الفرقاء السودانيون يدفعون نحو التصعيد. فقوات الدعم السريع تكثف حملاتها على مدينة الفاشر التي يتمركز بها الجيش، فتخيره بين انفصال دارفور أو المفاوضات، وقائد الجيش يحاط بأجواء سياسية غير راغبة في وقف الحرب مستفيدا من المكاسب الميدانية، فكيف يمكن اختراق هذا المشهد والعودة إلى مسار جدة.
وتعالت أصوات دعت للذهاب إلى مفاوضات وقف الحرب في السودان مع دخولها العام الثالث، وسط تغيرات سياسية وعسكرية قد تمهد لاستعادة مسار تسوية في جدة لم يكتمل، ورعته السعودية والولايات المتحدة، ومنحت تعقيدات المشهد العام في إقليم دارفور إشارة بأن استعادة الخرطوم لن تكفي لحسم الحرب عسكريا.
وأكد الناطق باسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور آدم رجال، أمس السبت، أن قوات الدعم السريع شنّت هجمات جديدة على معسكر زمزم للنازحين قرب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المواطنين، وسط ظروف إنسانية صعبة يعيشها سكان المعسكر.
وكثفت الدعم السريع هجماتها على الفاشر، وهي معقل للجيش السوداني وحلفائه في إقليم دارفور، لتحقيق تقدم عسكري يخدمها حال العودة إلى المفاوضات، بما يدعم خطتها البديلة، ممثلة في السيطرة على الإقليم تماما وإعلان حكومة موازية من داخله. وجاء الحديث عن العودة إلى منبر جدة مع دعوة السعودية والولايات المتحدة طرفي النزاع للعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أيام من زيارة قام بها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى السعودية، تطرقت إلى هذه المسألة.
وأكد المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد أن زيارة البرهان إلى السعودية في نهاية مارس الماضي تطرقت إلى استئناف مفاوضات منبر جدة، وأبدى موافقة على إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الدعم السريع، وجرى الارتكان إلى تطبيق جزء كبير من إعلان المبادئ الموقع في العام 2023 مع خروج عناصر الدعم من الأعيان المدنية والمنازل في العاصمة الخرطوم إلى خارجها، وهو ما يشي أن ذلك من الممكن أن يكون قد حدث باتفاق غير معلن بين طرفي الحرب.
عادل سيد أحمد: المشكلة في أن قائد الجيش يحاط بأجواء سياسية غير راغبة في وقف الحرب
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المشكلة في أن قائد الجيش يحاط بأجواء سياسية غير راغبة في وقف الحرب، من جانب فلول نظام البشير، ومن يحملون أجندات إثنية وقبلية، وفي مقدمتهم عدد من قادة الحركات الدارفورية المسلحة المتحالفة مع الجيش، وهؤلاء لديهم ثارات قديمة مع قوات الدعم السريع، ويريدون سحقها عسكريا في إقليم دارفور قبل التوجه إلى أيّ مباحثات سياسية.
وأشار إلى أن عددا من حركات دارفور يريد إضعاف المكون العربي داخل الجيش السوداني، وهي تركيبة تنتمي إليها غالبية عناصر الدعم السريع التي تنحدر من قبيلة الرزيقات العربية، إلى جانب قبائل أخرى عربية تتحالف معها، ما يجعل الحرب تأخذ الطابع القبلي، وهو ما يعقد مسارات الاتجاه نحو التسوية السياسية بوجه عام.
وقد يُفضي ذلك إلى اتجاه قوات الدعم السريع إلى تطبيق الخطة (ب) والمرتبطة بتشكيل حكومة موازية من دارفور، ووقتها ستكون الضغوط أقوى على الجيش للذهاب إلى المفاوضات، وحال استمرت المعارك فإن الحكومة الموازية المنتظرة سوف تصبح سائرة في طريق فصل إقليم دارفور وقيام دولة أخرى.
وثمة ملامح تشير إلى إمكانية العودة إلى منبر جدة، إذا خفف الجيش من إصرار حلفائه المضي في الحرب، لأن الاعتماد على عمليات عسكرية طويلة لن يخدم الجيش الذي حقق تقدما ربما يفقده بخسارة مناطق أخرى، ويبدو الاتجاه نحو المفاوضات حاليا في صالحه كطرف متفوق عسكريا، يمكنه وضع قوات الدعم السريع في موقف الرافض للتفاوض، مثلما كان يحدث سابقا حينما كان الجيش الطرف الأضعف في المعادلة.
وتضع دوائر سودانية في اعتبارها أن قوات الدعم السريع تحاول تعزيز قوتها بما يساعدها على قلب موازين المعركة مرة أخرى لصالحها، وحال استمر الوضع كما هو فكلفة الحرب سوف تصبح مرتفعة، والبنى التحتية للدولة باتت عرضة للمزيد من التدمير الذي يقوض قدرة أيّ طرف يتولى السلطة بعد توقف الحرب.
ويبدو التفاوض فرصة لقوات الدعم السريع عبر الحصول على مكاسب سياسية من خلال المباحثات التي تضمن وجودها في هياكل السلطة ومنع إقصائها بشكل كامل من المشهد لو تعرضت إلى خسارة ما تبقى من مناطق نفوذ، خاصة أن ثمة جرائم بحق المدنيين ارتكبتها ويتم توثيقها قد تجعلها منبوذة شعبيا، كما أن توحد القبائل خلفها في إقليم دارفور لم يتحقق لوجود حواضن شعبية لحركات مسلحة متحالفة مع الجيش.
وقال الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد محمد الهادي محمود إن إرادة وقف إطلاق النار لا يتوقف على طرفي الصراع فقط، ويعمل الجيش على بناء إستراتيجية للتعامل مع الوضع الجديد بعد تحرير معظم الولايات، ويضع في اعتباره أن الدعم السريع موجودة في مناطق مؤثرة وتشكل تهديدا في ولايات أخرى، وهي مؤشر على ضرورة الاتجاه إلى السلام، غير أن المشكلة الرئيسية تكمن في القيادة السياسية للحكومة السودانية التي يسيطر عليها محسوبون على تنظيم الإخوان.
◙ قوات الدعم السريع تكثف هجماتها على الفاشر، معقل الجيش في دارفور، لتحقيق تقدم عسكري يخدمها في المفاوضات
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن العوامل الخارجية أكثر إيجابية بشأن الاتجاه إلى السلام، لأن الوضع الإقليمي الذي جرى فيه تقليم أذرع إيران في لبنان وسوريا وغزة وتوالي الضربات للحوثيين في اليمن يمكن أن يتدهور بسبب استمرار الحرب في السودان، الذي له سواحل طويلة على البحر الأحمر، ولن تسمح قوى كبرى أن تشكل تهديدا جديدا لمصالحها، ما يجعل هناك رغبة للتهدئة في السودان والذهاب ووقف الحرب فيه.
ولفت إلى أن التوتر الذي أحدثته الحرب في دول مثل جنوب السودان ووجود قوات أوغندية على أراضيها لحماية الوضع، والتوترات في تشاد وليبيا وإثيوبيا، تبرهن على أهمية استقرار السودان لتأثيره على الوضع الإقليمي، علاوة على حالة الإنهاك التي تعرضت لها قوات الجيش والدعم السريع.
وحذرت وكالات أممية من حجم الأزمات الإنسانية التي يعانيها سودانيون في غياب السلام المستدام، وحثت المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فورية لوقف الدمار.
وذكر يانس لاركيه المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن اثنين من كل ثلاثة أشخاص يحتاجون إلى المساعدة في السودان، أي 30 مليون شخص، فضلا على نزوح أكثر من 12 مليون شخص ومعاناة 25 مليونا من الجوع الحاد، واحتياج 40 في المئة من السكان لمساعدات صحية عاجلة.