تجمع دولتا الإمارات العربية المتحدة والسودان، علاقات قوية على المستويين السياسي والاقتصادي منذ نحو أربعة عقود. وطوال الأزمات السياسية التي مر بها السودان، كانت الإمارات في مقدمة الدول التي لعبت دوراً محورياً، من أجل الحفاظ على أمن واستقرار السودان. ومنذ اندلاع الصراع الراهن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، سارعت الإمارات لاحتواء الوضع في السودان، داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بطرح دعوات وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من تداعيات هذا التصعيد العسكري.
تعود العلاقات بين الإمارات والسودان إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، وحرص قادة الدولتين على تطوير العمل المشترك، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والتنموية. وتعد السودان من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الإمارات في ديسمبر 1971.
أجرى الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، زيارة رسمية للسودان في 20 فبراير 1972، وكان الرئيس السوداني الراحل جعفر محمد نميري، أول رئيس دولة يزور الإمارات، في 23 أبريل 1972.
تعمقت العلاقات بين البلدين، بتأسيس الشيخ زياد بن سلطان آل نهيان، شارع “هيا بورتسودان” بطول (600) كم، والذي يعد من أهم المشاريع القومية التنموية، نظراً لأنه يربط بين ميناء السودان الرئيسي بوسط البلاد. تأسست أول شركة حملت اسم “شركة الإمارات والسودان للاستثمار” في 1975، وخرجت منها عدة مشروعات تنموية، وكانت الشركة الأم لعدة شركات منها “الإمارات” و”البحر الأحمر للاستثمار”.
برز دور الإمارات في دعم السودان في محطات فاصلة بتاريخها، حيث قدمت الإمارات بالتعاون مع المملكة السعودية حزمة مساعدات للسودان تصل إلى (3) مليارات دولار، بعد عزل الرئيس السوداني السابق عمر البشير في 2019. ولعبت الإمارات دوراً في توقيع اتفاق سلام تاريخي بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح في 3 أكتوبر 2020.
عقدت أعمال الدورة الأولى للجنة المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات، والخارجية السودانية، في 7 ديسمبر 2020، لبحث سبل مكافحة “كوفيد-19”.
أطلقت الإمارات والسودان، في 31 أغسطس 2021، شراكة استراتيجية في التحديث الحكومي، لتبادل الخبرات في مختلف المجالات. تعد هذه الشراكة انعكاساً للعلاقات القوية بينهما، وتأكيداً على الثقة المتبادلة بين الحكومتين، لإقامة شراكة جديدة واستفادة السودان من نموذج تحديث الحكومة لدى الإمارات.
امتد التعاون الاقتصادي بينهما، بمساهمة الإمارات في مشروعات التنمية والاستثمارات الكبرى في السودان، حيث تعد الإمارات شريكاً أساسياً في خطط السودان التنموية، وحرصت على زيادة التبادل التجاري، بالتعاون المشترك بين رجال الأعمال والشركات والمؤسسات من البلدين.
قدمت الإمارات في 25 يونيو 2020، (50) مليون دولار لدعم مبادرات النمو الاقتصادي بالسودان بالتعاون مع البنك الدولي، لخلق فرص عمل وتشجيع الاستثمارات النوعية، ودفع عجلة التنمية وتعزيز سبل العيش بالسودان. وصل حجم الاستثمارات والتمويلات التنموية التي قدمتها الإمارات للسودان، لأكثر من (28) مليار درهم، وتعمل (17) شركة إماراتية بقطاعات اقتصادية متنوعة بالسودان.
يعد صندوق أبوظبي للتنمية، من أبرز المؤسسات الداعمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالسودان، بتمويل قطاعات متنوعة وودائع بقيمة (7.3) مليارات درهم، لذا تحتل السودان صدارة الدول المستفيدة من تمويلات الصندوق. دعمت الإمارات احتياطات العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي، بإيداع نحو (250) مليون دولار في أبريل 2021، لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي بالسودان.
بلغت صادرات الإمارات للسودان في 2023، نحو (861) مليون دولار، ومن أبرزها المجوهرات بقيمة (128) مليون دولار، والنفط المكرر بقيمة (121) مليون دولار، والسكر الخام بنحو (35.5) مليون دولار. وبلغت صادرات السودان للإمارات في 2023، نحو (1.09) مليار دولار، ومن أبرزها الذهب بقيمة (1.03) مليار دولار، والبذور الزيتية بقيمة (15.9) مليون دولار، والمحاصيل العلفية بقيمة (14.2) مليون دولار.
تلعب الإمارات دوراً دبلوماسياً في تهدئة الصراع في السودان، بتقديم مقترحات ومبادرات لوضع حل للأزمة المشتعلة منذ ما يقرب من عامين. وشددت الإمارات في 22 مايو 2023، على ضرورة وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع، وطالبت باتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاشتباكات المسلحة بالسودان.
بعودة القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أكدت الإمارات في 17 نوفمبر 2023، على موقفها من دعم إيجاد حل سلمي لإنهاء الصراع، خلال الاجتماع الافتراضي الوزاري لمجلس الأمن والسلام للاتحاد الأفريقي. وفي جلسة مجلس الأمن التي انعقدت في 9 مارس 2024، دعمت دعوة المجلس لوقف القتال بالسودان خلال شهر رمضان. وأيدت الإمارات الجهود الدبلوماسية لتيسير وصول المساعدات الإغاثية والإنسانية، وخفض التصعيد والاتجاه إلى الحوار السياسي.
جددت الإمارات دعوتها في 27 أبريل 2024، على ضرورة وقف الاشتباكات وتحديداً في شمال دارفور، ودعت مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان إنهاء النزاع ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. ووجهت الإمارات رسالة لمجلس الأمن في 28 يونيو 2024، للمطالبة بحماية المدنيين والبنية التحتية بالسودان، وفقاً للمواثيق والقوانين الدولية، داعية طرفي الصراع للامتثال لجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
حذرت الإمارات في 6 أغسطس 2024، من خطر المجاعة بالسودان وانعدام الأمن الغذائي الشديد الذي يؤثر على أكثر من (25) مليون سوداني. وأشارت في كلمتها بمجلس الأمن إلى سوء الأوضاع في شمال دارفور وتحديداً في مخيمات زمزم وأبو شوك والسلام، داعية المجتمع الدولي لاستخدام كافة الأدوات المتاحة له لمواجهة الوضع الكارثي بالسودان، والنظر في إمكانية منح الوكالات الإنسانية والإغاثية التابعة للأمم المتحدة إذا لزم الأمر تفويضاً، لإيصال المساعدات للمتضررين من الحرب عبر خطوط النزاع أو عبر الحدود.
رحبت الإمارات في 28 ديسمبر 2024، بالجهود الدبلوماسية لتركيا، لإيجاد حل للأزمة السودانية، وأكدت الإمارات على أن موقفها ثابت من وقف فوري لإطلاق النار ووقف الاقتتال الداخلي في السودان، ومعالجة الأزمة الإنسانية الكارثية.
أعلنت الإمارات في أبريل 2024، تخصيص (100) مليون دولار لدعم عمل وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والإغاثية بالسودان، وفي 17 يونيو 2024 خصصت (70%) من هذا التعهد. خصصت الإمارات مساعدات إغاثية للشعب السوداني بحوالي (30) مليون دولار للدول الإقليمية من أجل دعم اللاجئين السودانيين بدول الجوار، إضافة إلى (130) مليون دولار في صورة مساعدات إنسانية منذ اندلاع الحرب. وانشأت الإمارات جسور جوية وبحرية لتسهيل نقل الإمدادات الطبية والغذائية، وافتتحت مستشفيين ميدانيين في تشاد لتقديم الدعم الطبي للاجئين السودانيين الوافدين إليها.
نقلت الإمارات (100) ألف طن من الإمدادات الغذائية والطبية عبر (159) طائرة إمدادات إغاثية، و(1000) طن من المستلزمات الإغاثية العاجلة عبر سفينة. وقدمت (100) طن من المواد الغذائية كمساعدات للاجئين في جنوب السودان عبر برنامج الأغذية العالمي.
قدمت الإمارات في 26 يونيو 2024، (8) ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية لتمويل المبادرات الصحية بالسودان، وشددت مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية لانا زكي نسيبة، على دعم عمل منظمة الصحة العالمية لتخفيف الظروف التي يعيشها السودانيين. ووقعت الإمارات في 23 يوليو 2024، اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي لتقديم مساعدات غذائية طارئة للسودانيين في السودان وجنوب السودان، واللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم والنازحين داخلياً والعائدين المتأثرين بالحرب.
ووجهت الإمارات مساعدات بقيمة (25) مليون دولار بواقع (20) مليون دولار للسودان و(5) ملايين دولار لجنوب السودان. وبلغت مساعدات الإمارات للسودان خلال الـ (10) السنوات الماضية أكثر من (3.5) مليار دولار. أطلقت الإمارات مبادرات إنسانية في 14 ديسمبر 2024، لدعم اللاجئات السودانيات في تشاد، بقيمة (10.25) مليون دولار من المساعدات الإنسانية.
شاركت الإمارات في الاجتماع الثالث لكبار المسؤولين الإنسانيين التابع للاتحاد الأوروبي حول السودان، الذي انعقد في 14 مارس 2025، للتأكيد على التزامها الراسخ بمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية ودعم الجهود الدبلوماسية، لتخفيف تداعيات الصراع المشتعل في السودان، ولتنسيق الجهود الإنسانية لضمان وصول المساعدات اللازمة لحماية المدنيين.
تواصل الإمارات جهودها في أروقة مجلس الأمن، بتشجيع الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة في تنظيم محادثات وقف إطلاق النار في جنيف، ودور السعودية وسويسرا لاستضافة هذه المحادثات بشكل مشترك. تدعم الإمارات المبادرات الرامية لوقف الحرب السودانية، وضمت صوتها لدعوة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي لعقد اجتماع في (10-15) يوليو 2024 للتوصل إلى حل للأزمة السودانية.
وقد أكدت الإمارات في ديسمبر 2024 على عملها، مع كافة الأطراف المعنية والشركاء الإقليميين والمجتمع الدولي، لوقف التصعيد وبدء الحوار بين طرفي الصراع، لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في التنمية والأمن والاستقرار. أكد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في 19 يوليو 2024، على دعم بلاده لجميع جهود الوسطاء لإنهاء الاشتباكات في السودان، مشدداً خلال اتصال هاتفي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، على أهمية تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي.
شاركت الإمارات في 14 فبراير 2025، بأول مؤتمر دولي يدعو للتضامن مع الشعب السوداني، ويطالب بهدنة في شهر رمضان. وخلال المؤتمر الذي انعقد في أديس أبابا، انضمت الأمم المتحدة وبريطانيا إلى دعوة الإمارات المطالبة بوقف فوري للحرب. أعلنت الإمارات عن تقديم مساعدات إضافية بقيمة (200) مليون دولار، كمساعدات إنسانية للسودانيين.
– تحرص الإمارات على تحقيق الاستقرار ومعالجة التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه السودان، في ظل استمرار الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، عبر الجهود الدبلوماسية وتقديم مبادرات لوقف إطلاق النار بين طرفي الصراع. ويعد هذا الدور الإماراتي امتداداً للعلاقات التاريخية المشتركة مع السودان، حيث أولت الإمارات اهتماماً خاصاً بالسودان على مدار العقود الماضية، بالاستثمارات ودعم مشاريع التنمية والقطاعات الاقتصادية.
– ينظر المجتمع الدولي إلى الدور الإماراتي، باعتباره دوراً رئيسياً في أزمة السودان الراهنة، إذ تعد الإمارات من أوائل دول المنطقة التي قدمت مبادرات لإنهاء الاشتباكات والتوصل لحل سياسي، لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع السوداني، إضافة إلى أنها تتعاون مع الشركاء الدوليين والمنظمات الأممية، في إيصال المساعدات الإنسانية للشعب السوداني، وتقديم الدعم المالي لتعزيز عمل المنظمات الإغاثية لتلبية احتياجات المدنيين في السودان وجنوب السودان.
– تواصل الإمارات دورها على المستويين السياسي والإنساني، لتحريك دعوات دولية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، بشأن ضرورة وقف القتال بالسودان، خاصة وأن هذه الأزمة تقترب من دخول عامها الثالث، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بتسوية لهذا الصراع، الأمر الذي يزيد مخاوف الأطراف الإقليمية والدولية، من تعقد المشهد العسكري والسياسي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما يفاقم من سوء الأوضاع الإنسانية في مناطق الاشتباكات.
– أكدت خطابات الإمارات أمام مجلس الأمن، على مدار نحو عامين، على موقفها الثابت الرافض لتصاعد العنف ودعم مبادرات نزع السلاح، والتخلي عن الحلول العسكرية، لذا تضامنت مع الجهود المبذولة من جانب الشركاء الإقليميين والدوليين، والتي نتج عنها “اتفاق جدة” ومباحثات جنيف، إضافة إلى مبادرة تركيا الأخيرة لنزع فتيل الأزمة السودانية.
– رغم الجهود الإماراتية المبذولة، لإعادة فتح الحوار بين طرفي الصراع السوداني، والتنسيق المشترك مع باقي الأطراف الإقليمية والدولية، لتسوية الأزمة السياسية واحتواء المعاناة الإنسانية للشعب السوداني، إلا أن هناك تحديات تواجه هذه التحركات، متمثلة في تباين وجهات النظر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وطول أمد الصراع، وعدم الامتثال لقرارات مجلس الأمن وأطروحات مباحثات جدة واجتماعات جنيف، ما يشير إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق للتهدئة في الوقت الراهن.
– إن العلاقات التاريخية بين الإمارات والسودان، وطبيعة الدعم المقدم من جانب الإمارات للشعب السوداني في أزماته، تؤكد على أن الإمارات ستكون في مقدمة الدول، التي ستتولى إعادة إعمار السودان، وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين، في حال التوصل لاتفاق لوقف الحرب خلال الفترة المقبلة.
المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI