منذ 15 أبريل 2023 وبعد عامين من الحرب، يعاني السودان صراعا مسلحا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وشهدت حرب السودان تقلبات دراماتيكية، ففي الأشهر الأولي بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها علي غالب العاصمة السودانية الخرطوم وانتشرت في معظم إقليم دارفور، واستولت على غالبية مدن وسط السودان، ولاحقا مالت الكفة لصالح الجيش السوداني الذي بدأ منذ الأشهر الأولي من العام 2024 في استعادة السيطرة علي مدن ومواقع مهمة، حتي تمكن في مارس الماضي من السيطرة على معظم أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم.
— اندلاع القتال
صبيحة يوم 15 أبريل 2023 اندلع قتال عنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وجاءت المواجهات العسكرية كنتيجة لخلافات متصاعدة بين الطرفين حول (الاتفاق الإطاري)، وهو اتفاق اقترحته قوى مدنية لإدارة الفترة الانتقالية.
وتمثلت نقطة الخلاف الرئيسية في بند الترتيبات العسكرية الذي نص علي إصلاح المؤسسة العسكرية، ودمج كل المجموعات المسلحة، بما فيها قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
— تسلسل زمني لأبرز الأحداث
مع اندلاع القتال في 15 أبريل 2023 سيطرت قوات الدعم السريع علي مواقع استراتيجية بالخرطوم، وأبرزها القصر الجمهوري، ومطار الخرطوم الدولي، وأجزاء واسعة من مقر القيادة العامة للجيش، إضافة إلى مقرات عسكرية رئيسية.
وفي 19 مايو 2023، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان قرارا بإعفاء نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم (حميدتي) وهو قائد قوات الدعم السريع، وتم تعيين مالك عقار، وهو قائد لمجموعة عسكرية تحمل اسم (الحركة الشعبية- شمال) نائباً لرئيس مجلس السيادة.
وبوساطة سعودية أمريكية تم التوصل في 20 مايو 2023 إلى “اتفاق جدة” والذي نص علي وقف إطلاق النار لمدة 7 أيام، إضافة إلى إجراء ترتيبات لوصول المساعدات الإنسانية، غير أن الطرفين لم يلتزما بالاتفاق.
في الصورة الملتقطة يوم 15 ديسمبر 2024، مشهد لأشخاص نازحين من منطقة السامراب داخل مدرسة في حي الأحامَدة بمدينة بحري، شمالي العاصمة السودانية الخرطوم. (شينخوا)— الصراع المسلح ينتشر خارج الخرطوم
في 15 يونيو 2023 استولت قوات الدعم السريع على مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، واتبعتها بالسيطرة علي ولايات شرق ووسط دارفور وغرب كردفان، فيما لا تزال قوات الدعم السريع تحاصر، ومنذ 10 مايو 2024 مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور دون أن تتمكن من السيطرة عليها.
وفي وسط السودان، سيطرت قوات الدعم السريع علي مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في 19 ديسمبر 2023، كما استولت في 30 يونيو 2024، على مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، ومدن أخري بالولاية.
— تحركات دولية
في يوليو 2024، وبدعوة من الأمم المتحدة، عقدت الأطراف المتصارعة في السودان حواراً غير مباشر حول قضايا مثل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في جنيف بسويسرا، وكان رمطان لعمامرة، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، وسيطاً لتلك المباحثات التي لم تسفر عن شيء.
وفي أغسطس 2024 ، نظمت الولايات المتحدة جولة جديدة من محادثات وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في السودان في جنيف، وأرسلت قوات الدعم السريع السودانية وفداً للحوار، فيما لم ترسل القوات المسلحة السودانية، وفشل الحوار في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وفي 7 يناير 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد الدعم السريع حميدتي، وفي 16 يناير 2025، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان.
القوات المسلحة السودانية في القصر الرئاسي بالخرطوم، السودان، في 21 مارس 2025. (شينخوا)— تحولات دراماتيكية في مسار الحرب
منذ فبراير 2024 اتبع الجيش السوداني استراتيجية هجومية، وتمكن من السيطرة، وقتها، علي أحياء أبو روف وبيت المال وسط مدينة أم درمان شمالي العاصمة السودانية الخرطوم، وفي 12 مارس 2024 سيطر الجيش السوداني على مقر الإذاعة والتليفزيون الرسمي بأم درمان.
وفي 26 سبتمبر 2024 أعلن الجيش السوداني بدء عملية عسكرية واسعة في العاصمة السودانية، بمشاركة قوات برية وجوية وبحرية.
وخارج الخرطوم، تمكن الجيش السوداني في 6 أكتوبر 2024 من استعادة السيطرة على منطقة (جبل موية) الاستراتيجية بولاية سنار، كما تمكن لاحقا من السيطرة علي مدينتي الدندر والسوكي.
وفي 20 أكتوبر 2024 أعلن قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقل كيكل انشقاقه عن قوات الدعم السريع، وانضمامه مع مجموعة كبيرة للقتال إلى جانب الجيش السوداني، وهو ما دفع قوات الدعم السريع إلى شن حملة عسكرية انتقامية طالت مدن وقرى في منطقة شرق ولاية الجزيرة بوسط السودان، مما أدى إلى مقتل ما يزيد عن 500 شخص، وفقا لمنظمات محلية غير حكومية.
وفي 23 نوفمبر 2024، استعاد الجيش السوداني السيطرة على مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار.
وبدأ الجيش السوداني في 15 ديسمبر 2024 حملة برية لاستعادة السيطرة علي مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وتحقق له ذلك في 11 يناير 2025.
وفي 25 يناير 2025 استعاد الجيش السوداني السيطرة على مصفاة الجيلي للنفط شمال الخرطوم، وهي أكبر مصفاة للنفط بالبلاد، وفي 29 يناير 2025 أعلن الجيش السوداني سيطرته على وسط مدينة بحري شمالي الخرطوم.
وبدأ الجيش السوداني في 18 مارس 2025 حملة عسكرية استهدفت مناطق تواجد قوات الدعم السريع بوسط الخرطوم وحول مقرات حكومية استراتيجية.
وأعلن الجيش السوداني في 21 مارس 2025 استعادة السيطرة على القصر الرئاسي بوسط الخرطوم، إلى جانب استرداد عدد من الوزارات الاتحادية في وسط العاصمة، كما سيطر في 22 مارس 2025 على مقر مصرف السودان المركزي.
كما أعلن الجيش السوداني في 26 مارس 2025 سيطرته على مطار الخرطوم الدولي، ووصل قائد الجيش البرهان إلى الخرطوم عبر مروحية حطت بالمطار لأول مرة منذ اندلاع القتال.
وفي الوقت الراهن، يبسط الجيش السوداني سيطرته علي معظم العاصمة السودانية الخرطوم، فيما لا تزال قوات الدعم السريع تتواجد في مناطق بغرب وجنوب مدينة أم درمان شمالي العاصمة.
ولا تتوفر حتي الآن أرقاماً تفصيلية عن عدد ضحايا العنف في السودان، بينما تقول آخر إحصائية صادرة عن موقع ((ACLED))، وهي منظمة عالمية غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة، إن الحرب خلفت 29683 قتيلا.
كما تسببت الحرب في فرار أكثر من 14 مليون شخص، وفقا لمنظمة الهجرة الدولية، بواقع 11 مليون شخص نازح داخل البلاد، و3.1 مليون شخص عبروا الحدود إلى دول مجاورة.
وبينما يكمل النزاع المسلح في السودان عامه الثاني، يصر طرفا النزاع (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع) على مواصلة القتال حتي تحقيق (النصر).
وفي آخر خطاب له في 29 مارس الماضي، أكد الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان وقائد الجيش أن طريق السلام يظل مفتوحا بشرط أن تضع قوات الدعم السريع السلاح، وإلا فإن الجيش السوداني لن يتراجع عن هزيمة الدعم السريع.
وفي المقابل، تعهد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في خطابه الأخير في 30 مارس الماضي بمواصلة القتال، وأكد حميدتي أن الحرب ما زالت في بدايتها ولم تنته بعد.