آخر الأخبار

تاجر الإبل وحامي القوافل.. حميدتي ولعبة النجاة والقفز من المراكب

شارك

بعد أقل من أسبوع على تأكيد قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو ‏‏(حميدتي)، أن قواته لن تخرج من العاصمة الخرطوم، كان الجيش السوداني قد استعاد القصر الجمهوري في العاصمة بعد معارك عنيفة مع قوات حميدتي يوم الجمعة الماضي (21 مارس/ آذار الجاري).

وعشية الذكرى الثانية عشرة لتأسيس قوات الدعم السريع عام 2013 ظهر حميدتي الأحد الماضي، بعد اختفاء طويل ليؤكد أن قواته “لن تخرج من القصر ‏الجمهوري”، وبأن ذكرى تأسيس قواته ستكون “يوم حسرة وندامة” على الجيش السوداني ‏وحلفائه، مشدّدًا في خطاب ألقاه عبر ‏مواقع التواصل الاجتماعي على أن “المرحلة القادمة مختلفة وسيكون القتال من ‏كل فج عميق”.‏

لكن وقائع الحرب في السودان بين قواته والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، جاءت بما لا يشتهي حميدتي ويتمنى، وربما تكون إيذانًا بأفول ظاهرته عسكريًا على الأقل رغم ما يتمتع به من دعم سخي من بعض الإقليم.

ولد محمد حمدان دقلو عام 1975 في ولاية شمال دارفور، على طريق قوافل التجارة بين السودان وليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى، وتعود جذوره إلى إحدى أكبر القبائل البدوية العربية في بلاده، وهي “الرزيقات” المنتشرة بشكل أساسي في إقليم دارفور وكردفان وبعض المناطق شرق تشاد.

تجارة الإبل وحماية القوافل

لم يكن أمام حميدتي من خيار سوى التأقلم مع قسوة الطبيعة في مسقط رأسه دارفور، شاسعة المساحة، قليلة الموارد، حيث الصراع لا ينقطع بين قبائل المنطقة على الماء والكلأ، وقانون القوة ونفوذ القبائل على الأرض هو السائد في إقليم تتوزع قبائله على أصول عربية وإفريقية (نحو 60% من القبائل من أصول إفريقية)، ما دفعه لترك الدراسة وهو في الخامسة عشرة من عمره ويلتحق بالعمل مبكرًا.

كانت تجارة الإبل هي المهنة الأكثر جنيًا للمال في تلك البيئة الصحراوية القاسية، فامتهنها، وعندما تقدّم به السن قليلًا جمعها مع المهنة الأكثر خطورة، وهي حماية قوافل التجارة بين بلاده وليبيا وتشاد، حيث لا قانون سوى القوة والقسوة البالغة للبقاء.

ووفقًا لمحمد سعد، وهو أحد مساعديه السابقين، فقد حمل حميدتي السلاح لأول مرة بعد أن هاجم مسلحون قافلته التجارية وقتلوا نحو 60 من عائلته وسرقوا ماشيته.

وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين كان في مطلع شبابه، ذاع صيته في مجال تجارة الإبل والأغنام واستيراد القماش، خاصة بين ليبيا ومالي وتشاد، بالإضافة إلى تزعّمه عددًا من أقاربه لتأمين قوافل التجارة من قطّاع الطرق، وهو ما راكم الثروة والقوة بين يديه في محيطه المحلي، وبهما عرف دائمًا كيف يستغل الفرصة إذا سنحت.

تحالف حميدتي- موسى هلال

وتزامن صعود حميدتي في منطقته مع أزمة الحكومة السودانية في إقليم دارفور، فبعد نزاعات على أماكن الرعي بين قبائل عربية وإفريقية بين عامي 1998 و1999 وتعيين حكومة الرئيس عمر البشير حاكمًا عسكريًا في ولاية غرب دارفور، أصبحت المنطقة بيئة لحركات تمرد ضد الحكومة في الشمال.

ففي فبراير/ شباط 2003 ظهرت حركة جيش تحرير السودان المسلحة، وبعدها حركة العدالة والمساواة، وتتكون كلتاهما من مسلحين ينتمون إلى قبائل غير عربية.

وبعد هجوم لحركة جيش تحرير السودان على مطار الفاشر (عاصمة شمال دارفور) خلّف عشرات القتلى من الجنود شن الرئيس عمر البشير هجومًا انتقاميًا مستعينًا بميليشيات عُرفت آنذاك بالجنجويد، وتعني “جن على جواد”، التي اتهم ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية لاحقًا مسؤولين فيها، إضافة إلى مسؤولين في الحكومة السودانية من بينهم البشير، دون تسمية حميدتي، بارتكاب إبادة جماعية فيها.

والجنجويد مسلحون من البدو الرحل، يتحدرون من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد، وكان قائد هذه الميليشيات خلال الحرب في دارفور بين عامي 2003-2005، هو موسى هلال، الذي انخرط دقلو في القتال إلى جانبه.

وقُتل نحو 300 ألف شخص في ذلك النزاع المرير والدامي وبالغ الفظاعة، كما تشرد الملايين عن ديارهم. واُتهمت قوات الجنجويد وحكومة البشير بارتكاب جرائم حرب شملت الإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب والاغتصاب وتدمير القرى وتهجير السكان.

الصراع على الذهب في جبل عامر

لم يكن تحالف موسى هلال ودقلو في دارفور وما بعدها مبدئيًا، لكنه تواصل بعد اكتشاف الذهب في جبل عامر عام 2012 في شمال دارفور، حيث استولت ميليشيات موسى هلال بالقوة على المنطقة، وبدأ بتعدين الذهب وبيعه، ما جعل من هلال ودقلو الذي أنشأ شركة تجارية سمّاها الجُنيد، ثريين.

ولكن حميدتي انقلب على هلال الذي أعلن عام 2013 انشقاقه عن المؤتمر الوطني الحاكم وانضمامه إلى حزب “الإصلاح الآن”، وأعلن رفضه عام 2016 نزع سلاحه.

وفي عام 2017 تصدّت قوات حميدتي لهلال واعتقلته، فأصبح حميدتي المقرّب الوحيد من الرئيس البشير، والوحيد الذي يتحكم بمناجم الذهب التي تدر أرباحًا بمئات ملايين الدولارات سنويًا، وأصبحت شركة الجنيد التي يديرها شقيقه مجموعة ضخمة متعددة النشاطات التجارية من الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات إلى صناعة الحديد والصلب، وأصبح حميدتي من أثرى رجال السودان، مع مجموعة تتكاثر وتتضاعف من المسلحين التابعين له.

حميدتي يقفز من مركب البشير

وبعد دورها في نزاع دارفور منح الرئيس البشير الصفة الرسمية والشرعية لقوات الدعم السريع، وفق مرسوم رئاسي أصدره في عام 2013، وحتى عام 2017 كانت تتبع جهاز الأمن والمخابرات قبل أن تتبع الجيش.

في ذلك الوقت كان تعداد قوات الدعم السريع نحو 5000 عنصر، وأصبح عام 2019 نحو 40 ألفًا، وتقدّر مصادر أخرى عدد عناصرها في السنوات الأخيرة بنحو 100 ألف مسلح.

وزاد نفوذ القوات في آخر سنوات الرئيس البشير الذي حوّلها إلى قوة منفصلة ورديفة للجيش، وفي عهده تمت ترقية حميدتي إلى رتبة فريق رغم أنه لم ينخرط في الجيش يومًا، لكن هذا الأخير وعلى غرار قفزه من مركب التحالف مع موسى هلال عندما انقلبت حكومة البشير عليه، تخلّى عن البشير بعد المظاهرات الشعبية العارمة التي أطاحت به عام 2019، وسرعان ما حجز حميدتي مقعدًا له في العهد الجديد، وعيّن عام 2019 عضوًا في مجلس السيادة الانتقالي الذي تأسس لحكم البلاد.

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، دعم حميدتي قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في انقلابه على شركائه المدنيين في السلطة، وأصبح نائبًا له في رئاسة مجلس السيادة.

لكنهما اختلفا بشأن شروط اندماج قوات التدخل السريع في الجيش، ما يذكّر بصراعه مع موسى هلال على الحظوة والثروة من قبل، وتخلّيه عن البشير عندما أيقن أنه لن يظل في السلطة، مفضّلًا دائمًا إعلاء مصلحته على تحالفاته، ما تسبّب في اندلاع الحرب بين حميدتي والبرهان في أبريل/ نيسان 2023، والتي أسفرت عن سقوط عشرات آلاف القتلى ونزوح أكثر من 12 مليونًا، متسببة بأكبر أزمتي جوع ونزوح في العالم.

واشنطن تتهم حميدتي بالإبادة

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي تلقى حميدتي ضربة موجعة عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه، لمسؤولية قوات الدعم السريع التي يتزعمها عن إبادة جماعية خلال الحرب، بعد أن خلصت إلى ارتكابها عمليات تطهير عرقي في غرب دارفور عام 2023.

وقال وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن إن قرار واشنطن استند إلى معلومات حول عمليات قتل “منهجية” ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد رجال وفتيان واغتصاب نساء وفتيات من مجموعات إثنية معيّنة.

وتسبّبت حرب الشريكين السابقين بأسوأ أزمة نزوح بحسب المنظمات الدولية. وقال “المجلس الدنماركي للاجئين”، إن عدد النازحين حول العالم يبلغ 122,6 مليون شخص، وتوقع المجلس أن تدفع الحروب والهجمات على المدنيين أكثر من 6,7 ملايين شخص للنزوح في مختلف أنحاء العالم خلال العامين المقبلين، مشيرًا إلى أن ثلث الحالات ستسجل في السودان، حيث “الأزمة الإنسانية الأكثر إلحاحًا في العالم”، بحسب المجلس الذي قال إن 12,6 مليون شخص نزحوا بالفعل داخل السودان وإلى دول الجوار.

أكبر أزمة إنسانية على الإطلاق

وقال تقرير أصدرته لجنة الإنقاذ الدولية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إن الأزمة في السودان أصبحت “أكبر أزمة إنسانية مسجلة على الإطلاق” بعد 20 شهرًا من الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقالت اللجنة التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، إن سكان السودان “يمثلون 10 بالمئة من مجموع الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية، رغم أنهم يشكلون أقل من واحد بالمئة من سكان العالم”.

وبحسب الأمم المتحدة، يواجه نحو 26 مليون شخص في السودان، أي نحو نصف السكان، الجوع الحاد. وقد أعلنت المجاعة بالفعل في مخيم زمزم للنازحين في إقليم دارفور، في ظل أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة الأسوأ في التاريخ الحديث.

وقالت اللجنة إن ما مجموعه 30,4 مليون شخص هم بحاجة مساعدة إنسانية في جميع أنحاء السودان، ما يجعلها “أكبر أزمة إنسانية مسجلة”.

حالات اغتصاب مروّعة

وإلى جانب مخاطر الجوع والنزوح شهد السودان خلال الحرب بين شريكي الأمس (البرهان وحميدتي) حالات اغتصاب مروّعة. وفي مطلع مارس/ آذار الحالي أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أنّ مقاتلين سودانيّين اغتصبوا أطفالًا، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم عامًا واحدًا، في فظائع يمكن أن ترقى إلى “جرائم حرب”.

وقالت اليونيسف في تقرير إنّ البيانات المجمّعة من قبل منظّمات حقوقية ميدانية تحارب العنف الجنسي “لا تقدّم إلا صورة جزئية عن النطاق الحقيقي للعنف الذي يمارس ضدّ الأطفال”، مندّدة باستخدام العنف الجنسي سلاحًا في الحرب.

وبحسب اليونيسف فإنّه منذ مطلع 2024، تمّ توثيق 221 حالة اغتصاب أطفال، حوالى ثلثيهم فتيات، وبينهم 16 طفلًا دون سنّ الخامسة، وأربعة لم يتجاوزوا من العمر عامًا واحدًا.

وقالت المديرة العامة لليونيسف كاثرين راسل: إنّ “واقع أنّ أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم عامًا واحدًا قد تعرّضوا للاغتصاب من قبل رجال مسلّحين ينبغي أن يشكّل صدمة للجميع وأن يستدعي اتّخاذ إجراءات فورية”.

وأضافت أنّ “ملايين الأطفال في السودان معرّضون لخطر الاغتصاب ولأشكال أخرى من العنف الجنسي”، محذّرة من أنّ هذه الفظائع تنتهك القانون الدولي ويمكن أن ترقى إلى جرائم حرب.

وفي يناير الماضي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سليمة إسحق محمد الخليفة المسؤولة عن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في الحكومة السودانية، أن أكثر من 550 امرأة تعرّضن للاغتصاب من عناصر في قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب مع الجيش في أبريل 2023.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اتهمت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان قوات الدعم السريع ومجموعات مسلحة متحالفة معها بارتكاب “أعمال عنف جنسي وعلى أساس الجنس على نطاق واسع” تشمل “الاغتصاب والاستعباد الجنسي” وغيرها من التجاوزات.

كما وثّقت البعثة حالات عنف قائم على أساس الجنس ارتكبها عناصر في الجيش وفصائل مسلحة متحالفة معه، وخلص تحقيق الأمم المتحدة إلى أن قوات الدعم السريع تمارس “العنف الجنسي الممنهج على نطاق واسع”.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا