آخر الأخبار

الحرب في السودان تدخل عامها الثالث… نزيف أرواح متواصل وأفق سلام يتلاشى

شارك

تدخل الحرب الأهلية في السودان بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع الثلاثاء عامها الثالث وسط تفاقم الوضع الإنساني واستمرار نزيف الأرواح، إذ حذرت الأمم المتحدة من أن “الاغتصاب يستخدم بشكل ممنهج كسلاح” في الصراع الدامي المتواصل منذ 15 أبريل/نيسان 2023.

منذ تفجر أزمة دارفور في عام 2003، قبل اندلاع النزاع الحالي، كان السودان يعاني من العنف والنزوح. إذ شكل البلد موطنا لأكثر من مليون لاجئ – وهو ثاني أعلى عدد من اللاجئين في قارة أفريقيا – معظمهم من جنوب السودان وشمال إثيوبيا، وقد فر الكثير منهم من النزاع في إقليم تيغراي الإثيوبي.

ولما اندلعت الاشتباكات الأخيرة بين الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقوات الدعم السريع تحت قيادة نائبه السابق في المجلس محمد حمدان دقلو الذي يطلق عليه لقب “حميدتي”، كان السودان يشهد أعلى مستويات الحاجة الإنسانية منذ عقد.

وبعد أن أنعش خلع الرئيس السابق عمر البشير عام 2019 آمال إرساء دعائم الديمقراطية والعودة إلى الحكم المدني أجهض انقلاب عسكري بعد ذلك بعامين هذه الآمال، إذ أطاح الجيش بالحكومة المدنية الانتقالية، مما أدى إلى اضطرابات سياسية واقتصادية، وأعاد إشعال الصراعات بين الجماعات المحلية.

السلطة والمال

شكلت سنة 2015 مرحلة مهمة في علاقة البرهان ودقلو، إذ ساهمت مشاركتهما في الحرب لدعم الحكومة المعترف بها أمميا في اليمن في تمتينها، كما شاركا معا في إعداد عناصر المقاتلين من “الدعم السريع” والجيش للمشاركة في “عاصفة الحزم” التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين باليمن.

هذه الشراكة ستضحي أكثر صلابة عام 2017، حين أجاز المجلس الوطني (البرلمان) قانون “قوات الدعم السريع”، الذي باتت بموجبه قوات عسكرية “مستقلة” نظامية.

ظلت الشراكة بين الجيش وقوات الدعم السريع هشة بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهي الخطوة التي عرقلت انتقال السلطة للمدنيين بعد الإطاحة بالنظام في عام 2019. وبلغ الخلاف ذروته بسبب خطة مدعومة دوليا لإطلاق فترة انتقالية جديدة مع القوى المدنية.

كان الأمر يتطلب من الجيش وقوات الدعم السريع التنازل عن السلطة بموجب الخطة، وظهر الخلاف بشأن مسألتين على وجه الخصوص، الأولي هي الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش. والثانية هي تسلسل القيادة بين الجيش وقادة قوات الدعم السريع ومسألة الإشراف المدني.

كما تنافس الطرفان المتحاربان على مصالح تجارية مترامية الأطراف سعى كل طرف إلى حمايتها.

ويعانى السودان منذ فترة طويلة من صراعات ناجمة عن تركز السلطة والثروة في وسط البلاد على حساب المناطق الأخرى، وهو ما تتذرع به قوات الدعم السريع لمواصلة القتال من أجل معالجته.

أكبر أزمة نزوح في العالم

منذ اندلاع الاشتباكات الأخيرة في 15 أبريل/نيسان، تدهور الوضع الإنساني بشكل كبير. وفي أغسطس/آب 2024، أكدت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للأمم المتحدة رسميا حدوث مجاعة في إقليم دارفور بالسودان.

بحسب تقارير أممية، يحتاج نصف سكان السودان – أي حوالي 25 مليون شخص – إلى المساعدة الإنسانية والحماية. وتواجه البلاد نقصا حادا في الغذاء والمياه والدواء والوقود، ويعاني أكثر من نصف السكان (25,6 مليون) من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بما في ذلك 8,5 مليون شخص مصنفين في مستويات الطوارئ.

شهد السودان أكبر أزمة نزوح في العالم، وفق فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي أوضح أن “ثلث سكان السودان نازحون، في المجمل، حيث نزح أكثر من 12 مليون شخص داخليا بينما عبر نحو 3,8 مليون لاجئ الحدود، وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع هذا العدد بنحو مليون شخص في عام “2025.

في السياق ذاته، قال يانس لاركيه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إن ملايين السودانيين في حاجة ماسة للمساعدة، وإن “المدنيين وعمال الإغاثة يُقتلون دون معاقبة الجناة، وإن العنف الجنسي يتفشى”. ودعا إلى وقف الهجمات على المدنيين ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات، وضمان وصول آمن للمساعدات، وحماية ودعم المنظمات المحلية.

المحلل السياسي السوداني محمد تورشين وصف هو الآخر في حديث لفرانس24 التداعيات الإنسانية لهذه الحرب بـأنها “كارثية”، إذ أسفرت عن “عدد كبير جدا من القتلى والمصابين من المدنيين العزل في كثير من المدن، حتى الآمنة منها” مضيفا أن قوات الدعم السريع دأبت على تنفيذ هجمات بالطائرات المسيرة، وكذلك بالقصف مدفعيا”.

من جهة أخرى، يرى تورشين أن استهداف المنظمات الإغاثية وكذلك مستودعاتها غيب كثيرا منها وأدى إلى إنهاء تقديم العون الإنساني للمحتاجين والضحايا، الأمر الذي كانت له عواقب وخيمة بل وجعل البعض يفقد حياته جراء ذلك.

النساء والأطفال… الضحية الأكبر

تؤثر الأزمة الإنسانية المستمرة في السودان تأثيرا مدمرا على النساء والأطفال. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، حتى قبل اندلاع القتال، كان أكثر من ثلاثة ملايين امرأة وفتاة سودانية معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي (بحسب الأمم المتحدة فإن النوع الاجتماعي تقصد به الأدوار المحددة اجتماعيا بين النساء والرجال وهذه الأدوار التي تكتسب بالتعليم تتغير بمرور الزمن و تتباين تباينا شاسعا داخل الثقافة الواحدة وتختلف من ثقافة إلى أخرى، بما في ذلك العنف من قبل الشريك).

يقول فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “تصف فرقنا في المنطقة أهوالا مروعة تتعرض لها النساء والفتيات أثناء فرارهن من السودان. يجب أن تتوقف هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان فورا. إن تقديم الدعم للناجيات والمعرضات للخطر أمر عاجل، ولكن التمويل لا يزال بعيدا عن المطلوب”.

وأدت الهجمات على المرافق الصحية والمعدات والعاملين إلى حرمان النساء والفتيات من الرعاية المنقذة للحياة، وكانت النساء الحوامل الأكثر تضررا، وفقا لمنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان. كما أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المنشآت الصحية خارجة عن الخدمة، إضافة إلى انتشار أمراض مثل الكوليرا والحصبة والملاريا في وقت يفتقر فيه ثلثا السكان إلى الرعاية الصحية.

أطفال السودان على رأس المتضررين من تبعات الحرب المتواصلة، ولعل أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تظهر بجلاء هول ما واجهته هذه الفئة خلال الصراع الدامي، إذ ذكرت أن عدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال ارتفع بنسبة ألف بالمئة، مناشدة العالم عدم التخلي عن ملايين الأطفال المنكوبين.

اليونيسف سلطت الضوء على تعرض أطفال للقتل والتشويه والاختطاف والتجنيد القسري والعنف الجنسي، مشيرة إلى أن هذه الانتهاكات “ازدادت بنسبة ألف بالمئة خلال عامين” وانتشرت في جميع أنحاء البلاد.

في السياق ذاته، تشير أرقام اليونيسف التي يعتقد أنها أقل من الواقع إلى أن عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا بجروح في السودان ارتفع من 150 حالة مؤكدة في عام 2022 إلى حوالي 2776 حالة في عامي 2023 و2024.

كذلك، فإن عدد الهجمات على المدارس والمستشفيات ارتفع من 33 حالة تم التحقق منها في 2022 إلى 181 حالة في العامين الماضيين، وفقا للمصدر المذكور الذي أوضح أيضا أنه خلال عامين، تضاعف عدد الأطفال المحتاجين إلى مساعدات إنسانية، إذ ارتفع من 7,8 مليون في بداية 2023 إلى أكثر من 15 مليون طفل اليوم.

فرارا من الموت

أجبر غياب أبسط شروط الحياة، إلى جانب العنف وحالة عدم اليقين، الكثيرين على الفرار من منازلهم. وبعد مرور عامين على بدء الأزمة، نزح نحو 13 مليون شخص – أي واحد من كل ثلاثة سودانيين.

ويشمل هذا العدد 8,6 مليون شخص نازحين داخل السودان، و3,8 مليون لاجئ وعائد. ويُشكل السودانيون نحو 50 بالمئة من عدد السكان المُهجرين قسرا في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.

بحسب المفوضة السامية لشؤون اللاجئين، فإن مصر تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السودانيين (1,5 مليون)، تليها تشاد (773,662)، ثم جنوب السودان (349,935)، وليبيا (256,000)، وأوغندا (72,125)، وإثيوبيا (43,159). وفي جنوب السودان، فإن معظم الوافدين هم من العائدين إلى الوطن (744,412) ممن كانوا يعيشون في السودان لاجئين.

“استعباد جنسي”

توجه الأمم المتحدة اتهامات ضد لقوات الدعم السريع وحلفائها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب واسعة النطاق، لا سيما في إطار “حملة تطهير عرقي في دارفور”. كما تتهم أيضا القوات المسلحة السودانية وحلفاءها بارتكاب جرائم حرب. وتوجه إلى الطرفين تهما بعرقلة صول المساعدات الإنسانية، مما ساهم في تفشي المجاعة.

آخر مظاهر تلك التجاوزات تحدثت عنه منظمة العفو الدولية إذ اتهمت قوات الدعم السريع بممارسة العنف الجنسي في الحرب، لافتة إلى حالات استعباد جنسي واغتصاب جماعي.

وذكر تقرير حديث لأمنيستي صدر الخميس 10 أبريل/نيسان أن “قوات الدعم السريع مارست عنفا جنسيا واسعا ضد النساء والفتيات طوال الحرب الأهلية السودانية التي استمرت عامين، بهدف إذلالهن، وفرض السيطرة، وتشريد المجتمعات في جميع أنحاء البلاد”.

التقرير المؤلف من ثلاثين صفحة تحت عنوان “لقد اغتصبونا جميعا” يتضمن روايات لثلاثين ضحية، بعضهن قاصرات، ولأفراد في أسر الضحايا.

أعمال العنف هذه وقعت بحسب المصدر بين نيسان/أبريل 2023 وتشرين الأول/أكتوبر 2024 في أربع ولايات سودانية، خصوصا في مناطق دارفور والخرطوم والجزيرة، بحسب منظمة العفو.

اليوم، ومع تلاشي آمال بلوغ سلام وشيك، يرى المحلل السوداني تورشين أن الوضع بات أكثير تعقيدا ميدانيا، سيما عقب “استهداف مخيم زمزم للنازحين، وهو مخيم كبير جدا موجود منذ حرب دارفور الأولى، ويضم عدد كبيرا جدا من الأشخاص الذين نزحوا إليه من مختلف ولايات دارفور”، هذا الأمر وفقا للمتحدث “ألقى بظلاله على احتياجات النازحين، وبالتالي فاستهداف المخيم بهذه الوحشية وبهذا العنف أسفر عن مقتل العشرات من النازحين وفرار جله”.

دور خارجي مزدوج

تصاعد الصراعات السياسية والعرقية في السودان أثار مخاوف من انقسام البلاد، ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، مما ينذر بزعزعة استقرار بقعة مضطربة تقع بين منطقة الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي.

ناهيك عن استغلال كلا الجانبين لخام الذهب، أحد الموارد المهمة في البلاد والذي يتم تهريبه على نطاق واسع، لدعم جهودهما الحربية.

تحول الصراع إلى فرصة للتنافس على النفوذ في السودان والمنطقة المحيطة به بين قوى إقليمية ودولية تشمل الإمارات والسعودية ومصر، وإثيوبيا وإيران، وروسيا أيضا.

وخلال عملية الانتقال الديمقراطي بعد الإطاحة بالبشير، كان لبعض القوى الغربية، ومنها الولايات المتحدة دور بارز قبل أن يخفت الاهتمام الدبلوماسي بالسودان بسبب الحربين في أوكرانيا وغزة.

على الرغم من ذلك، وبسبب تصاعد حدة الأزمة الناجمة عن الحرب، جمعت السعودية والولايات المتحدة سنة 2023 وفدين من كلا الطرفين في جدة لإجراء محادثات، لكن وقف إطلاق النار المتفق عليه هناك لم يصمد وتعثرت العملية.

من جانبها، أطلقت مصر والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) مبادرات أخرى مما أثار مخاوف من تداخل الجهود الدبلوماسية.

فرانس24

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا