أثر تراجع التمويل الأميركي للمنظمات الأممية بشكل مباشر على اللاجئين السودانيين في مصر الذين يحتاجون إلى علاجات مكلفة وينتظرون تلقي منافذ جديدة للدعم تساعدهم على استكمال رحلة علاجهم، أو البحث عن وسيلة يضمنون بها تلقي العلاج في مستشفيات حكومية، هي أصلا مكتظة بالمرضى المصريين.
القاهرة – يواجه لاجئون سودانيون في مصر متاعب جديدة مع تأثرهم بمشكلات نقص تمويل المنظمات والهيئات الأممية التي تضررت بسبب وقف التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة لها عقب تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة، ما دفع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر إلى تقليص دعمها لآلاف المرضى الذين فروا من ويلات الحرب بالسودان وتدمير غالبية المنشآت الصحية.
وقالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن الأزمة العالمية في التمويل الإنساني أجبرتها على تقليص دعمها المنقذ لحياة لاجئين وطالبي لجوء في مصر، وأصبح عشرات الآلاف، من بينهم العديد من السودانيين الذين أجبروا على الفرار من بلدهم، غير قادرين على الحصول على رعاية صحية حيوية وخدمات حماية الطفل ومساعدات أخرى.
إقبال علي أحمد: المستشفيات الخاصة بمصر تستنزف جيوب اللاجئين
وبسبب نقص الموارد المالية وحالة عدم اليقين بشأن مساهمات المانحين، اضطرت المفوضية إلى تعليق أشكال العلاج الطبي للاجئين في مصر، باستثناء الحالات الطارئة.
ويؤثر هذا القرار على حوالي 20 ألف مريض، منهم عدد يحتاج إلى جراحات قلب وعلاج كيميائي وأدوية لعلاج الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
ويواجه لاجئو السودان مشكلات مركبة، لأن المفوضية التي كانت تتولي الجزء الأكبر من تكاليف العلاج الباهظ والمرتبط بالأمراض المزمنة والأورام وفقر الدم لم تعد تقوم بدورها، في وقت تعاني فيه بعض المستشفيات الحكومية المصرية من مشكلات جمة نتيجة زيادة الإقبال عليها من المواطنين واللاجئين أيضا، وتفاقمت الأزمة مع زيادة هجرة الأطباء، ما أثر على عدد الأطباء وتسبب في ظهور الشكوى من عدد ساعات العمل لتعويض النقص.
ومن الصعب تحمل أكثر من 700 ألف لاجئ سوداني مسجل لدى المفوضية، أغلبهم يعانون من أمراض مزمنة، كما أن الاعتماد على المستشفيات المصرية الخاصة صعب بسبب ارتفاع التكاليف.
وينتظر الكثير من المرضى تلقي منافذ جديدة للدعم تساعدهم على استكمال رحلة علاجهم، أو البحث عن وسيلة يضمنون بها تلقي العلاج في مستشفيات حكومية، هي أصلا مكتظة بالمرضى المصريين، ما يكون دافعا نحو العودة إلى بلدهم وسط ظروف قاسية جراء استمرار الحرب، أو البقاء ومواجهة مصيرهم المجهول.
أغلب اللاجئين السودانيين يعانون من أمراض مزمنة
ويعاني الكثير من السودانيين مشكلات معيشية متفاقمة مع طول أمد اللجوء، وارتفاع معدلات التضخم في مصر، وتراجع القدرة على تقديم التمويل اللازم لهم.
وأكدت إقبال أحمد علي، وهي ناشطة سودانية تقيم في القاهرة وعضو الهيئة القومية للدفاع عن الحقوق والحريات، أن معاناة العلاج في مصر مستمرة قبل قرار المفوضية الأخير، بسبب ارتفاع تكاليف العلاج وعدم تعامل المنظمات العالمية مع الأوضاع الصحية للاجئين السودانيين بالشكل الكافي، وما كان يصل إلى اللاجئين من دعم شهري للمعيشة والعلاج لا يتجاوز 450 جنيه شهريا (الدولار= 51 جنيها) عند بداية الحرب ووصل إلى 900 جنيه وهو مبلغ زهيد مع ارتفاع معدل التضخم في مصر.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن المستشفيات الخاصة بمصر تستنزف جيوب اللاجئين، وهناك صعوبة في الوصول إلى المستشفيات الحكومية التي تعاني من ازدحام المرضى، وأغلب اللجوء إلى منظمات تعمل في مصر وتمنح تمويلا للعلاج مثل “كاريتاس”، لكنها تأثرت بتراجع التمويل الأميركي للهيئات الإغاثية والإنسانية، وتطالب بتقارير طبية من المستشفيات قبل منح التمويل وترفض المستشفيات الخاصة المصرية منح التقارير الطبية للاجئين للحصول على تمويل.
وأشارت إلى أن المشكلة تتمثل في أن الأمراض التي تحتاج إلى تكاليف علاج باهظة، مثل زراعة الكلى وأمراض القلب والجلطات، جرى استثناء منحها تمويلا من المنظمات الإنسانية مع تراجع التمويل، ولا تقبل المستشفيات الحكومية هذه الحالات إلا في حال وجود إقامة لاجئ، ولا يتوفر ذلك لعدد كبير من السودانيين المتواجدين في مصر، وثمة منظمات تتعامل مع الهيئات الإغاثية الدولية أوقفت الدعم الصحي، وقلصت ميزانيات رواتب العاملين بها، ولم يعد لها حضور فاعل.
أحمد بدوي: المنظمات في مصر خفضت ميزانياتها بنسبة 30 في المئة مبدئيا
واستقبلت مصر أكثر من 1.5 مليون سوداني ممن اضطروا إلى الفرار بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ نحو عامين، وهو عدد كبير مقارنة بأي دولة أخرى استقبلت سودانيين، ويضاف السودانيون الجدد إلى حوالي 670 ألف لاجئ سوداني مسجل لدى المفوضية.
وتلقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين سابقا نحو 70 مليون دولار من أصل 135 مليون دولار كانت بحاجة إليها لمساعدة حوالي مليون لاجئ وطالب لجوء مسجلين من السودان و60 دولة أخرى يقيمون حاليًا في مصر.
وأدى الانخفاض الحاد في التمويل الإنساني منذ بداية هذا العام إلى نقص في الموارد، أجبر المفوضية على اتخاذ قرارات صعبة بشأن البرامج المنقذة للحياة.
وتركز المفوضية جهودها على الأنشطة المنقذة للحياة ودعم الفئات الأكثر ضعفًا، بمن في ذلك الأطفال غير المصحوبين بذويهم والناجون من العنف الجنسي والتعذيب. ومع ذلك تظل هذه البرامج معرضة للخطر، إذا لم يتم تأمين تمويل عاجل.
ولفتت إقبال أحمد علي، وهي على تواصل مستمر مع مفوضية اللاجئين بمصر، إلى أن الأطفال السودانيين يعانون من أمراض سوء التغذية، بينما يعاني الكبار أمراضا مزمنة، وأن ثلثي السودانيين المتواجدين في مصر والمقدر عددهم بخمسة ملايين شخص يعانون من أمراض مزمنة، مؤكدة أن قرار اللجوء إلى مصر ينبع من فكرة الحصول على العلاج، حيث يوجد نظام صحي أفضل من تشاد وأوغندا وجنوب السودان.
وتعرض ما يزيد عن 75 في المئة من المستشفيات ومرافق العلاج، بما في ذلك المتخصصة في أمراض السرطان والكلى والقلب وغيرها، للتدمير في السودان جراء الحرب.
المستشفيات الحكومية مكتظة
وذكرت إقبال في حديثها لـ”العرب” أن القنصليتين المصريتين في حلفا وبورتسودان فتحتا مؤخرا باب التقديم للحصول على تأشيرة علاجية لأصحاب الأمراض المزمنة شريطة توفر التقارير الطبية اللازمة، ورغم أن التأشيرة قد تتأخر تبقى إجراء مهما للتخفيف من الأزمات الصحية التي يعانيها سودانيون في ظل الحرب.
وتقوم بعض المراكز الصحية الخيرية في مصر بدور مهم في استقبال المرضى السودانيين وتقديم العلاج إليهم بأسعار زهيدة، وهي مراكز تنتشر في مناطق متفرقة ويتوافد عليها الكثير من اللاجئين، وتوفر أطباء على مستوى جيد من الكفاءة.
وأوضحت إقبال أن الأطباء السودانيين في مصر يقومون بدور في التخفيف من حدة الأزمة عبر إجراء مقابلات عبر الهاتف مع اللاجئين المرضى، مع عدم قدرتهم على فتح عيادات خاصة بهم، وأن الكثير من السودانيين استفادوا من التواصل مع الأطباء بشكل فردي بعيدا عن المؤسسات الطبية، وتوفر بعض المنظمات السودانية التكاليف الخاصة بالعلاج، إلى جانب جهود العون الذاتي التي لا تتوقف لتوفير الغذاء والعلاج.
وتستقبل مستشفيات جامعية وعامة في مصر أعدادا من المرضى السودانيين، وتسري عليهم القواعد التي تطبق على المصريين، وفي حالة الأمراض المستعصية تحوِّل المستشفيات أوراق السودانيين إلى منظمات وهيئات دولية تتولى دفع كلفة العلاج عنهم، أسوة بمنظومة العلاج على نفقة الدولة في مصر.
وأوضح المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية حسام عبدالغفار أن الخدمات الطبية تقدم لجميع المحتاجين إليها بغض النظر عن الجنسية أو السؤال عن أوراق الإقامة، ويتم التعامل معهم كمرضى فقط وليسوا كوافدين أو مواطنين.
الأمراض التي تحتاج إلى تكاليف علاج مرتفعة، مثل زراعة الكلى وأمراض القلب جرى استثناء منحها التمويل
وقال رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين (حقوقية) أحمد بدوي إن المنظمات العاملة في المجال الصحي تواجه وضعا صعبا للغاية، وكان من المتوقع أن يكون تراجع التمويل الأميركي مقتصرا على المشاريع الإنمائية، لكن ما حدث أن الأنشطة الصحية تضررت بشكل كبير عقب تراجع التمويل، والمنظمات العاملة في مصر خفضت ميزانياتها بنسبة 30 في المئة مبدئيا، وقد يتزايد الرقم الفترة المقبلة، حال لم تجد بدائل للتمويل، وسوف يطال التأثير دعم الإعاشة المقدم إلى اللاجئين.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن المنظمات المعنية بقطاع الصحة المرتبط بأوضاع اللاجئين تبحث عن مصادر تمويل لتغطية الفجوة الكبيرة في هذا القطاع، ومن المتوقع أن يستمر ذلك لعدة أشهر، وتوقفت فعلا الكثير من الأنشطة الصحية، وبعض المرضى ممن كانوا يتلقون العلاج داخل مستشفيات خاصة بدعم المنظمات الأممية تعرضوا للطرد نتيجة لعدم سداد التكاليف، وتجد شريحة من السودانيين صعوبة في توفير العلاج الشهري، وهي مشكلة سوف تزداد الشهر المقبل.
وبدأت تبعات توقف الدعم الصحي تظهر في زيادة معدلات الوفيات بين السودانيين، وتورط البعض في جرائم عنف وسرقات جراء عدم وجود سيولة مالية تساعده على تدبير أوضاعه المعيشية، وستكون لذلك انعكاسات على زيادة معدل الشحاذة، حيث يفترش بعض السودانيين الطرقات بسبب ضيق الحال.
وقالت نائبة ممثلة المفوضية في مصر مارتي روميرو إن احتياجات اللاجئين الفارين من السودان تزداد، لكن التمويل لا يواكب ذلك، “ومصر تواجه ضغوطًا هائلة، والخدمات الأساسية تُدفع إلى أقصى حدودها، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات دولية عاجلة، فإن اللاجئين والمجتمعات المضيفة سوف يواجهون المزيد من المصاعب، ونحن بحاجة إلى دعم فوري ومستدام لمنع تفاقم هذه الأزمة.”
العرب