عمليات عسكرية مختلفة نوعياً في المرحلة المقبلة بمناطق مختلفة من السودان، خصوصاً في غربه، وهذا يؤدي إلى احتمالات امتداد الحرب السودانية إلى تشاد، وأيضاً قلاقل في جنوب السودان”.

بعد وصفه الحرب في السودان بأنها في مجملها لم تكن “أخلاقية”، ألقى حسن بشير باللوم على الاستجابة الدولية للأوضاع الإنسانية في السودان التي “كانت مخزية” على حد وصفه، موضحاً “الاستجابة الدولية للحاجات كان مخزية، تقدر بين ستة و12 في المئة من إجمال الحاجات”، مستشهداً في ذلك بوقف مفوضية اللاجئين في مصر أخيراً “إعانات للعلاج نظراً إلى ضعف الاستجابة وقلة التمويل، وحصر الإعانة في الحالات الطارئة، بينما الحالات المزمنة أُوقف علاجها”.

حسن بشير: التشظي الحادث يمكن أن يؤدي إلى تفكك الدولة ما لم يتم معالجة جذور الأزمة

ويضيف بشير “هنا لا بد من أن نشير إلى أنه بعد سيطرة الجيش على جزء كبير من السودان واحتمال تشكيل حكومة فإن الاستجابة الدولية وإنقاذ الموقف الإنساني سيعتمدان على طبيعة الحكومة التي تُشكل بعد الحرب، بمعنى هل هي حكومة تجد قبولاً داخلياً وإقليمياً ودولياً يمكنها من الاستقرار، ومن ثم تحدث استجابة دولية للحاجات وكذلك الاستثمار والإعانات. وهنا لا بد أيضاً من أن نتذكر أنه بعد انقلاب الـ25 من أكتوبر 2021 جزء كبير من الاستثمارات توقف، وبعض المنح والإعانات توقفت، ودخول السودان ضمن مبادرة ’هيبكس‘ لمعالجة ديونه الخارجية تعطل، ومن ثم إذا لم يكن هناك حكومة تجد القبول اللازم فإن الوضع الإنساني سيكون صعباً”.

في المقابل وعلى رغم إقراره بعمق الأزمة الإنسانية في البلاد، يشكك عادل عبدالعزيز الفكي، في أرقام الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية في شأنها، قائلاً “المنظمات الدولية معلوماتها (مغايرة)، لأن هدفها الأساس التحصل على المعونات من دافعي الضرائب في الدول الغربية، لذا هي لا بد من أن تزيد وتضاعف الأعداد المتأثرة بالمجاعة والنقص الغذائي، لكن من يعرفون السودان فغالب السكان الريفيين وعددهم ما بين 70 و75 في المئة من عدد سكان البلاد حاجاتهم الغذائية الرئيسة يزرعونها حول القرى، كل قرية في السودان لديها ما يسمى (الجبراكة)، وهي مساحة صغيرة تكون تابعة للأسر المعنية يضعون فيها حبوب الزراعة التي تنبت بفعل الأمطار ومنها يحققون اكتفاءهم، فالأمن الغذائي في السودان متوافر تماماً”.

ويتابع في ما يتعلق بعودة السودانيين إلى قراهم “الآن أنا موجود في مصر، وشاهد على عودة عشرات الحافلات التي تتحرك من القاهرة إلى المعبر على الحدود المصرية – السودانية، ومنها إلى داخل السودان، وهو ما يعني أنه توجد حركة عودة كبيرة، على رغم استقبال الشعب المصري السودانيين بحفاوة والحكومة المصرية لم تقصر إطلاقاً في استيعابهم وتقديم الخدمات لهم، فإن السودانيين يرغبون في العودة إلى وطنهم حينما توافر الحد الأدنى من الأمن والتعليم والصحة”.

ويلقي الفكي باللوم على “الدعم السريع” في تعمق الأزمة الإنسانية، معتبراً أنها لم “تكن تحارب حرباً أخلاقية منذ البداية”، موضحاً “عندما كانت (الدعم السريع) تدخل مدينة أو قرية تنهب المخزونات الغذائية، وهذا أمر موثق بواسطة الأمم المتحدة، سواء مخزونات برنامج الغذاء العالمي بالجزيرة أو دارفور، تنهب القوافل الإغاثية، وكذلك تسمم مياه الشرب، فضلاً عن القتل كما حدث في ولاية الجزيرة، إذاً الظروف الإنسانية في مواقع الصراع كانت قاسية، لكن السودانيين جميعاً يعلمون الجهة التي تسببت في هذا الألم، وما نتج من ذلك من تأثير في حياتهم ومعيشتهم، هذا الظرف الإنساني أنتج حركة نزوح غير مسبوقة”، وأضاف “لا بد من أن نشير إلى أن الموارد الآن ضعيفة، وعليه السودان يحتاج إلى التعاون الدولي، وجرى رفع كثير من الحاجات لمنظمات دولية، لكن استجابتها تكون بطيئة، على عكس الدول أسرع، وشاهدنا استجابات سريعة من دول عدة مثل السعودية والكويت”، مشيراً إلى أن إحصاءات الخسائر التي تكبدها السودان جراء الحرب “تقدر بـ89 مليار دولار للمؤسسات والوزارات الحكومية، وإذا أضفنا إليها المبالغ المترتبة على الخسائر في القطاع الخاص والقطاع التجاري نصل إلى مبلغ يقترب من 127 أو 130 مليار دولار حداً أدنى للخسائر، وهذا يحتاج إلى ثلاثة أنواع من العمل لتوفير الموارد، الأول حشد الموارد الداخلية، وأيضاً المعونة الإنمائية الرسمية وهذه المعونة التي تأتي إما من الدول أو من المنظمات، ونحتاج ثالثاً إلى الاستثمار الأجنبي المباشر، وهذا له شروطه ومتطلباته وأولها الأمن”.

ورداً على سردية الفكي في شأن عودة الحاضنة الشعبية للجيش والأمن الغذائي الذاتي للسودانيين، عادت أماني الطويل، لتقول “كي نكون موضوعيين، بالطبع لا خلاف على أن هناك حاضنة شعبية للجيش ضخمة، وهذا بالطبع نتيجة افتقاد الأمن، والجيش هو الوسيلة الوحيدة لعودة ذلك الأمن المفقود، لكن السؤال: هل سيستمر الدعم الشعبي للجيش في حال إذا ما حكم حكماً مباشراً أم أن هذا الدعم سيكون مستمراً في حال تبني الجيش أو سماحه بعملية سياسية تسمح بتوافق سياسي سوداني؟”، موضحة “ما قاله الدكتور عادل في ما يتعلق بالأمن الغذائي مسألة مهمة، أقصد فكرة أن المجتمع السوداني مستقل عن الحكومة، بمعنى هو يأكل مما يزرع في نطاقات واسعة، لذا فتأثير الحكومة والجيش فيه ضعيف، لا بد من أن نأخذ في الاعتبار الثورة السودانية بغض النظر عن الفواعل السياسية فيها، لكن ما هو ملموس أن هناك شوقاً شعبياً بشكل أو بآخر لحكم يتصف بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة بحكم مدني”.

أماني الطويل: تدشين الجيش عملية سياسية شاملة الضمانة الوحيدة لإخراج السودان من نفقه المظلم

وبحسب الطويل فإن “الشعب السوداني هو الأكثر تقدماً وحرصاً لأجل هذه الأهداف”، معتقدة أن الجيش السوداني “إذا استطاع أن يحسم خياراته ويسمح بعملية سياسية ويكون له دور، وتحسب العلاقات المدنية – العسكرية، حيث مجلس أمن قومي على المستوى العام يسمح بأن تكون العلاقات بين المكون العسكري والمدني علاقة صحية، هذا سيساعد على إصلاح المؤسسة العسكرية، وكذلك على تلافي العيوب المرتبطة بالقوات المتحالفة مع الجيش، وهي القوات التي تنتظر ثمناً، لأنها قدمت تضحيات على الأرض. نعم يوجد جزء من المدنيين الذين جاؤوا وحاربوا عن قراهم وهؤلاء سيعودون، لكن توجد مجموعات لديها أجندة سياسية لا بد من أن توضع في الاعتبار، أعتقد أن إدراك هذا المشكل السوداني في هذه المرحلة ربما يقينا حالاً من الهشاشة الكبيرة، وعليه أكرر إذا سمح الجيش بعملية سياسية وتوافق سياسي بين الأطراف فنحن هنا إزاء دولة تذهب إلى التعافي، أما إذا لم يسمح فنحن إزاء دولة ستعيد إنتاج الأزمة من جديد، ويصبح الدخول في فصل جديد من الحرب أمراً غير مستبعد”.

العامل الخارجي “محفز للحرب”

صبغت أشهر الحرب الماضية بالتدخل الخارجي في الأزمة السودانية على الصعيدين السياسي والعسكري، إلا أن الأخير كان الحلقة الأكثر تعميقاً للصراع، إذ خرجت تقارير عدة مشيرة إلى دعم من قبل شركاء دوليين لديهم مصالح اقتصادية أو استراتيجية في السودان لأحد طرفي الحرب ضد الطرف الآخر.

ويؤكد عادل الفكي أن “العوامل والدعم الخارجي عقّدا من مسار الحرب بشكل كبير”، معتبراً أن “ميليشيات (الدعم السريع) ما كانت لتصمد لو اعتمدت فقط على الأسلحة والمكونات الداخلية، ولاستطاع الجيش أن يتقدم عليها وينتهي منها خلال أسابيع أو أشهر من بداية الحرب”.

وبحسب الفكي، الذي برر دعم الجيش السوداني الخارجي بأنه دعم للدولة السودانية ذاتها “في حربها على الإرهاب والتمرد”، فطوال عمر الحرب “استمر الإمداد العسكري لها (الدعم السريع) من دول معينة وعبر جيران السودان بكل أسف عبر تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، توجد مطارات أثبتت تقارير دولية أن أسلحة حديثة ومسيرات وذخيرة هبطت بها لنقلها إلى (الدعم السريع)، أما الجيش السوداني فأؤكد مرة أخرى أن كل الأسلحة والذخائر التي تحصل عليها هي من مال الشعب، من الموازنة العامة للدولة، إذ لا توجد أي دولة في العالم قدمت أسلحة مجاناً أو مساعدة عسكرية للسودان”، على حد وصفه.

في الاتجاه ذاته، رأت أماني الطويل أن “العوامل الخارجية تسببت بالفعل في تعقيد المشهد بشكل كبير، وتسبب إلى حد كبير أيضاً في حجم الخسائر التي نتجت من الحرب، وأهمها الخسائر الإنسانية”، مشيرة إلى أن “عوامل عدة أسهمت في ذلك منها طبيعة النظام الدولي من جهة التنافسية وعدم وجود هيمنة مستقرة، والصراع الإقليمي حول السودان بسبب موقعه الجيوبولوتيكي، وموقف النخب السودانية وانقسامها وأيضاً انحيازها”، معتبرة أن “هذا المشهد مرشح للاستمرارية ومزيد من التركيب والتعقيد إذا لم يبادر الفاعل الداخلي وهو الجيش بأن يسمح بعملية سياسية، ويسقط التهم عمن يسميهم القحاطة وما إلى ذلك، ويشيع مناخاً تصالحياً في البلاد”.

الأمر ذاته أكده حسن بشير، معتبراً أن تأثيرات العامل الخارجي السلبية في الأزمة “ستستمر لأنه لا يزال موجوداً، وتأثيره مستمر، وهناك قوى دولية مصرة على عدم السماح للإسلاميين بالاستيلاء على السلطة مرة أخرى في السودان”.

أين السياسة من الحرب؟

في ضوء إصرار الأطراف المتحاربة على المضي قدماً في القضاء على الطرف الآخر وعدم “التفاوض إلا حول شروط الاستسلام” فيما يسود الاستقطاب الأحزاب والقوى السياسية والمدنية، كان لافتاً طوال عمر الأزمة هو غياب أي محاولة أو مبادرة سياسية جادة قادرة على وضع نهاية لتلك الحرب المستعرة، وما زاد من تأزم المشهد السياسي تحرك “الدعم السريع” أخيراً لتأسيس حكومة موازية لتلك المعترف بها دولياً والتابعة لقوات الجيش، وعليه طرحنا على الضيوف أسباب تأزم المسارات السياسية لحلحلة الحرب في السودان، لتتباين الرؤى في ما بينهم، مرجعين الأمر إلى أسباب داخلية وأخرى خارجية.

عادل الفكي: الحرب غيرت المشهد السياسي السوداني والحديث عن تحالفات بين أقطاب النظام السابق وقيادات في الجيش أمر تجاوزه الزمن

من جانبه يبدأ عادل عبدالعزيز الفكي حديثه قائلاً “الحديث حول طرفين للصراع ليس مناسباً، الأصح هو أن هذه الحرب هي حرب ما بين الدولة السودانية وطرف متمرد عليها، أي إنه لا يوجد طرفان، وهذا ما تؤكده الأمم المتحدة والدول الأخرى، وعليه فإننا نتحدث عن دولة وميليشيات تحدت هذه الدولة، مضيفاً “(الدعم السريع) كان وحدة من وحدات الجيش لكنه تمرد وحمل السلاح في وجه القيادة، وبدأ في تخريب المنشآت كما رأينا، صحيح أن هناك بعض الدول رغبت في أن يكون الدعم مخلب قط لتنفيذ أجندتها، واستغلته لتحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية، وهذا يدخل في إطار الصراع الدولي حول الموارد، خصوصاً أن السودان غني بالموارد الطبيعية من بترول أو معادن أو موارد زراعية، ولهذا نجد الحديث أحياناً عن طرفين في الحرب”.

بدورها ترجع أماني الطويل فشل التسويات السياسية إلى مجموعة من الأسباب أولها “أن السودان يتموضع جغرافياً بين مصر وإثيوبيا، وهذا التموضع أسهم بشكل أو بآخر أن كل محاولات التسوية تفشل، على خلفية أزمة سد النهضة. طوال الوقت إثيوبيا تحاول تدشين مكون إقليمي معادٍ لمصر، ونتيجة الأهمية الكبيرة للسودان، على المستوى الجيوبولوتيكي لإثيوبيا لم تكن تسمح أديس أبابا للقاهرة بأنها تكون لها يد طولى في المعادلة السياسية بالسودان، وهذا في الحقيقة أحد أسباب الصراع السياسي الداخلي، لأن الإثيوبيين ووراءهم أطراف أخرى استقطبوا جزءاً من النخب السودانية، وهو ما رآه آخرون خطراً، فحدث نوع من أنواع تضارب المصالح هنا، ولا ننسى أن مصر قدمت مبادرة في الأسبوع الأول من الحرب لكنها لم تجد دعماً، ثم قدمت مع جنوب السودان مبادرة أخرى، ومبادرة ثلاثية (مصر وجنوب السودان والإمارات) لكنها لم تجد دعماً أيضاً، وفي يوليو (تموز) 2023 دشنت مبادرة (دول جوار السودان) تبنتها الأمم المتحدة، وبالفعل دشن رمطان لعمامرة جهوداً كبيرة في هذا الشأن من مؤتمر في غانا إلى جيبوتي إلى القاهرة للتنسيق بين الأطراف، لكن الاستقطاب الإقليمي الذي جرى التعبير عنه أخيراً في نيروبي في محاولة إعلان حكومة موازية هو جزء من أسباب فشل التسويات”.

وتتابع الطويل “الأمر الثاني أن الإرادة الداخلية السودانية منعدمة في إنهاء الحرب، وهنا أعود إلى حديث الدكتور عادل الذي يشير إلى أنه ليس هناك طرفان للحرب. الواقع أن هذه القوى المتمردة في السودان ما دامت خرجت من العباءة فقد أصبحت طرفاً، وهذا ما تجسد في عدم الوصول إلى منصة جنيف على رغم الإعداد الدولي لها، نحن أمام حرب على الشرعية، من الممثل للشعب السوداني؟ من المتمرد؟ طوال الوقت الجيش يقول إنه ليس طرفاً، وهذه قوى متمردة على الجيش وإرهابية، ويطلب من المجتمع الدولي الاعتراف بأنها قوى إرهابية، والطرف الثاني طوال الوقت يطلب الشرعية عبر وجوده على مائدة التفاوض، فهذه حرب من حروب الشرعية، وهي في أصلها صراع على السلطة”.

وعليه، تضيف الطويل “على الصعيد الداخلي لا توجد إرادة لإنهاء الحرب، كل طرف يرغب في فناء الآخر، كل طرف يتصور أنه سيحسم الأمور لصالحه عسكرياً، والجيش فعلاً نجح في أن يحسم الأمور عسكرياً في الخرطوم؟ لكنه لن يكون قادراً على فعل ذلك في دارفور، وستتحول الحرب إلى بؤر وصراعات مسلحة مثلما كان الوضع قبل الحرب الشاملة الحادثة الآن”.

أماني الطويل: الجيش حسم الأمور عسكرياً في الخرطوم لكنه لن يكون قادراً على فعل ذلك في دارفور

وتمضي بالقول إن العامل الثالث من أسباب فشل التسويات السياسية، يتمثل في “النظام الدولي”، إذ “لا توجد هيمنة مستقرة عليه الآن”، موضحة “بعد الحرب الباردة شهدنا هيمنة مستقرة للولايات المتحدة الأميركية، الآن تلك الهيمنة تتراجع، قدرتها على ضبط النظام الدولي غير موجودة، أضف إلى ذلك عدم انتصارها بأي حرب عسكرية من أفغانستان والعراق وغيرهما، هذا مؤشر حول وزن الولايات المتحدة الدولي، وكذلك الصعود الصيني والحرب الأوكرانية، أي إننا نعيش حالاً من عدم الانضباط في النظام الدولي، ومن ثم ففي حالات عدم الانضباط تلك نحن مرشحون لرؤية صراعات تنفجر ولا تحسم سريعاً وهكذا، هذه ثلاثة عوامل تضافرت في المرحلة الأخيرة كي لا تساعد في مسألة التسوية”.

هل أصبح تقسيم السودان قريباً؟

على وقع تردي الأوضاع الإنسانية الأمنية والاستقطاب السياسي والعسكري الحاد في السودان يخيم شبح التقسيم على ذلك البلد، الذي لديه تجربه سابقة في انفصال جنوبه عام 2011 بعد أعوام من الحرب الأهلية، مما استدعى سؤال الضيوف عن احتمال أن يكون “الانقسام” أحد السيناريوهات الواردة لمستقبل السودان، الذي يراه البعض وارداً وبقوة فيما يستبعده آخرون.

وبحسب عادل عبدالعزيز فإن “انتصارات الجيش السوداني الأخيرة وما تبعها من عودة الالتفاف الشعبي الواسع حول الجيش، والمضي نحو السيطرة الكاملة على كل البلاد، تؤشر وبقوة إلى أن الأمور تتجه نحو استقرار بقيادة الجيش بمدة معينة حددتها الوثيقة الدستورية”، مستدركاً “قيادة الجيش السياسية تلك الفترة ليست في إطار أن الجيش يريد أن يسيطر سيطرة عسكرية، الأوضاع الأمنية تستدعي أن يكون الجيش في المشهد، والقيادة حددت 39 شهراً لاستقرار الأوضاع”، وعليه يوضح الفكي أنه يجب “خلال تلك الفترة على الأحزاب أن تستعيد مواقعها، لأن الأمر ليس الوصول إلى صناديق الاقتراع إنما ما هو الذي يوحد السودانيين”، معتبراً أن “الانتقال من مرحلة القبيلة إلى مرحلة الحزب السياسي، مسألة مهمة وشاقة، لكنها متقدمة نتمنى من الأحزاب أن تسعى إليها”.

في المقابل لا يستبعد حسن بشير حدوث “سيناريو تقسيم جديد”، قائلاً “مع الأسف تقديرات الجيش والقوى المسيطرة منذ فترة طويلة تحديداً منذ يونيو 1989 وحتى الآن لم تكن صائبة، كانوا يعتقدون أن الجنوب لن ينفصل وانفصل، كانوا يعتقدون أن الحرب في دارفور ستستمر شهراً واحداً وهي منذ عام 2003 وحتى الآن، كانوا يعتقدون أن حرب أبريل ستنتهي خلال 72 ساعة أو أسبوع ولا تزال الحرب مستمرة، لذا فكل السيناريوهات واردة، التشظي الحادث في السودان يمكن أن يؤدي إلى تفكك الدولة السودانية إذا لم تُلتزم الشروط التي ذكرتها سابقاً كضرورة لاستقرار السودان”.

وبتابع بشير “القبائل العربية في دارفور وكردفان أكبر الضمانات لوحدة السودان، الآن حدث استقطاب شديد وأصبحت تصنف حواضن لـ(الدعم السريع) بخاصة قبيلتان كبيرتان مثل المسيرية والرزيقات، إضافة إلى مجموعات سكانية أخرى”، ليقاطعه في الحديث عادل عبدالعزيز قائلاً “لا بد من تأكيد أن قبيلتي المسيرية والرزيقات انفصلت منهما مجموعات صغيرة أصبحت حواضن لـ(الدعم السريع) والقبائل السودانية الأخرى ليست في حال عداء الآن لا مع المسيرية ولا مع الرزيقات، هم في حال عداء مع بيت فقط وهو آل دقلو في واحدة من هذه القبائل، لكي لا يفهم أن هناك الآن انفصالاً عرقياً بين قبيلتين كبيرتين مثل المسيرية أو الرزيقات مع بقية الشعب السوداني، وعليه أؤكد أنه ليس هناك انفصال على هذا النحو، وهناك مساعٍ كي تكون كل القبائل تحت وحدة السودان”.

من جانبها، تتفق أماني الطويل مع ما قاله بشير، معتبرة أن “إمكان تقسيم السودان وارد إذا لم يحدث توافق وطني”، محذرة من وجود “مساعٍ إسرائيلية كبيرة لتقسيم السودان”، ومؤكدة أنه “يوجد مجهود تاريخي من إسرائيل لتقسيم السودان والتقسيم مرتهن بتفكيك المنطقة العربية حتى تكون هناك هيمنة إسرائيلية في الإقليم وإضعاف مصر وشغلها بمحيطها الإقليمي المضطرب”.

وتستند الطويل في رؤيتها إلى كثير من الدراسات والكتب الإسرائيلية التي طرحت مثل فرضيات كهذه، قائلة “هذا ما يفسر لنا الإسناد الإسرائيلي للحركات الخارجة على نطاق الحكومة المركزية في الخرطوم تاريخياً، توجد كتب إسرائيلية صدرت بهذا الشأن، أقصد أن هذا ليس كلاماً مرسلاً أو تسريبات، بل أعضاء في الاستخبارات الإسرائيلية نشروا هذا الحديث، لترويج فكرة أن شعب دارفور أو شعب جنوب السودان سيلقى دولة أفضل في حال انفصاله عن المركز، هذا واقع نحن شاهدناه وأثبتته العلاقات بين رموز في دارفور وإسرائيل”.

وتختتم الطويل حديثها بالقول “رأيي أنه يوجد مشروع إسرائيلي لتفتيت السودان في هذه المرحلة، والجزء القادم هو دارفور، وعلينا أن ننتبه إلى تلك التدخلات الإسرائيلية عبر المجتمع المدني وعبر الأدوات المتعددة في أي مجتمع يشهد انقسامات أو صراعات مسلحة نشطة، أتذكر أنني كنت في اجتماع بنيروبي منذ فترة ووجدت أن بعضاً من النخب السودانية أدركت طبيعة الدور الإسرائيلي في تقسيم السودان في هذه المرحلة، وأظن أن المجموعات المهمشة التي عانت ظلماً تاريخياً في السودان ولم يفتح أمامها مشروع أفق سياسي جامع أو مشروع سياسي توافقي أو مداخل لدولة فيها مواطنة متساوية، هذه دول مرشحة للتقسيم، وعليه فالاندماج الوطني هو الترياق لأي دولة كي لا تواجه شبح التقسيم”.

أي مستقبل ينتظر السودان؟

⁠على وقع تلك التطورات، وفي محاولة لاستشراف مستقبل الحرب في السودان، طرحنا أسئلة حول سبل الخروج من ذلك النفق المظلم للسودان، وأي سيناريوهات متوقعة لمستقبله، مما لاقى تبايناً بين الضيوف، لا سيما في ما يتعلق بالأولويات.

من جانبها تحدثت أماني الطويل عن مستقبل السودان في ضوء مجموعة من المعطيات، قائلة “ربما المعطى الأول الأساس هو مشكلة الاندماج الوطني في السودان، هذه مشكلة مشتركة نواجهها في كل أفريقيا، تمظهرت في الحرب كما تمظهرت خلال الصراع السياسي الذي سبق الحرب بشكل أو بآخر، ومشكلة الاندماج الوطني كانت مرشحة لنوع من أنواع المعالجة، ربما مع استقلال السودان (عام 1956)، لكن النخب السودانية لم تكن تدرك على نحو صحيح ما السودان، وما طبيعة أهله، وما تكويناته الاجتماعية والقبلية، فحكم السودان من الخرطوم، وأهملت بقية المناطق، ومن ثم حدث نوع من الذهنية الثأرية بين الأطراف، وهذا متكرر في مناطق أخرى بأفريقيا”.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا