قد يجد الكثير من الطلاب السودانيين أنفسهم بلا تعليم، بعد قرار بإغلاق الجامعات في الخارج وإلزامها بإعادة فتح أبوابها في السودان، في ظل خوف الأساتذة والطلاب من العودة جراء انعدام الأمان
ألزمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السودان جميع مؤسسات التعليم العالي الحكومية والأهلية والخاصة بإغلاق مراكزها في الخارج، ونقل أنشطتها إلى مقراتها داخل البلاد. وأصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي، محمد حسن دهب، قراراً في الخامس والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، أمر فيه مؤسسات التعليم العالي بالعودة فوراً إلى ممارسة أنشطتها الأكاديمية من داخل البلاد، بعد عامين قضتها تعمل في الخارج بسبب الحرب التي اندلعت منتصف إبريل/ نيسان 2023 في الخرطوم، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتأثرت بها أجزاء واسعة من البلاد.
وقال إن القرار جاء تماشياً مع الانتصارات المتتالية التي حققتها القوات المسلحة والقوات المساندة لها خلال الأيام الماضية، وتوسيع الرقعة الآمنة بولايات السودان المختلفة. وشدد على ضرورة تنفيذ القرار، مشيراً إلى أنّ “التعليم العالي يخوض ملحمة جديدة باستمرار الدراسة في الولايات الآمنة كافة، والولايات التي حُرِّرَت من دنس مليشيات الدعم السريع المتمردة التي دمرت تلك المؤسسات بصورة مخططة وممنهجة”، مؤكداً اهتمام الدولة بإعادة إعمار ما دمرته المليشيات من مؤسسات، وفقاً لنص البيان.
وكانت الجامعات السودانية قد نقلت أنشطتها الأكاديمية إلى خارج السودان بعد احتلال مقارّها من قبل أطراف الحرب، واستمرت في التعليم عن بعد وإجراء الامتحانات في عدد من الدول التي استقبلت اللاجئين السودانيين.
إلا أن القرار رفض من قبل طلاب وهيئات تدريس في الجامعات وعمداء كليات ولجان إدارية مختلفة، بحجة أن الوضع الأمني داخل السودان لم يستقر بعد، وأن الكثير من الأساتذة والطلاب يعيشون اليوم لاجئين خارج السودان، وليس من السهل أن يعودوا في الوقت الحالي. ويصف أستاذ في كلية الآداب في جامعة الخرطوم، فضل عدم الكشف عن هويته خوفاً من اتهامه بتحريض بقية الأساتذة، القرار بأنه “سياسي” ولا يمت إلى واقع التعليم بصلة. ويقول لـ “العربي الجديد” إن الكثير من الأساتذة الجامعيين ارتبطوا بعقود عمل مع جامعات وجهات في الخارج، ويحتاجون إلى وقت من أجل إتمام أوضاعهم قبل العودة إلى السودان، الذي لا يزال يشهد وضعاً مأساوياً بسبب الحرب”.
من جهته، يوضح أستاذ آخر في كلية الهندسة في جامعة الخرطوم، فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه بقي يُعلم طلابه الذين يتوزعون بين عدد من الدول عن بعد، وقد استطاع الوصول إلى 30% من طلابه في الخارج، و40% في الداخل، وتحديداً في الولايات التي لم تتأثر بالحرب. يضيف أن الجامعات لا تستطيع تنفيذ القرار، لأنها لا تملك القدرة المالية في الوقت الراهن من أجل ترميم الأضرار التي لحقت بها حتى تستقبل الطلاب.
ويوضح أن جامعة الخرطوم تُعَدّ إحدى أكثر الجامعات تضرراً، لأنها كانت مسرحاً لعمليات عسكرية عنيفة منذ اليوم الأول للحرب. وبالإضافة إلى فقدان معدات العمل الأكاديمي داخل الكليات، تعرّض السكن الجامعي للأساتذة لتدمير كامل، ويحتاج ترميمه وتهيئته لاستقبال أسر الأساتذة للإقامة فيه بعض الوقت.
وفي الثالث من مارس/ آذار الماضي، قررت جامعة أم درمان الإسلامية وقف استعداداتها لإجراء بعض الامتحانات في الخارج، ومعاودة عملها من داخل البلاد. وأصدر مدير الجامعة، الفاتح الحبر عمر أحمد، قراراً بضبط أوضاع كليات الجامعة والمعاهد والفروع ومعاودة أنشطتها في الداخل. وتضمن القرار أن تكون اجتماعات مجلسي الأساتذة والعمداء حضورية من داخل مقرات الجامعة في السودان، بعدما ظلت تعقد عن بعد مدة عامين.
وتصدى طلاب كلية العلوم الهندسية في الجامعة، الذين كانوا على وشك إجراء الامتحانات في الخارج، لقرار الجامعة، وأعلنوا عدم القدوم إلى السودان، بحسب بيان أصدرته اللجنة التسييرية لطلاب كلية العلوم الهندسية في مارس الماضي. ووصف البيان قرار إغلاق مراكز الجامعة في الخارج بأنه لم يراعِ الوضع الأكاديمي والنفسي للطلاب، وأنه يشكل تهديداً لمستقبلهم ويدفعهم إلى التأخير مدة عام أكاديمي كامل مقارنة ببقية الكليات.
ويقول الطالب أحمد إبراهيم، اللاجئ حالياً في مصر، إن القرار شكل صدمة عنيفة للكثير من الطلاب الذين انتظموا في الدراسة عن بعد، واستعدوا للخضوع للامتحانات بعد عيد الأضحى المقبل، ليفاجأوا بإغلاق المراكز في الخارج.
إبراهيم الذي يدرس في كلية الهندسة في جامعة أم درمان، يقول لـ “العربي الجديد” إن بعض الطلاب صاروا يفكرون جدياً في التخلي عن كلياتهم بالجامعات السودانية والبحث عن جامعات خارج السودان. لكن الظروف الاقتصادية التي يمرون بها تقف عائقاً أمام تحقيق تطلعاتهم. ويصف القرار بأنه يُضر بمصلحة آلاف الطلاب الذين وجدوا في الدراسة عن بعد منفعة كبيرة، وكادوا أن ينهوا سنواتهم الدراسية من دون مشقة.
وأعربت اللجنة التسييرية، في بيان، عن رفضها لإغلاق المراكز في الخارج، وقالت إن “القرار يتجاهل تماماً وضع طلاب الهندسة، الذين استعدوا للامتحانات في المراكز الخارجية، ثم فوجئوا بقرار إغلاق هذه المراكز، ما وضعهم في موقف صعب بين المطرقة والسندان، لا يعلمون متى ستُعقد امتحاناتهم، ولا كيف سيُستكمَل عامهم الدراسي”. وطالبت بإعادة فتح المراكز الخارجية فوراً لاستكمال الامتحانات.
ويقول وليّ إحدى الطالبات التي تدرس في كلية الصيدلة في جامعة الخرطوم، وتقيم حالياً في بنغازي في ليبيا، إنه يستحيل أن يسمح لابنته بالعودة إلى السودان في مثل هذه الظروف التي تواجه فيها النساء تهديداً مباشراً على سلامتهن الشخصية، في ظل انتشار مختلف أنواع الانتهاكات. ويذكر الوالد الموجود حالياً في منطقة أم درمان، أنه أرسل أسرته إلى ليبيا لتقيم لدى شقيقه في ليبيا، فيما بقي هو في أم درمان. يضيف أن الوضع الأمني الذي تشهده المدينة حالياً غير مناسب لعودة الأسرة إليها، واستبعد عودة الطلاب من الخارج لإكمال تعليمهم.
ومن العاصمة الكينية نيروبي، تقول الطالبة سلوى إبراهيم، التي تدرس في كلية البصريات في جامعة النيلين، إنها لن تتمكن من العودة إلى السودان، لأنها تقيم حالياً مع أفراد أسرتها في كينيا. وتوضح لـ “العربي الجديد” أن قرار الوزارة مخالف للمنطق، إذ إن الطلاب كانوا منتظمين في دراستهم عن بعد، من دون أي مخاطرة بسلامتهم وأمنهم، وبأقل كلفة مالية. لا يمكن أن يعودوا إلى السودان الذي لا يزال يعاني ويلات الحرب بشهادة العالم أجمع”.
أما مدير جامعة النيلين في الخرطوم التي استردها الجيش من “الدعم السريع”، الهادي آدم محمد، فيصف قرار إغلاق مراكز الجامعات في الخارج وفي الولايات غير المتأثرة بالحرب، بأنه يحتاج إلى مراجعة، وأن عوامل تطبيقه تتجاوز قدرة الجامعات. ويقول لـ “العربي الجديد” إن الجامعات تعرضت لدمار كبير، وتحول عدد منها إلى مقرات عسكرية استُهدِفَت بكثافة خلال العامين الماضيين، وقد سرقت معداتها أو أتلفت نهائياً. لذلك، تحتاج إلى الكثير من المال من أجل تهيئتها بالصورة المناسبة لعودة الطلاب. ويؤكد أنها تعمل جاهدة لتطبيق القرار، وتنتظر الدعم المالي من أجل إصلاح ما لحق بها.
ويكشف مدير جامعة النيلين في حديثه لـ “العربي الجديد”، أن جامعته اضطرت إلى إغلاق 15مركزاً، منها سبعة مراكز خارج السودان، وثمانية مراكز موزعة على الولايات الآمنة.
في هذا السياق، تقول الطالبة يسرى عبد الله، من جامعة سنار، التي تقع إحدى كلياتها في مدينة سنجة بولاية سنار، والتي خضعت ما بين يوليو/ تموز ونوفمبر/ تشرين الثاني 2024 لسيطرة “الدعم السريع”، إن الجامعة أغلقت مراكزها في الخارج وأخطرت الطلاب بالعودة إلى مقر الجامعة في السودان من أجل مواصلة دراستهم من دون أن تضع اعتباراً للأسباب التي أجبرت الطلاب على اللجوء إلى دول الجوار والنزوح داخل السودان.
وتشير الطالبة التي تقيم حالياً مع أسرتها في السعودية، إلى أنها لا تستطيع العودة إلى السودان في الوقت الراهن. وفي حال تمسكت الجامعة بتنفيذ قرار الوزارة، قد تضطر إلى تأجيل عامها الدراسي على أمل أن تتوقف الحرب، أو يُطرَد “الدعم السريع” التي توجد على بعد بضعة كيلومترات من المدينة حيث كليتها.
إلى ذلك، يقول مسؤول رفيع في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ “العربي الجديد”، إن القرار أضر بالمصلحة الفضلى للطلاب والأساتذة. ويبين أن 60% من أساتذة الجامعات حالياً خارج السودان ولا يمكنهم العودة، كذلك فإن 50% من بعض الكليات في الجامعات السودانية إناث، ولا يمكن للعائلات أن تسمح لبناتها بالذهاب إلى الجامعات في مثل هذه الأوقات الخطرة.
ووفقاً لوكيل وزارة التعاليم العالي والبحث العلمي بالسودان، سامي الشريف، فإنّ عدد الجامعات داخل العاصمة الخرطوم وحدها، حيث لا تزال الحرب تدور في بعض مناطقها، يتجاوز 25 جامعة، منها ست حكومية، وهي جامعة الخرطوم والنيلين وأم درمان الإسلامية وجامعة بحري وجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وجامعة السودان المفتوحة، وحوالى 19 جامعة تتوزع ما بين الجامعات الخاصة والأهلية. يضيف سامي في حديثه لـ “العربي الجديد”، أن الجامعات تسعى لتحسين أوضاعها في أسرع وقت حتى يتمكن الطلاب من إكمال عامهم الدراسي.
ورغم تمسك بعض الجامعات السودانية بتنفيذ القرار فور صدوره، فإن مدير الإعلام في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، علاء الدين حامد، ينفي أن تكون الوزارة قد تدخلت في أمر الجامعات. ويقول لـ “العربي الجديد” إن الوزارة تركت للجامعات تقديراتها لتنفيذ القرار. يضيف: “إن كان لدى جامعة طلاب استعدوا للامتحانات في الخارج، فإن الوزارة لن تتدخل في أمرها إذا ما أكملت إجراء الامتحانات ثم أغلقت مراكزها الخارجية”.